إن منظر السيد المسيح المولود من العذراء القديسة مريم في مذود للحيوانات هو تجلي للاتضاع, فليس هناك منظر آخر يماثله يمكن أن يرسم لنا طريق الاتضاع ولا يوجد معلم علي وجه الأرض يمكن أن يتكلم عن الاتضاع أكثر من مجرد النظر إلي الطفل يسوع في المذود.
إن التجسد الإلهي له أهداف كثيرة لمنفعة البشرية. الهدف الرئيسي منها هو القيام بعمل الفداء والبركات الأساسية أيضا أنه يرسم لنا طريقا نقتفي أثر خطواته كقول القديس يوحنا كما سلك ذاك هكذا يسلك هو أيضا (1يو2:6) وقول القديس بطرس لأنكم لهذا دعيتم فإن المسيح أيضا تألم لأجلنا تاركا لنا مثالا لكي تتبعوا خطواته (1بط2:21). وأعطانا السيد المسيح النصيحة للتمسك بهذه القدوة بقوله: تعلموا مني فإني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم (مت11:29).
والاتضاع ليس كلاما يقال بل هو عمل وحياة يأتي الكلام معبرا عن القلب الذي يعرف حقيقة ذاته.
والسيد المسيح له المجد في المذود متواضعا… بل ومعلما للاتضاع.
أولا: في المذود تنازل السيد المسيح في تجسده عن أمور كثيرة منها:
(أ) مجد لاهوته:
فقد أتي في صورة إنسان كقول القديس يوحنا والكلمة صار جسدا (يو1) وحسب تعبير القديس بولس الذي وضح هذه الحقيقة في أبلغ تعبير بقوله: فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضا الذي إذا كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله لكنه أخلي نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس (في2:5-7).
(ب) استعمال حق ملكيته للأرض:
فهكذا يقول داود النبي في المزمور للرب الأرض وملؤها المسكونة وجميع الساكنين فيها (مز24:1) ومع ذلك فإن السيد المسيح في ميلاده إذ جاء إلي هذه الأرض التي له يقول معلمنا لوقا إذ لم يكن لهما موضع في المنزل (لو2:7) وهي عبارة صحيحة وصادقة ومعبرة فإن البشرية كلها قد ملأها الشر والكبرياء وعمت الخطية نفوس البشر وليس للسيد المسيح مكان وسط الأشرار إلا لخلاصهم فأي اتفاق للمسيح مع بليعال (2كو6:14) ولابد له أن يختار جنسا آخر من المخلوقات ينزل عليه ضيفا حتي لو كان هذا الجنس هو الحيوانات طالما هي بلا خطية.
(ج) حق استعمال قدرته:
كان يمكن للسيد المسيح الذي كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان (يو1:2) الذي استطاع أن يخلق عينين للمولود أعمي (يو9:7) وأن يخلق طعاما من الخمس خبزات والسمكتين ليشبع بهم الآلاف الجائعة كان له القدرة أن يوجد مدينة ليس لها وجود من قبل تستقبله ليولد فيها متجسدا ولكن في تواضعه ليعين ضعفنا تنازل عن استعمال قدرته وبحث عن مكان له في الأرض! كذلك لم يستعمل هذه القدرة ضد هيرودس أو غيره من الأشرار.
ثانيا في المذود احتمل:
إن السيد المسيح في ميلاده المتواضع احتمل الكثير وفرض عليه الكثير مما لم يفرض علي طفل من قبل.
*عضو بالمجلس الإكليريكي العام وأستاذ القانون الكنسي