تقدم الرئيس الروسي في أبريل الماضي بمبادرة عقد معاهدة طاقة شاملة, بوسعها المساعدة علي تطوير قطاع الطاقة في أوربا, ورحب بهذه المبادرة معظم الدول الأوربية, وخاصة الكبيرة منها مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا.
وقال وزير الخارجية الألماني فرانك شتاينماير إن مقترح الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف بشأن إمدادات الغاز والنفط بناء, ودعا بلدان الاتحاد الأوربي إلي الاستجابة له.
وقال شتاينماير في حديث للصحفيين: أعرف أنه لا يوجد حاليا إجماع, ولكن أدعو إلي أن نستجيب, نحن في الاتحاد الأوربي, بشكل بناء وصريح لمقترحات ميدفيديف هذه. وأضاف أنه يجدر اعتبار أمن الطاقة بمثابة ثروة مشتركة, ويستهدف استحداث إدارة حقيقية للطاقة في أوربا.
موسكو تري أن ميثاق الطاقة الأوربي الحالي لا يستطيع تسوية كل المشاكل في هذا المجال, وتطالب بضرورة إعداد اتفاقيات جديدة لضمان أمن الطاقة, بدل الميثاق الحالي. ويذكر أن روسيا لم تنضم إلي ميثاق الطاقة ولا تنوي الانضمام إليه بصيغته الحالية, لأنه لا يطبق بشكل كامل ويركز فقط علي ضمان حقوق المستهلكين ولا يراعي مصالح المنتجين.
كما أن هناك بعض الشكوك لدي روسيا بوجود مساع غير حميدة من بعض الجهات داخل أوربا وخارجها, لإعاقة التعاون الروسي ـ الأوربي في مجال الطاقة. وفي واشنطن يشككون ويقولون إن روسيا تسعي لفرض هيمنتها علي أوربا باستخدام سلاح الطاقة.
وقد سبق أن رد الرئيس الروسي ميدفيديف علي هذه الشكوك في قمة روسيا ـ الاتحاد الأوربي التي عقدت في مدينة خاباروفسك في أقصي شرق روسيا, قائلا إن موضوع الطاقة هو الموضوع الذي يجب أن يوحدنا, فهو يربط ما بين روسيا والاتحاد الأوربي.
أكد ميدفيديف علي ضرورة العمل من أجل أن يتطور التعاون في مجال الطاقة بصورة حضارية, مشيرا إلي أن روسيا ستواصل بذل الجهود من أجل إنشاء أشكال قانونية للتعاون في هذا المجال. كما شدد علي ضرورة السعي لمنع وقوع أزمات, مؤكدا أن الاتفاقيات الجديدة يجب أن تكون موجهة نحو تحقيق هذا الهدف لأن الاتفاقيات الحالية, بما فيها ميثاق الطاقة, لا تحل المشكلة.
ولفت ميدفيديف الانتباه إلي أن المقترحات الروسية تهدف في أساسها إلي إرساء قاعدة تعاهدية جديدة, لضمان مصالح كل الأطراف الثلاثة المؤثرة علي التعاملات في أسواق الطاقة ـ المنتجون والمستهلكون وما يسمي بدول الترانزيت ـ موضحا أن ميثاق الطاقة الأوربي الحالي يعكس مصالح المستهلكين قبل غيرهم, بالدرجة الأولي.
في روسيا يعرفون أن هناك في واشنطن من يسعي لإفشال مشاريع التقارب الروسية ـ الأوربية, ومشكلتهم في واشنطن أنهم دائما يتصورون أن أي تحرك روسي في أوربا, اقتصادي أو تجاري أو أمني, هو في الأساس موجه ضد مصالح الولايات المتحدة ويستهدف إزاحتها من أوربا.
هذا علي الرغم من أن روسيا أكدت مرارا وتكرارا أنها تريد مشاركة الولايات المتحدة في منظومة الأمن الأوربي, وأن مناقشة المبادرة الروسية الخاصة بالأمن الأوربي بمشاركة الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة, ستكون مفيدة.
وسبق أن قال الرئيس الروسي ميدفيديف في خطاب ألقاه في برلين أمام حشد من ممثلي الأوساط الاجتماعية الألمانية في الخامس من شهر يونية 2008: إنني علي ثقة بأنه في غياب حوار مفتوح وصريح حول ما يثير قلقنا جميعا, لن نتقدم خطوة واحدة في ما يتعلق بإقامة أوربا كبيرة بكل معني الكلمة.
أضاف ميدفيديف مؤكدا أن المقصود بذلك معاهدة إقليمية تستند إلي مبادئ ميثاق الأمم المتحدة, وتوضح معني عامل القوة في العلاقات ضمن المجتمع الأوربي ـ الأطلسي. وسيكون من الممكن في إطارها حل مسائل الأمن والمراقبة علي الأسلحة في أوربا مجتمعة.
رغم كل هذه الجهود من جانب روسيا, ورغم تأييد الأوربيين لمبادرات الأمن المقدمة من روسيا, سواء في أمن الطاقة أو الأمن الإقليمي, إلا أن هناك في واشنطن من يتعامل بمنطق الحرب الباردة, ويصر علي التعامل مع روسيا علي أنها عدو لأوربا وليس جزءا لا يتجزأ منها.
* كاتب روسي
البيان الإماراتية