لفت نظري خبر طيرته وسائل الإعلام- منذ أيام- هو فوز أربعة مسلمين بعضوية البرلمان الدانماركي, من بينهم سيدتان. يبلغ عدد أعضاء البرلمان 179 عضوا. الخبر طريف. قد يتجه البعض- تلقائيا- إلي المقارنة بين ما يجري في الدانمارك, وما يجري في العديد من المجتمعات العربية, ومن بينها مصر حيث تجد الفئات المختلفة, دينيا ونوعيا ومذهبيا فرصتها في التمثيل السياسي هناك, في حين تعترض سبيلها عقبات لا حصر لها هنا. لم أتوقف كثيرا أمام هذه المقارنة رغم دلالاتها, ولكن ما رغبت في التوقف أمامه هو كفاءة النظام الديموقراطي, الذي يمتلك آليات التصحيح الذاتي, فالديموقراطية ثقافة وممارسة قبل أن تكون بطاقات تصويت.
في العامين الماضيين تحولت الدانمارك إلي بؤرة ساخنة للأحداث الطائفية إثر قيام إحدي الصحف بنشر صور مسيئة للإسلام والمسلمين. تجاوز غضب المسلمين حدود الدانمارك, وأشعل موجات غضب وعنف ومقاطعة اقتصادية للبضائع الدانماركية في الكثير من الدول العربية والإسلامية. ووجدت بعض الأنظمة العربية- وقتئذ- فرصة لاكتساب بعض الشرعية من خلال المزايدة علي الشعور الجماهيري الجارف الرافض للإساءة لمقدساته الدينية. حاول الدانماركيون- وهم بالمناسبة شعب مرفه وبسيط- أن يتجاوز الأزمة, بالاعتذار حينا, وبالزيارات المتكررة للمراجع الإسلامية في الدول العربية في أحيان كثيرة. في هذه الأثناء فتح ملف المسلمين في الدانمارك البالغ عددهم نحو مائتي ألف نسمة- غالبيتهم من المهاجرين- يعيشون وسط نحو خمسة ملايين نسمة, في بلد تري ”المسيحية” تاريخيا جزءا من هويتها القومية. وفي الدانمارك ذاتها شكلت لجان عديدة, واتخذت مبادرات علي الصعيدين الحكومي وغير الحكومي لاستيعاب الأزمة, حتي يسير قطار المجتمع بهدوء يتسم مع طبيعة تكوينه. وبعد مرور أشهر عديدة أعطي الدانماركيون المثل والقدوة في تجاوز الأزمة, والسعي الحثيث نحو الحفاظ علي تماسك التكوين الاجتماعي بانتخاب أربعة مسلمين لعضوية البرلمان, من بينهم سيدتان رغم أن الحضور الإسلامي في الدانمارك لا يتجاوز أربعة عقود. شعب يستحق الاحترام والتقدير لأنه انحاز للمواطنة, ولم يعبأ باختلاف اللون أو الدين أو الجنس أو العرق. مرت الأزمة الطائفية التي كانت لها تداعيات كونية مثل سحابة صيف, لم تعد لها التأثير الطاغي علي مشاعر الناخب, الذي خرج من هذه الأزمة ربما أكثر تفهما للخصوصية الثقافية, وضرورة دمج المختلفين في الثقافة أو الدين في الكيان الوطني الجامع.
لم أخش علي الشعب الدانماركي. التقيت بكثير من مسلميه في السنوات الثلاث الأخيرة, وتيقنت من أن الأزمات في المجتمعات الديموقراطية لا تمثل معاول هدم, بقدر ما تكون دافعا علي إعادة التفكير, والتغيير, وتصويب الأخطاء.
أما في المجتمعات العربية, وهي في مجملها متراجعة ثقافيا, تتحول الأزمات إلي عوامل اشتعال, وإلي أحقاد تطمس تحت ركام الأحداث حتي تجد متنفسا في الوقت الملائم. المشاهد من العراق إلي السودان والصومال مرورا بالسودان تشير إلي أن ما نفخر به علي أنه تجارب في التعددية الدينية والعرقية والثقافية, هو عنوان فشل, وما نرمي به الآخرين علي أنه عنصرية ثبت أنه عامل للتغيير, وتحويل الأزمة إلي عنوان للنجاح. درس نحتاج إلي تعلمه.