ما يحدث في مدارسنا الآن أمور تدعو إلي العجب.المدرسة التي يوكل إليها التربية والتعليم لم تعد قادرة علي هذا ولا ذاك…لأن كل المقومات التي تهيئ المناخ للقيام بالعملية العليمية والعملية التربوية أصبحت مفقودة وغير متواجدة.
المدرسة التي كانت مكانا محببا للتلاميذ أصبحت عوامل طرد ودوافع إلي الهروب والتسرب.فقدت نظرة الاحترام والتبجيل التي كانت تسكن عقل وقلب التلاميذ,سقط حاجز الاحترام للمعلم والمعلمة وسياج الخوف منهما وسقطت النظرة إليهما نظرة تبجيل واحترام وخوف كما كان يحدث في الماضي للقائمين بالعملية التعليمية وكما كان يحدث في منازلنا تجاه الأب والأم والكبار في الأسرة علي وجه العموم .تراجعت وكادت تنعدم عملية التربية والرعاية والتوجيه والثواب والعقاب بانشغال الوالدين بالعمل والبحث عن لقمة العيش وجمع المال وكل الأشياء المادية التي سادت في حياتنا .وكما تداعت عوامل الخوف والهيبة والاحترام داخل محيط الأسرة تداعت أيضا هذه القيم في المدارس,بين التلميذ ومعلمه,وأصبحت العلاقة بين الطلبة وأساتذتهم معيبة وخالية من الاحترام.
اليوم سادت ظاهرة غياب الطلاب من مدارسهم الإعدادية والثانوية وأصبحت الفصول خاوية وخالية من طلابها وهي كارثة بكل المقاييس,والمليارات التي تنفق علي العملية التعليمية تذهب هباء ولا يعني ولاهدف ولانتيجة من تطوير التعليم وتحسينه والارتقاء به فالتلاميذ يهربون من المدارس ويستقرون في مراكز الدروس الخصوصية.ولذلك فإن تجاهل ظاهرة الغياب والسكوت عنها تعني جريمة ترتكب في حق الشعب وحق التلاميذ وأولياء أمورهم…والتفكير يجب أن ينصب في العمل علي إعادة الطلاب إلي مدارسهم وإعادة التعليم إلي مكانته وأن يسترد دوره التربوي والتعليمي.
وساد أيضا سلوك معيب وخطير وهو كما ألمحنا غياب الاحترام للقائم بالتدريس والتربية, فقد تجاسر الطلبة علي الاستهانة بمدرسيهم والتطاول عليهم والخطير في الأمر أن أولياء الأمور يشجعونهم علي ذلك وينحازون إلي أولادهم ولايعترفون بأخطاء أبنائهم بل يناصرونهم,والمثير والخطير أنهم يتطاولون علي المدرسين ويعتدون عليهم بالضرب والإهانة والسباب والشتائم كما حدث مرة ومرات وأذيعت أحداثه علي الفضائيات دون أن يخجل الآباء والأمهات من هذا السلوك الشائن.
إننا بمتابعتنا لما يحدث من حوادث داخل المدارس يجب أن ندق ناقوس الخطر لننبه ونلقي الضوء علي حوادث اعتداء وقتل داخل جدران المدارس .كيف نصدق أن طالبين في المرحلة الثانوية يدبران ويخططان لارتكاب جريمة قتل لزميل ثالث من المفروض أنه صديق لهما يمتلك هاتفا غاليا بشاشة مما دفعهما الحقد والغيرة إلي ضرورة قتله,واستدرجاه إلي مكان مهجور خلف حوش المدرسة وصعد به واحد من القاتلين إلي دور علوي في المدرسة وهو يخبئ أداة القتل وينهال بماسورة حديدية علي رأس زميله حتي يحطمها ويقف المتآمر الثاني أسفل السلالم ليراقب المكان حتي ينتهي زميله من عملية القتل ويحصل الاثنان علي هاتفه المحمول وما وجدوه معه من نقود,ثم ألقوا بجثة القتيل في المكان المهجور وأهالوا عليه التراب وأسرعوا بالهرب!.
وكتبت الجرائد منذ أيام أن تلميذا في المرحلة الإعدادية عمره ثلاثة عشر عاما تربص بناظر مدرسته وهو جالس أمام منزله وأمطره بالحجارة والطوب وأصابه إصابات خطيرة انتقاما من ناظر مدرسته الذي عنفه داخل الفصل علي سلوكه هذا ما يحدث في مدارسنا الموكول إليها أن تؤدي دورين مهمين ,التربية والتعليم,وأمام تغير النظرة إلي المدرسة وتراجع الحزم والنظام واحترام القائمين بالتدريس وخوفهم من الأسر التي تشجع أولادها علي العنف والسلوك المقيت يتعثر إصلاح التعليم وقدرة المدارس علي القيام بأدواها المطلوبة منها واضطرارها أحيانا إلي الاستعانة بالشرطة للحفاظ علي النظام وسلامة الأرواح بين التلاميذ وهيئة التدريس…وعجبي!!