لقد كان يونان النبى يحب الله بالحق و يؤمن بشخصه كما قال “انا عبرانى و انا خائف من الرب الذى صنع البحر و البر” , ولكنه كان كالحمل المشاغب الذى يحاول ان يشرد يميناً و يساراً هارباً الى أهوائه فضيق عليه الله المتحنن الرحمن و هناك فى عمق البحار اغلق عليه الله و استطاع ان يثبت نظر يونان الشارد على شخصه المبارك، نحوه و ليس لآخر سواه، دخل به الله الى الاعماق ليصير اكثر نضجاً كما يقول القديس بولس “لما كنت طفلاً كطفل كنت اتكلم و كطفل كنت افطن و كطفل كنت افتكر و لكن لما صرت رجلاً ابطلت ما للطفل” (1كو ١١ : ١٣) .
مبارك الرب الذى طرح يونان الى هذه الاعماق التى صرخ فيها للرب و قال “لأنك طرحتنى فى العمق الى قلب البحار”
التجارب الروحية تصفى النفس و تمحصها، فايوب البار لم يكن شريراً بل بالعكس كان يقدم كل الايام ذبائح و الرب يشهد عنه “ليس مثله فى الارض رجل كامل و مستقيم يتقى الله و يحيد عن الشر” (اي 1 : 8) و على الرغم من ذلك اراد الله ان يدخل به الى اعماق اكبر فكان طريق التجربة هو الطريق التى جاز فيها الى تلك الاعماق الروحانية اكتشف بعدها ايوب ان ما كان يعرفه عن الله و ان تلك العلاقة برغم ما فيها من بر حقيقى هى مجرد قشور مقارنة بما هو عليه بعد التجربة و قال “بسمع الأذن سمعت عنك و الآن رأتك عينى” (اي 42 : 5)
فالألم لأولئك الذين يتألمون بحسب مشيئة الله و يستودعون انفسهم كما لخالق امين فى عمل الخير (1بط 4 : 19) لابد و ان ينقل الانسان الى سيرة روحانية اعلى فإن كانت الشدائد تخلق الرجال فالتجارب تخلق ابطال الايمان.
لاحظوا ان ايوب لم يكن ضحلاً فى ايمانه و لا ننسى ان يونان كان نبياً و لكن لنعلم ان اعماق الروح امر لا حدود له فربما ما نعتبره نحن لأنفسنا حياة العمق و الملء يكون بالنسبة لآخرين هو بداية الطريق, فالدخول الى العمق هو نمو غير متناهٍ كما يقول القديس بولس “الى ان ننتهى جميعاً الى انسان كامل الى قياس قامة ملء المسيح” (اف 4 : 13) و هو نفسه على عظمة ايمانه كان يحيا بهذا المنهج فيقول لأهل فيلبى “ليس انى قد نلت او صرت كاملاً ايها الاخوة انا لست احسب نفسى انى قد ادركت و لكنى افعل شيئاً واحداً إذ انا انسى ما هو وراء و امتد الى ما هو قدام” (فى 3 : 12)