الإرهاب يتواصل في الساحل, تلك المساحة الشاسعة من الصحراء النائية الممتدة بين ساحل أفريقيا شمال المحيط الأطلسي وصولا إلي حدود إقليم دارفور. في فبراير 2008, قام مسلحون بإطلاق النار علي السفارة الإسرائيلية في موريتانيا. ثم اختطف سائحان نمساويان في تونس وتم نقلهما برا إلي شمال مالي, حيث احتجزا لثمانية أشهر طالب فيها مختطفوهما بفدية قبل أن يتم إطلاق سراحهما بدون أذي. وبعد ذلك بوقت قصير, قامت مجموعة من الأشخاص بقطع رؤوس 12 جنديا موريتانيا. وفي وقت سابق هذا العام, تم إطلاق سراح ثلاثة أشخاص, بمن فيهم دبلوماسي كندي, بعد أن كانوا احتجزوا رهائن لأشهر عدة من قبل مسلحين متشددين في النيجر ومالي. كل هذه الهجمات ربطت بتنظيم القاعدة, وكلها كما يقول المسئولون هي أدلة علي إحكام القاعدة قبضتها علي منطقة هي علي وشك أن تصبح ملاذا للإرهاب الإسلامي حسب بيان أصدره الاتحاد الأوربي الشهر الماضي. ويقول المسئولون الأمريكيون كذلك إن أكثر من 100 إرهابي قتلوا في منطقة الساحل منذ عام 2004, وهم يخشون أن عدد الضربات التي توجه إلي المتشددين في المناطق القبلية في باكستان وأفغانستان أصبح أكبر ــ وأكثر فعالية ــ بحيث إن الشبكات التابعة للقاعدة باتت أقوي في أجزاء أخري من العالم, بما في ذلك منطقة الساحل الأفريقي.
وردا علي ذلك, اعتبر المسئولون الأمنيون الأمريكيون هذه المساحة الشاسعة من لا شيء بأنها باتت محط تركيز مشروعهم الكبير التالي, أي الجبهة الأحدث فيما وصفتها إدارة بوش بالحرب علي الإرهاب. في العام الماضي رفعت واشنطن ميزانية مكافحة الإرهاب لهذه المنطقة إلي 101 مليون دولار, ارتفاعا من ميزانية بلغت ثمانية ملايين دولار فقط في عام 2002, حين لاحظ المسئولون الأمريكيون أولا العنف والعدد المثير للقلق من الدول هناك التي تقف علي حافة التحول إلي دول فاشلة.
وعبر مزيج من تمويلات البنتاجون ووزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية, صاغت إدارة أوباما جهدا ضخما لترقية القدرات العسكرية والموارد الاستخبارية لـ10 من أفقر دول أفريقيا وأضعفها حكما في هذه المنطقة, علي أمل أنها إذا نجحت في حرمان القاعدة من ملاذ آمن في غرب أفريقيا, فإن منطقة الساحل هذه لن تتحول إلي وزيرستان أخري.
لكن نظرة متفحصة عن كثب أكثر علي هذه المنطقة تكشف عن أن هناك قدرا قليلا من الخطر بأن يحدث هذا كما حدث في المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان, فمنطقة الساحل منطقة نائية وهي بيئة غير مضيافة لهذا النوع من العمل. علي مدي قرون من الزمن, مثلت هاتان المنطقتان طرقا آمنة لمهربي المخدرات والمجرمين وقطاع الطرق. غير أن الساحل يوفر القليل مما توفره الحدود الباكستانية لناحية احتوائها علي المخابيء ومعسكرات التدريب أو شبكات المدارس الإسلامية الحافلة بالمجندين المحتملين. فعلي عكس تورا بورا أو جنوب وزيرستان, بكهوفها الكثيرة وجيوبها الجبلية الكثيرة, فإن غالبية منطقة الساحل هي أرض صحراوية شاسعة خالية من أي أثر. شمال مالي, وهي واحدة من المناطق التي يعرب المسئولون الأمريكيون عن القلق بشأنها, هي منطقة تبلغ مساحتها نحو 700 ألف كيلومتر مربع ــ أي بحجم ولاية تكساس تقريبا ــ ولكن عدد سكانها يقل عن المليون شخص. ويقول إيان تايلور, وهو خبير في منطقة الساحل في مركز دراسة الإرهاب والعنف السياسي في جامعة سانت آندروز باسكتلندا: علي ضوء حجم المنطقة التي نتحدث عنها, فإن من الصعب بصورة استثنائية تنظيم حركة عبر هذه المنطقة. فإذا كانت الولايات المتحدة نفسها عاجزة عن نشر نفوذها في هذه المنطقة, فإن من الصعب تخيل أن مجموعة ضعيفة العدد والعدة من الإرهابيين ستكون قادرة علي فعل ذلك بصورة أفضل. وواقع الأمر أن المسئولين العسكريين الأمريكيين يعترفون بأن أهم موقع عثروا عليه حتي الآن في هذه المنطقة لم يكن فيه سوي حفنة من الشاحنات الصغيرة و10 أو نحو ذلك من الرجال في واد صحراوي هناك.
والأكثر من ذلك أن هذه المنطقة لم تثبت أبدا أنها أرض خصبة لمثل ذلك النوع من الأيديولوجية المتطرفة التي تدفع بتوسع القاعدة في أجزاء أخري من العالم. فعلي عكس المناطق الباكستانية والأفغانية النائية, حيث يعم ويتعمق التعاطف مع الأيديولوجية الإسلامية السياسية المتشددة, فإن الأيديولوجية الجهادية الإسلامية في منطقة الساحل الأفريقي لم تتجذر أبدا. وبدلا من ذلك فإن هناك سلالات معتدلة من الصوفية الإسلامية هي التي تحكم حياة سكان هذه المنطقة منذ قرون.
ليوناردو فيلالون, مدير مركز الدراسات الأفريقية في جامعة فلوريدا, يلاحظ أنه رغم الفقر المدقع في المنطقة ــ وهو عادة ما يوفر الظروف الملائمة التي تحفز مشاعر الامتعاض والكراهية للغرب والاهتمام بالحركات الجهادية, فإن الجماعات الإرهابية لم تتمكن من اكتساب أي زخم في واقع الأمر في تلك المنطقة. ويقول إن من المفاجيء أن هناك إدانة اجتماعية واسعة النطاق لذاك النوع من العنف الوحشي في منطقة الساحل علي مدي السنوات القليلة الماضية.
كما أنه ليست هناك أدلة كثيرة أبدا علي أن الجماعات التي تقوم بأعمال العنف في الساحل تعتنق النظرة العالمية ذاتها التي يعتنقها المتشددون علي الحدود الباكستانية الأفغانية. فالهدف المعبر عنه بوضوح للمتشددين في وزيرستان مثلا هو قلب النظام المسلح بأسلحة نووية في باكستان. ولكن العصابات في منطقة الساحل, بالمقابل, أخفقت حتي الآن في طرح تبرير واضح لهجماتها, فضلا عن أن عملياتها تشبه إلي حد كبير عمليات العصابات الإجرامية الصغيرة بدلا من كونها حركات ناشرة للكراهية الأيديولوجية ومصممة علي المنطقة أو العالم, حتي ولو أن خطابها السياسي يحتوي إشارات إلي الجهاد وبقايا لغط شبيه بـ##اللغط القادم من أفغانستان##, كما يقول فيجاي براشاد, وهو خبير في منطقة الساحل في كلية ترينيتي في ولاية كناتيكت. ويقول براشاد إن جماعة الساحل, التي تطلق علي نفسها جماعة القاعدة في المغرب, ##ليست تهديدا للساحة العالمية. فهي ليست لديها طموحات عالمية, بل لا يبدو حتي إن لديها مطامع إقليمية. لقد تحولوا إلي مجرد عصابة##.
وواقع الأمر أنه حتي الآن علي الأقل فإن عمليات جماعة الساحل لا تشابه كثيرا العمليات الكبيرة التي تقوم بها القاعدة في أجزاء أخري من العالم. ولم تتعرض المؤسسات الغربية إجمالا لأي من هذه العمليات. وكذلك فإن القاعدة لا توفر أي دعم مالي لهذه المنطقة حسب المسئولين العسكريين الأمريكيين. كما لم تتمكن الأموال التي يتم جمعها محليا من الوصول إلي عمليات القاعدة الأكبر في أفغانستان وباكستان أو العراق, حسب أقوال المسئولين الأمريكيين. ويقول بيتر لويس, مدير قسم الدراسات الأفريقية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز: ##أعتقد أن من الخطأ تفسير حال انعدام الاستقرار العرضي هذا في هذه المنطقة كجزء من حركة أوسع تتمتع برؤية دينية أو سياسية واضحة. لا أعرف أي شخص خارج المؤسسة الأمنية أو مؤسسة الدفاع القومي يقوم بطرح مثل هذا التفسي##.
ومع ذلك فإن صانعي السياسة الأمريكيين ينظرون إلي العنف في منطقة الساحل علي أنه دليل علي أن القاعدة في المغرب تهدد بتحويل المنطقة إلي مرتع خصب للإسلام الراديكالي, وتقويض استقرار الحكومات المحلية وتهديد المصالح الغربية فيها. وقد جادل الجنرال جيمس جونز, مستشار الأمن القومي للرئيس أوباما, بأن منطقة الساحل توفر الفرص للمتشددين الإسلاميين والمهربين وغيرهم من الجماعات المتمردة. وللتصدي لهذا التهديد المتصور, عمد البنتاجون إلي زيادة جهوده للمساعدة في تدريب وتجهيز القوات المسلحة الضعيفة والقليلة التمويل في المنطقة. وأخذت مبادرة الساحل التي تنفذها القوات الأمريكية تتحول بسرعة إلي واحدة من الأولويات الرئيسية للقيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) الحديثة العهد التي تم إطلاقها عام 2007 للمساعدة علي تعزيز التعاون بين القوات الأمريكية والقوات العسكرية عبر القارة الأفريقية.
الاستراتيجية الأوسع للمنطقة مازالت تخضع لنقاش وجدل ساخنين الآن. ومصدر القلق بالنسبة إلي بعض مراقبي الشئون الأفريقية هو أن توسيع الحرب علي الإرهاب إلي منطقة الساحل بهذه الطريقة المفرطة في حماسها قد يعمل حقيقة الأمر علي اجتذاب الجهاديين إلي منطقة لا يوجد فيها الكثير منهم حاليا. ويقول يحيي زبير, الباحث في مركز أبحاث تشاتام هاوس بلندن والخبير في التطورات الأمنية في منطقة الساحل: إذا نظرت إلي المنطقة من منظور أمني بحت, فإن ما يؤدي إليه هذا هو إنتاج المزيد من الجهاديين. وإضافة إلي ذلك, أقرت فيكي هدلستون, نائبة مساعد وزير الدفاع الأمريكي للشئون الأفريقية, الشهر الماضي بأن أنشطة التجنيد التي تقوم بها القاعدة في المغرب كانت ضعيفة, وهي تشير إلي أن القبائل المحلية ##لا تؤمن بأيديولوجيتها##. ومع ذلك فإن السياسات القادمة من واشنطن تشير إلي أن الإدارة تعتقد أن التهديد الكبير التالي للنشاط الإرهابي لن يأتي من باكستان أو أفغانستان, بل من منطقة صحراوية قاحلة في شمال أفريقيا تقطنها مجموعة صغيرة نسبيا من السفاحين الذين يسمون أنفسهم بالقاعدة.