[email protected]
ضمن المواد التي تم الاستفتاء عليها في التعديلات الدستورية الماة بالإعلان الدستوري في مارس الماض جاءت مادة تقضي بمرور الدستور الجديد عبر جمعية تأسيسة يتم اختيارها من أعضاء مجلس الشعب…ولأن انتخابات مجلس الشعب القادم سوف تتم في ظروف صعبة غير مضمونة العواقب وهو الأمر الذي دفع معظم التيارات السياسية النزيهة لرفض اتمام الانتخابات في سبتمبر المقبل لعدم وجود ضمانات أمنية كافية ولعدم استعداد الأحزاب الجديدة علي أرض الواقع مما يمهد التربة لفوز فصيل بعينه بأغلبية ساحقة وهو جماعة الإخوان المسلمين.
في هذا الصدد حصلت وطني علي نص حكم المحكمة الدستورية العليا الذي يقضي بعدم جواز إنشاء الدستور عبر مجلسي الشعب والشوري والصادر في عام1994 وهو التالي:
حكم المحكمة الدستورية العليا: عدم جواز إنشاء الدستور عبر مجلس الشعب أو مجلس الشوري
قضت المحكمة الدستورية العليا بجلستها التي عقدت بتاريخ1994/12/17 في القضية المقيدة بجدول هذه المحكمة برقم 13 لسنة 15 قضائية دستورية بأنه وحيث إن سيادة الدستور-بمعني تصدره القواعد القانونية جميعها- ليس مناطها عناصر مادية قوامها مضمون الأحكام التي احتواها,والتي تنظم بوجه خاص تبادل السلطة وتوزيعها والرقابة عليها, بما في ذلك العلائق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية, وكيفية مباشرتهما لوظائفهما. ونطاق الحقوق التي يمارسها المواطنون, وكذلك الحريات التي يتمتعون بها, ذلك أن الدستور. محددا بالمعني السابق علي ضوء القواعد التي انتظمها -هو الدستور منظورا إليه من زاوية مادية بحتة هي زاوية لا شأن لها بعلو القواعد الدستورية وإخضاع غيرها من القواعد القانونية لمقتضاها. وإنما تكون للدستور السيادة, حين تهيمن قواعده علي التنظيم القانوني للدولة لتحتل ذراه. ولا يكون ذلك إلا إذا نظرنا إليه من زاوية شكلية لاتتقيد بمضمون القواعد التي فصلها, وإنما يكون الاعتبار الأول فيها عائدا أولا إلي تدوينها, وثانيا إلي صدورها عن الجهة التي انعقد لها أمام تأسيسها والتي تعلو بحكم موقعها من السلطتين التشريعية والتنفيذية. عليهما معا إذ هما من خلقها وينبثقان بالتالي عنها, يلتزمان دوما بالقيود التي فرضتها, وبمراعاة أن القواعد التي صاغتها هذه الجهة وأفرغتها في الوثيقة الدستورية لايجوز تعديلها أو إلغاؤها إلا وفق الأشكال والأنماط الإجرائية التي حددتها, بشرط أن تكون في مجموعها أكثر تعقيدا من تلك التي تنزل عليها السلطة التشريعية إذا عن لها تعديل أو إلغاء القوانين التي أقرتها. ودون ذلك تفقد الوثيقة الدستورية أولويتها التي تمنحها علي الإطلاق الموقع الأسمي والتي لا تنفضم الشرعية الدستورية عنها في مختلف تطبيقاتها, باعتبار أن التدرج في القواعد القانونية بعكس لزوما ترتيبا تصاعديا فيما بين الهيئات التي أقرتها أو أصدرتها(حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 13 لسنة 15 قضائيةدستورية جلسة1994/12/17 منشور في مجموعة المكتب الفني للمحكمة الدستور العليا الجزء السادس, ص408). هذا هو نص الحكم بينما ذهبت مجموعة من الفقهاء الدستور لتقديم مذكرة تفسيرية وتوزيعها في ميدان التحرير مفادها الآتي
إن الحكم السابق لايحتاج إلي تفسير مع وضوح عباراته وألفاظه بما لايمكن معه افتراض تفسير آخر, ذلك أن الحكم يقضي بعلو القواعد الدستور عن أي قواعد قانونية أخري في الدولة, بما لا يجوز مخالفتها أو مناهضتها كما أقر هذا الحكم قاعدة لها أهمية خاصة في تفسير ما يدور في المجتمع المصري الآن من صراع قانوني دستوري. وهذه القاعدة هي أنه يجب أن تقوم جهة تأسيسية بوضع الدستور الدائم الذي يحكم البلاد: وهي تعلو عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. إذ هما من خلقها وينبثقان بالتالي عنها. وبعبارة أخري, فإن الوثيقة الدستورية تخلق سلطات الدولة( بما فيها مجلس الشعب والحكومة) وتقرر مسئوليتها والقواعد التي تحكمها. وبالتالي يكون المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا, أنه يجب أن تعلو الجهة التأسيسية التي تضع الدستور دوما عن كافة سلطات الدولة وتنفصل وتستقل عنها, حتي تفرض عليها القيود التي وضعتها فيما يتعلق بممارسة سلطاتها. وتراعي سلطات الدولة القواعد التي صاغتها هذه الجهة وافرغتها في الوثيقة الدستورية ولايجوز تعديلها أو إلغاؤها إلا وفق الأشكال والأنماط الوقائية التي حددتها, بشرط أن تكون في مجموعها أكثر تعقيدا من تلك التي تنزل عليها السلطة التشريعية إذا عن لها تعديل أو إلغاء القوانين التي أقرتها. أي أنه يجب علي جميع سلطات الدولة احترام القواعد التي وضعتها الجهة التأسيسية في نصوص الدستور( بعد موافقة الشعب عليها في استفتاء شعبي بطبيعة الحال): إذ أنه لا يجوز تعديل أو إلغاء أي نص في الدستور, إلا عن طريق قواعد وضعتها الجمعية أو الجهة التأسيسية: ودون ذلك تفقد الوثيقة الدستورية أولويتها التي تمنحها علي الإطلاق الموقع الأسمي والتي لا تنفضم الشرعية الدستورية عنها في مختلف تطبيقاتها, باعتبار أن التضارب في القواعد القانونية يعكس لزوما ترتيبا تصاعديا فيما بين الهيئات التي أقرتها أو أصدرتها. متي كان ذلك. وكان مقتضي نص المادتين 48, 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم48 لسنة 1979, أن يكون لقضاء هذه المحكمة, في الدعاوي الدستورية حجية مطلقة في مواجهة الكافة, وبالنسبة للدولة بسلطاتها المختلفة, وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته. ومن ثم لايجوز لأي من سلطات الدولة المختلفة مخالفة ما قضت به المحكمة الدستورية العليا في كافة أحكامها.
وخلاصة ما تقدم أنه يجب علي جميع سلطات الدولة أن تستمد سلطتها من الوثيقة الدستورية التي تضعها جهة أو جمعية تأسيسية(أيا كان مسمي الجهة التأسيسية لوضع الدستور) وهذه الجمعية التأسيسية تضع الوثيقة الدستورية التي تحدد جميع سلطات الدولة ومسئوليتها: ولايجوز إلغاء أو تعديل هذه الوثيقة الدستورية إلا بإجراءات وقواعد تختلف تماما عن إلغاء أو تعديل القواعد القانونية الأدني من قواعد الدستور. وإذا افترضنا عكس ذلك, أي وجود أي من سلطات الدولة قبل تواجد الدستور الدائم الذي يحمي مصالح ويحدد مسئوليات الشعب وكافة السلطات الرئيسية في الدولة لمدة من الزمن قد تطول لعقود من السنين:فإن معني ذلك أن تتواجد هذه السلطة قبل تواجد الدستور ذاته الذي سوف يحكمها في المستقبل: بما يؤدي إلي انبثاق الدستور من هذه السلطة وليس انبثاق السلطة وليس انبثاق السلطة( أيا كانت تشريعية أو غيره) من الدستور: وهو ما يخالف ما قضت به المحكمة الدستورية العليا في حكمها سالف البيان. أي أنه لايمكن تمرير الدستور من خلال كيان هو المنوط بتنظيمه إذ الدستور يقوم علي تنظيم مجلس الشعب.
ومن ثم فإن المطلب الوطني بانتخابات اللجنة التأسيسية لوضع الدستور الجديد للبلاد أولا وقبل انتخاب مجلس الشعب أو الشوري أو رئيس الدولة يصبح هو الاختيار الصحيح دستوريا وفقا لما قضت به المحكمة الدستورية العليا في مصر في أحكامها التي تحوز الحجية المطلقة لدي سلطات الدولة وأفرادها. وهي المسئولة دون غيرها عن الرقابة الدستورية.