فلسفة الرسوم الجدارية والإبداع الشعبى النسوى فى البيئة الساحلية
اختتمت فعاليات الدورة الأولى لمهرجان فنون البحر الأحمر الذى أقيم بمحافظة السويس والذى افتتحه اللواء سيف الدين أحمد جلال محافظ السويس والدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، بمشاركة أربع دول عربية هى السعودية وفلسطين واليمن والسودان، بالإضافة لمشاركة الدولة المضيفة مصر بفرق الفنون والآلات الشعبية وهى : الاسماعيلية وأسوان للفنون الشعبية والقصير وتوشكى التلقائية وحلايب وشلاتين، بورسعيد والنيل للآلات الشعبية، السويس للآلات والفنون الشعبية، كما أقيم معرض فنون تشكيلية شارك فيه الفنانين التشكليين من الدول المشاركة ومعارض للحرف والمنتجات اليدوية والبيئية، وشارك فيه قصر ثقافة كفر الشرفا وأسوان والوادى الجديد ومعرض ملابس “شمال سيناء” ومعارض من الدول المستضيفة، بالإضافة لإقامة ندوات وأمسيات شعرية وندوات علمية، أقيمت هذه العروض الفنية والمعارض بمسرح قصر ثقافة السويس، ومسرح قصر ثقافة حى الأربعين، مسرح شركة البترول، مسرح الإسماعيلية وتضمن حفل الافتتاح كرنفال شاركت فيه كل الفرق المشاركة والموسيقات العسكرية فى موكب مراكب الصيد بخليج السويس أمام شاطئ “مون بيتش”، بالإضافة لافتتاح الفضاءات الحرة والمعارض التشكيلية والحرف اليدوية، وقدم العرض الافتتاحى المخرج الكبير عبد الرحمن الشافعى .
أقيمت عدة أمسيات شعرية بعنوان ” فضاءات حرة” بخيمة فضاءات حرة أمام قصر ثقافة السويس، شارك فيها شعراء السويس والشعراء من ضيوف المهرجان، كما شاركت فى بعض الأمسيات إحدى فرق السمسمية فى السويس .
فلسفة الرسوم الجدارية
فى إطار تناول فلسفة الرسوم الجدارية الشعبية والكتابات الخطية أقيمت إحدى الجلسات العلمية التى أدارها د. عبد الوهاب عبد المحسن رئيس اللجنة التنفيذية للمهرجان ورئيس الإدارة المركزية للشئون الفنية بالهيئة، حيث أشار إلى أن إدارة أطلس المأثورات الشعبية معنية بهذا الجانب التوثيقى وهو ما تأكد من خلال عدد من الأبحاث العلمية التى تقوم بها الإدارة، وقد اشتملت الجلسة على عدة أبحاث، حيث اعتبر الباحث أمجد عبد السلام فى بحثه “فلسفة الرسوم الجدارية وعناصرها التصميمية فى مختارات لبعض مبانى مدن البحر الأحمر، وأثر ذلك على إثراء البناء التشكيلى فى الأعمال الفنية” مدن البحر الأحمر من أهم المناطق الثرية بالرسوم والصياغات الجدارية التى تثرى وتدعم كل من يحاول البحث والتقصى عنها. حيث إنها تعتبره منبعاً غزيراً ينهل منه كل دارس وباحث لما للمنطقة من تاريخ وبطولات، وكذلك حضارات وحقب زمنية للمنطقة تعتبر من أهم المراحل فى تاريخ مصر. حيث تعد منطقة البحر الأحمر ميداناً مهما لإجراء دراسة فنية للتطبيقات المختلفة للتصميمات الشعبية لما تتمتع به هذه المنطقة من خصائص جغرافية واجتماعية وعادات وتقاليد شعبية متباينة كما أنها بالتقنيات الفنية .
يعرض البحث: صور الرسوم والنقوش الجدارية الشعبية بمدن البحر الأحمر بما يتمثل فى عنصر الخيال والفكر، إثارة الإعجاب والمتعة، الوفاء بالأغراض الوظيفية، الإيقاع العام فى الأشكال الفنية، عنصر التكتل، والتوزيع كقيمة جمالية، عنصر الوحدة فى التنوع، وسائط التنفيذ (الخامات المستخدمة)، اللون، واستخدام وحدة زخرفية ( مزية ) استخدام الحديد المشغول، استخدام الفن الشعبى لشكل الطائر والزخارف الحيوانية والتصميمات الزخرفية للزهور وأوراق الشجر.
وأشارت الباحثة د. جاكلين بشرى يواقيم فى بحث بعنوان “الرسوم الشعبية والكتابات الخطية وعلاقتها بحرفة صناعة المراكب” أن البحث يهدف إلى التعرف على قوانين الرسوم والكتابات الشعبية ودورها فى تكوين المفاهيم الجمالية والتشكيلية المتعلقة بالإبداع الفنى لدى الفنان الشعبى ودراسة الفنون الشعبية كاتجاه فنى وإمكانيات تحقيق المفاهيم الجمالية والتشكيلية فى مجال الحياة اليومية، وخصصت الباحثة منطقة البحث لمدينة السويس، وركزت على الرسوم الشعبية والكتابات الخطية على القوارب والسفن، وقدمت نبذة مختصرة عن مدينة السويس. حيث تعد أكبر مدينة مصرية على البحر الأحمر ثم نبذة تاريخية عن صناعة السفن والمصريين والبحر قبل التاريخ وصناعة بناء السفن فى التاريخ المصرى القديم وصناعة المراكب حديثا والرسوم الشعبية وماهية التصوير الشعبى وتاريخه وعلاقته بالرسوم البدائية ولمحة تاريخية عما وصلنا من فن شعبى قديم ورسوم تحمل الطابع الشعبى هذه اللمحة تشمل جذور التصوير الشعبى فى مصر إلى القرون الأولى للتاريخ الميلادى واستخدام الرمزية فى التصوير الشعبى واهم الأشكال الرمزية مثل النخيل، الأسد، الأفعى رمز الشر والسيف رمز البطولة والكف والعين ضد الحسد والسمكة رمز التكاثر والعصفور الأخضر رمز الخير وغيرها من رموز أخرى، والرموز اللونية كاللون الأحمر والأخضر والأسود ومصادر إلهام الفنان الشعبى من الحكاية الشعبية والقرآن الكريم والأحاديث النبوية والأمثال والنوادر والعادات والمعتقدات والشعر والرقص الشعبى والأدب الشعبى، وينتهى البحث إلى أن الرسوم الشعبية تعتبر مجالا خصبا للباحثين والمتخصصين والممارسين لإثراء أفكارهم وإبداعاتهم الفنية فى جميع المجالات الفنية.
الإبداع الشعبى النسوى
عقدت أيضا جلسة بحثية علمية تناولت بحثان هما : تصنيع المراكب فى السويس للباحــــــث حسين محمد الإمام ، الإبداع الشعبى النسوى فى البيئة الساحلية..محافظة السويس نموذجاً للباحثة دعاء صالح.
حيث أوضح حسن الإمام أن البحث يحاول التعرض لتقنيات صناعة المراكب بمدينة السويس فى مختلف مراحلها بدايةً من جلب الأخشاب والخامات الأخرى المستخدمة فى الصناعة ومروراً بتجهيز الخامات ثم تصنيع المركب وأخيراً عمليات التشطيب والدهان كما يركز على ديناميكيات التغيير فى تلك الصناعة من إجراء المقابلات الميدانية المتعمقة مع بعض المشتغلين من الحرفيين من مختلف الأعمار لنتبين أثر دخول التكنولوجيا الحديثة فى هذه الصناعة، بالإضافة إلى التعرض لأهم أنواع المراكب التى يتم تصنيعها والأشكال الجديدة التى تم استخدامها وأسلوب انتقال الحرفة من جيل إلى جيل آخر “نسق الصبينة”، كما يتحدث البحث عن أنواع المراكب وهى مراكب النزهة “السياحية”، مراكب الصيد، مراكب التجارة، ويتناولها البحث فى الماضى والحاضر وتطور الأدوات والعدد المستخدمة فى صناعة المراكب – ونظام انتقال الحرفة عبر الأجيال والأجزاء الرئيسية فى المركب مثل الترابل والضلوع والسطانية….إلخ، إضافة إلى خطوات صناعة المركب مثل: تجهيز الخشب، نجارة المركب، القلفطة ودهان وزخرفة المركب، ثم العادات والمعتقدات المرتبطة بصناعة المراكب والألفاظ الخاصة بالحرفة، وأخيراً مستقبل صناعة المراكب فى السويس.
وتناولت الباحثة دعاء صالح “الإبداع الشعبى النسوى فى البيئة الساحلية..محافظة السويس نموذجاً” مشيرة الى أنه عند تقصى دور “السويس” فى تشكيل فسيفساء الثقافة الشعبية المصرية حالياً، والتى اختزلت كل حضارات العالم القديم الكبرى وهى أكبر مدينة على البحر الأحمر وربما أقدمها، ولّى معظم الباحثين دراساتهم فى ثقافة السويس الشعبية نحو قبلة إبداعات “رجال” المقاومة والصمود فى مواجهة المحتل الصهيونى الغاشم، وطغى نشاط السويس الدفاعى والتحريرى، ودور أهلها الحارس لحدود مصر الشرقية منذ أقدم العصور “البشرية”على مشهد البحث، وعند التطرق لما يخص الثقافة الشعبية والمناسبات الاجتماعية اقتصرت الدراسات على “احتفالية الحنة السويسى” فقط لا غير. وما من أثر لدور المرأة !!.
حتى إنه نَدُر من يتذكر أو يذكر مثلاً : دور السيدة ” أم ملَّكه” التى آوت فى بيتها الريفى كثير من شباب المقاومة الشعبية فى حى الجناين، أو المطربة “سيدة السويسية” جدة الفنان محمد قنديل صاحب الأغنية الشهيرة (بين شطين و مَيّه)، كما غُفل ذكر اسم أول مهندسة فلزات مصرية والتى تخرجت فى أول دفعة من المعهد العالى الصناعى للبترول والتعدين عام 1966م وكانت فتاة سويسية.
فكان حرص البحث على تتبع الإبداع النسوى الشعبى المرافق لعادات دورة حياة الإنسان (ميلاد- زواج- موت)، بما تتضمنه تلك العادات جُل ما يطمح الباحث إلى قراءته من ثقافة الجماعة الشعبية ؛ لاحتوائها على مضامين اجتماعية وإنسانية وسياسية، وقيم عقيدية وأخلاقية بُنيت على الإيمان بالحق والخير والجمال، وحملت معايير الحكمة والفضيلة التى يحرص عليها أى مجتمع ، كما تعكس الفطرة السليمة والقدرة على التعامل مع كافة المتغيرات التى تُلم به. كما تتمظهر العادات الشعبية المرافقة لدورة حياة الإنسان فى أجناس وأنواع عدة من ثقافة الجماعة الشعبية وبخاصة جنس الفنون.
فضم البحث بعض تلك العادات والتى تبدأ حين تستقبل مياه البحر الأحمر( قَطَرْ) المولود ذكراً كان أو أنثى، ربما تتذكر الأمواج “خَلاَّصُه” كعهد الدم بين الأصدقاء، وتُخلصه من “جنيات البحر” عاشقة الصبيان، وربما تهديه “حورية” يسعد بها لأيام. بينما تظل ” البْنَيَّه ” التى جاءت فى “ليلَه هَنية” سنداً لأمها ” لَمَّا تقول يارَاسى تِملّى القُليلََّه وتوارِبْ الباب عَلَيها”، وتحتاط “نجمات البر” فتتعلمن “صيد السمك” وطهيه “صيادية” سويسية مميزة، حتى إذا ما استغل الصياد أن “البَحْر نَّايمْ .. نَّايمْ” ويتمنى “يطرَح شَبّكته عَليه ويقولُّه يتغَطَّى” يجدها وقد كشرت عن عنادها فيُبدع لأجلها ” يا بَحر مالَك مالَك.. حالَك مِش هو حالَك”، حتى يستذنب خفته بها وينشدها” ياحِلو رِقّ وكَلِمنى وقُولى مَالَكْ مِخَاصِمنى”، وتقبل عروس البر عذره عندما يقول ” أنا رُحت البيت وسَألت عليكى” وسرعان ما يتحضر العُرس وتبتهج أم العروس بـ”جهاز الفرح ” فتغنى “الله عليك يا منَّجِد.. ألله يزيدَك”، ويغسل أصحاب العريس(صينية الحنة) فى بِركة ” أم الغيلان ” ويهنئون العروس ” آه يا ناعمة يا غريبة”، وتدور بهم عجلة الحياة إلى أن تضطر إما لـ” شق الروض” كى تُعالج عقمها، أو أن تزور مقبرة “العزيز الغالي” فتحضر أكلة سمك “الحريد” وتذهب بها منذ الفجر إلى “الروض” لتقضى ثانى أيام العيد مع الأموات بعد أن قضت اليوم الأول مع الأحياء.
وكأن البحر الأحمر لا يترك مناسبة من مناسبات المرأة السويسية إلا ويحضرها أو أى من عناصره.
كتاب تاريخى
ضم المهرجان طبع كتاب تاريخى عن مدينة السويس، وإعداد كتاب أبحاث متعلقة بفنون البحر الأحمر يضم 14 بحثاً منها “فلسفة الرسوم الجدارية الشعبية وعناصرها التصميمية فى بعض مبانى مدن البحر الأحمر” للدكتور أمجد عبد السلام عيد، “الرسوم الشعبية والكتابات الخطية وعلاقتها بحرفة صناعة المراكب” للباحثة جاكلين بشرى يواقيم، “تصنيع المراكب فى محافظة السويس” للباحث حسين محمد الأمام، “الإبداع الشعبى النسوى فى البيئة الساحلية .. محافظة السويس نموذجاً” للباحثة دعاء صالح إبراهيم، “الختان فى شريعة البحر الأحمر” للباحث عادل العدوى، “عادات وتقاليد قبائل الجنوب الشرقى لمصر” للباحث مسعود شومان، “فلكلور بحر القلزم” للباحث هشام عبد العزيز، “رقصات الضمـة والسمسيـة فى قناة السويـس” للكاتب قاسم مسعد عليوه.
==
س.س
30 أكتوبر 2010