هل رأي الحب سكاري مثلنا؟!
كم بنينا من خيال حولنا
ومشينا في طريق مقمر
تثب الفرحة فيه قبلنا
وضحكنا ضحك طفلين معا
وعدونا فسبقنا ظلنا
أبيات من قصيدة الوداع للشاعر المرهف الحس إبراهيم ناجي الذي ولد عام 1899 في حي شبرا بالقاهرة التي كانت آنذاك تسودها الخضرة والأشجار في أحضان الطبيعة والجمال…هكذا شب رائد التجارب الوجدانية الذاتية بين شعراء أبوللو,إبراهيم ناجي الذي عاش حياته في عطاء كامل لمحراب العلم والأدب والشعر بروح عاشق متعطش للحب,ولعل هذا كان يرجع إلي فشله في حبه الأول,هذا الحب الذي جعله يرسم صورة مثالية خيالية في أشعار كالطائر المتوجس الذي لا يستقر علي غصن إلا لينتقل إلي غصن آخر باحثا عن زهرة الحب الأبدي التي لم يصادفها مطلقا طوال طوافه بالحدائق والبساتين.
كان ناجي كلما رأي امرأة وقع في حبها,فالحب عنده كما يقول كمال الشناوي قزقزة لب,وقالت عنه الدكتورة نعمات أحمد فؤاد: إنه ليس من الموحدين في الحب,وعن الحب قال ناجي الحب علمني أن أحب الناس والدنيا جميعا.
وكانت هناك جولات لنا مع المرأة تجلت في قصائد عديدة مع عدد من الفنانات والكاتبات,فكتب قصيدة لأمينة رزق بعنوان نفرتيتي قال فيها:
لمن هاته الفتنة النادرة؟
وما هاته الأعين الساحرة؟
وما ذلك المرح القدسي؟
وما هاته الضحكة الطاهرة؟
كما أحب ممثلات عديدات من اللواتي تألقن في فترة الثلاثينيات والأربعينيات,وكان لعمله الإضافي باعتباره طبيبا لنقابة الفنانين أثر إذ التقي بكثيرات منهن…فأحب زينب صدقي وكتب قصيدة لها,كما أغرم بالممثلتين زوزو حمدي الحكيم وزوزو ماضي وراحت الاثنتان تتنافسان حول قصيدة الأطلال التي غنتها أم كلثوم,حيث رأت كل منهما أنها ملهمة القصيدة,واحتفظتا بقصاصات من الأطلال كتبها الشاعر بخط يده,بعض ما جاء بها:
يا حبيبي كل شئ بقضاء
ما بأيدينا خلقنا تعساء
ريما تجمعنا أقدارنا
ذات يوم بعد ما عز اللقاء
فإذا أنكر خل خله
وتلاقينا لقاء الغرباء
ومضي كل إلي غايته
لا تقل شئنا فإن الحظ شاء
والواقع أن ناجي أحب رمز المرأة,وهام بها,فهي مصدر الحب والحنان وكل المشاعر النبيلة,ومع ذلك كانت له -كما يقول حسن توفيق- حبيبة واحدة هي التي ألهمته روائع عديدة كان يرمز إليها بحرفي ع.م وهي التي أهدي إليها ديوانه الثاني ليالي القاهرة إنها السيدة عنايات محمود المثال الذي عاش ناجي يناجيه طيلة حياته في معظم أعماله.
غير أن البستان كان مليئا بالزهور فافتتن الشاعر أيضا بالفنانة القديرة أمينة نور الدين التي كانت ممثلة صاعدة وقتها وأهداها قصيدة لم تنشر في المجلات أو في دواوينه,ليطلب منها أن يرتوي من النبع الذي طال حرمانه منه,ويبين لأمينة أنه قد نسي ماضيه فقال لها:
يا حبيبي وحياتي
هات لي ثغرك هات
ذهب الماضي بعيدا
وانقضي في الترهات
فاعطني حبا كبيرا
واسقني ملء لهاتي
وفضلا عن أمينة نور ومن سبقنها إلي عالم ناجي تعلق الشاعر بأخريات منهن شهرزاد وجميلة العلايلي…وفي أخريات أيامه تعرف بزازا التي كانت شابة في مقتبل العمر وقتها,والتي تعلقت به جدا إلي حد أن انتشرت شائعة في ذلك الوقت أنهما تزوجا عرفيا. ورفضت زازا محبوبته أن ترتدي السواد علي رحيل الشاعر قائلة إنه لم يمت,بل رحل إلي مكان بعيد دون أن يترك لها عنوانه كما قالت في إحدي رسائلها إلي الشاعر أحمد رامي.
ولم يقتصر الحب عند إبراهيم ناجي علي النساء فحسب, فكتب في حب مصر:
أجل أن ذا يوم لمن يفتدي مصر
فمصر هي المحراب والجنة الكبري
حلفنا نولي وجهنا شطر حبها
وننفق فيه الصبر والجهد والعمرا
نبث بها روح الحياة القوية
ونقتل فيها الضنك والذل والفقرا
نحطم أغلالا ونمحو حوائل
ونخلق فيها الفكر والعمل الحرا
عاش إبراهيم ناجي قصة حب يوزعها علي الجميع,يعالج المرضي مجانا,يحث الشباب علي العمل وحب الوطن,يسمو بالروح وينشر الجمال,يسهر الليل ولا ينام,جعل عيادته في شبرا صالونا أدبيا علميا يجتمع فيه مع أصدقائه,عاش عطاء بلا حدود,ولد غنيا ومات فقيرا,وهو الطبيب الذي كان يعالج مرضاه بالحب, والشاعر المرهف الحس الذي يدعو إلي حب الوطن والخير والجمال والحرية والمساواة.
مات جسدا في 24مارس سنة 1953 حيث كان يعالج أحد مرضاه في عيادته,وهو يتسمع دقات قلب مريضه,مات وهو الطبيب والشاعر والإنسان.. ولكن أشعاره الخالدة ستبقي ترددها الشفاه في ظل كل حب وكل عيد للحب.
إعداد مريم مسعد صادق
المراجع:
1- كتاب مشاهير وظرفاء القرن العشرين
هاني الخير
2- كتاب عباقرة وعشاق
فايز فرح
3- مجلة الشعلة 1945
4- مجلة الاثنين والدنيا 1945