رقد في الرب يوم الأربعاء الماضي – 19 نوفمبر 2008 – نيافة الحبر الجليل الأنبا ياكوبوس أسقف كرسي الزقازيق ومنيا القمح عن عمر يناهز أربعة وستين عاما, وبعد حياة حافلة بالروحانيات والخدمة والعطاء والصلاة والطهارة والصبر, متحملا صليب المرض بإيمان إلي أن جاءت ساعة رحيله إلي فردوس النعيم.
ترأس قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الصلاة علي الجثمان الطاهر بعد ظهر الجمعة الماضي – 21 نوفمبر 2008 – في مطرانية العذراء وماريوحنا الحبيب بالزقازيق, وشارك قداسته واحد وثلاثون من أصحاب النيافة الأجلاء المطارنة والأساقفة, ومعهم جميع كهنة إيبارشية الزقازيق, فضلا عن أعداد كبيرة من الآباء كهنة الإيبارشيات, وجموع من الآباء الرهبان.
كما حضر مراسم الجنازة العديد من الراهبات والمكرسات وأعضاء المجلس الملي الفرعي بالزقازيق وهم: القس أنطونيوس محب, المهندس عطية كامل, الدكتور جرجس عبده, الدكتور وجيه شكري والأستاذ ممدوح ذكي, كما حضر صلاة الجناز ممثلون عن الكنائس الأخري مثل مطران الكاثوليك للإسماعيلية والشرقية ولفيف من كهنة الكنيسة الإنجيلية.
ومن رجال الدولة حضر صلاة الجنازة المستشار يحيي عبدالمجيد, محافظ الشرقية, وأعضاء مجلس الشعب بالزقازيق النواب لطفي شحاتة, وعميد محمود إبراهيم, والحاج عبدالرحمن مشهور, وعضو مجلس الشوري عاطف أباظة, ومدير مديرية الأوقاف بالزقازيق الشيخ محمد الغزالي وعدد من رجال الدين الإسلامي وممثلي الأزهر الشريف.
** كان نيافة الأنبا ياكوبوس قد رقد في الرب مساء الأربعاء الماضي في أحد مستشفيات القاهرة.. ونقل جثمانه الطاهر إلي مطرانية العذراء وماريوحنا الحبيب بالزقازيق ليوضع أمام هيكل رب الصباؤوت حتي موعد صلاة الجنازة ظهر أول أمس الجمعة, بينما ظلت أجراس الكاتدرائية تدق برناتها الحزينة لتودع أسقفها المحبوب.
وعندما وصلت وطني إلي مدينة الزقازيق مع خيوط فجر الجمعة كانت جموع غفيرة تسير معنا في طريق المطرانية.. المشهد جليل والمشاعر حزينة.. حيث كنت وسط شعب الإيبارشية في بهو المطرانية.
أقيم في الصباح قداس إلهي بينما كان الآلاف من شعب الإيبارشية يتوافدون ليلقوا نظرة الوداع علي المتنيح الأنبا ياكوبوس.. ولم تتوقف التسابيح من بعد القداس إلي أن وصل قداسة البابا شنودة الثالث إلي المطرانية في الثالثة ظهرا بينما كانت الآلاف تكتظ بهم المطرانية وخارجها ليشاركوا في صلاة جنازة أسقفهم المحبوب المتنيح الأنبا ياكوبوس.. الصلاة حارة وأصوات الآباء والشمامسة ممزوجة بالحزن العميق علي أسقفهم وأبيهم.. ونحيب الشعب لا يتوقف حتي تكلم قداسة البابا من عمق قلبه الفياض بالمحبة والإيمان.. وأعطاهم تعزيات السماء.. فقال:
** أقول لكم في البداية يا إخوتي إنني كنت أتمني أن أزور هذه الكنيسة في مناسبة أخري خاصة أن نيافة الأنبا ياكوبوس تعب كثيرا, فكان دائما يلتجئ إلي العذراء ويقول لها يا أم النور عبدك معذور وكانت تأتي له معونات من حيث لا يدري, واستطاع بمعونة الرب ومحبة الشعب أن يقتني هذه الكنيسة وكنائس أخري كثيرة.
** لكن يا أحبائي.. أريد أن أقول لكم إن الموت حكم إلهي علي جميع البشرية منذ أبينا آدم حتي يومنا هذا.. ولن يستطيع أحد أن يفلت منه.. وكما يقول الكتاب المقدس داود عاش 930 سنة ثم مات.. وهذه نعمة من الله, فالرب لا يسمح أن يعيش الناس علي الأرض في أتعاب وضيقات وأحزان, ففي السماء ينعمون بما لا تراه عين, ولا تسمع به أذن بما ولا يخطر علي قلب بشر.
** كانت له فضائل كثيرة وكان شديد الاحتمال, فكان يحمل صليب مرضه بإيمان, وكان يزورني أيام علاجي بأمريكا رغم الآلام التي كان يعانيها هو.. ولكن حتي في شدة آلامه كان بشوشا في كلامه معي, ويحاول أن يطمئنني علي نفسه ويقول لي لا يوجد شيء بينما كان المرض يشتد عليه بعد إصابته بسرطان في الكبد.. احتمل كثيرا في صمت, وكان لا يخاف الموت, ولذلك يا أحبائي أريد أن أقول لكم إن الموت في الحقيقة ليس مخيفا إذا استعد الناس له..
* مرض الأنبا ياكوبوس مرض الفردوس وكان مستعدا له.
** اختتم قداسة البابا شنودة كلمته وهو ينظر لجثمان الأنبا ياكوبوس مودعا قائلا أما أنت يا أنبا ياكوبوس يا صديق فامض بسلام.. وتأثر الآلاف الموجودون من كلمات قداسة البابا.. ولم يتمالكوا أنفسهم فتعالي نحيبهم وأصوات بكائهم.. واستكمل قداسة البابا كلمته بصوت مملوء بالحزن الكبير قائلا: الله يعيننا كما أعانك.
مدفن خاص داخل المطرانية.. وكارت للذكري
** لحظات صعبة مضت ثقيلة بعد أن ودع أب الآباء وراعي الرعاة قداسة البابا شنودة الثالث أحد أحبار الكنيسة المجيدة.. خلال هذه اللحظات حمل الآباء الكهنة وتلاميذ المتنيح الأنبا ياكوبوس جثمانه الطاهر إلي مثواه الأخير, وكان قد تم إعداد مدفن خاص داخل المطرانية خلال ساعات.. وعلمت وطني أن قداسة البابا عندما سئل أين يدفن الأنبا ياكوبوس.. قال علي الفور: أعدوا مدفنا بالمطرانية.
** بعد أن أمضيت تسع ساعات بداخل المطرانية عدت مسرعا لألحق بموعد طباعة الجريدة.. عدت أحمل معي مشاعر الشعب الحزين علي أسقفهم المتنيح, ولكن في داخل كنت مطمئنا أن لنا وللكنيسة وشعبها شفيعا في السماء دعاه رب المجد ليكمل خدمته مع الأربعة وعشرين قسيسا أمام عرش النعمة.