منذ هجرتي إلي أمريكا لم انضم إلي أي من الحزبين الجمهوري أو الديموقراطي وغالبا ما يكون تصويتي في الانتخابات الرئاسية بناء علي تقييم الشخص وليس الحزب,أما في انتخابات الكونجرس فغالبا يكون صوتي للحزب
منذ هجرتي إلي أمريكا لم انضم إلي أي من الحزبين الجمهوري أو الديموقراطي وغالبا ما يكون تصويتي في الانتخابات الرئاسية بناء علي تقييم الشخص وليس الحزب,أما في انتخابات الكونجرس فغالبا يكون صوتي للحزب الجمهوري ذو الأجندة المحافظة والمتعاون معنا كثير من ممثليه فيما يتعلق بوضع الأقباط في مصر, غير أنني في الانتخابات الأخيرة كنت عضوا ضمن مجموعة الشرق الأوسط من أجل رومني, وهم مجموعة من الخبراء الذين استاءوا من تصرفات إدارة أوباما خاصة تجاه ما يسمي بالربيع العربي, وقد دفعنا هذا لدعم المرشح الجمهوري رومني والانضمام إلي حملته بهدف ضبط الشرق الأوسط لصالح القوي المدنية وليس الإسلامية كما فعل أوباما.
وللأسف لم يحالف رومني الحظ ولكن الخطورة أن الانتخابات الأخيرة كشفت انقساما عميقا في الأمة الأمريكية, وهذا الانقسام بل والتراجع الأمريكي يرجع بدوره إلي تزايد نسبة الأقليات في المكون الأمريكي من جهة وتحالف الليبرالية المتطرفة واليسار ضد القيم الأمريكية التقليدية التي تأسست عليها هذه الامة من جهة أخري.هذا الانقسام تراه في ولايات محافظة تصوت لمنع تطبيق الشريعة الإسلامية وولايات متطرفة ليبراليا تصوت لصالح زواج المثليين, تراه في تصويت كثيف من البيض لصالح رومني 61% لرومني, 37% لاوباما, في المقابل تصويت مرتفع جدا من الأقليات لأوباما, ففي السود صوت 93% لأوباما مقابل 6% فقط لرومني, وفي الهسبانك القادمين من أمريكا الجنوبية صوت 71% لأوباما مقابل 27% لرومني, وفي الاسيويين صوت 73% لأوباما مقابل 26% لرومني,وفي المسلمين صوت 67% لأوباما مقابل 7% فقط لرومني. خطورة هذا الانقسام أنه يطول القيم الأمريكية, فالأغلبية البيضاء الانجلوسكسونية البروتستانتية التي تسمي بالواثب هي التي شكلت قيم هذه الدولة العظيمة, التي تجسدت بشكل واضح في فكر الأباء المؤسسين, فما الذي تغير حتي وصلنا إلي هذه الحالة؟, في تقديري الاجابة تكمن في تراجع نسبة البيض في المكون الأمريكي من ناحية ونمو الليبرالية المتطرفة من ناحية أخري. البيض في المكون الأمريكي يشكلون 63%وفقا لإحصاء 2011, وهذه النسبة تضم كل ما هو غير هسبنك أو أسود أو اسيوي أو هندي, ولكن المهاجرين من الشرق الأوسط مثلا يصنفون كبيض. الخطورة في التراجع المنتظم في نسبة البيض من بسبب عاملي الهجرة والنمو السريع في المواليد بين الأقليات, ووفقا لنفس الاحصائية فرغم أن نسبة البيض تشكل 63% فأن المواليد منهم في السنوات الخمس الأخيرة تدور فقط حول رقم 49%, فإذا اضفنا إلي ذلك استمرار تدفق المهاجرين فأن معني ذلك أن أمريكا ستصبح أمة مختلفة بعد عدة عقود من الآن. من ناحية أخري يتزايد التيار الليبرالي المتطرف في أمريكا سنة بعد سنة, وحيث أن أمريكا بالفعل أنجزت وضمنت لمواطنيها كافة الحريات والحقوق الأساسية التي تقرها المواثيق الدولية,فان التطرف في طلب المزيد اتجه إلي قضايا تافهة مثل زواج المثليين والإجهاض غير المحدود والسعي للتحلل من أي سلطة بما في ذلك رغبة البعض في إنهاء ما يسمي بمفهوم الدولة بدعوي أنها شكلت قيدا علي حرية الإنسان وحقوقه. من ناحية أخري المنافسة السياسية قائمة علي كاريزما الشخص وليس مؤهلاته, وعلي قدرته علي جمع أموال لحملته الانتخابية وليس قدرته علي تقديم حلول لمشكلات بلده, حتي أن البعض اشار إلي أن جورج واشنطن لو ترشح امام شخص كاريزمي يجيد الكلام مثل أوباما أو كلينتون فسوف يخسر الأنتخابات. فالمروف أن جورج واشنطن كان قائدا بكل معني الكلمة تتجسد فيه مؤهلات القائد في حين أن شخص مثل اوباما مفوه في الكلام ولكن دارسوا شخصيته توصلوا إلي خوفه من اتخاذ قرارات قوية وجريئة. أحد أبعاد هذا الانقسام أن أحفاد الآباء الأولين يؤمنون بأمريكا وبقدرتها علي الصمود في كافة الظروف لأنهم بنوا هذه الدولة قطعة قطعة, ولكن الأقليات لأ تؤمن بنفس الدرجة بالدولة الأمريكية, فهم يؤمنون بالتجربة أكثر من ايمانهم بالدولة, وفي حال فشل التجربة فهم مستعدون للعودة إلي أوطانهم الاصلية. معني هذا أن الدولة الأمريكية علي المدي البعيد في خطر؟ نعم هذا صحيح بل أن هناك من يصف الوضع الراهن بالحرب الأهلية الصامتة, وقد نبه إلي ذلك عالم السياسة الأمريكي المرموق الراحل صامويل هنتنجتون في كتابه ( من نحن؟) مبرزا عناصر الهوية والثقافة الأمريكية في عدد من المحددات الرئيسية وتشمل: اللغة الإنجليزية, والمسيحية, والالتزام الديني, والمفاهيم الانجليزية لحكم القانون, ومسئولية الحكام, وحقوق الأفراد, والقيم البروتستانتية الداعمة للفردية, وأخلاقيات العمل, والاعتقاد بأن الناس لديهم القدرة وعليهم واجب محاولة خلق جنة علي الأرض,أي ## مدينة علي التل## وفقا للتعبير الأمريكي الشهير, ولكن الكثير من هذه العناصر وهذه القيم معرض للتراجع بل والتآكل, ومن هنا ينبع الخطر الحقيقي علي أمريكا, ومن هنا أيضا يبرز الانقسام في الأمة الأمريكية.