جميعُنا يعرف هذه الآية الشهيرة التي تفوّه بها السيد المسيح للذين أرادوا أن يرجموا بحجرٍ إمرأة ضعيفة أمُسكت فى ذات الفعل.
وإذا تساءلنا: هل من أحدٍ يستطيع أن يُلقيها بحجرٍ إذا كان بلا خطيئة؟ بالطبع لا ….. لماذا؟ لعدّة أسباب:
أولاً: من يدّعي بأنه بلا خطيئة وقع في الكبرياء والكذب.
ثانياً: من أراد أن يحاسبها، وضع نفسه مكان الله تعالى الديان الوحيد.
ثالثاً : من أراد أن يرجمها حتى الموت، وقع في خطيئة القتل. والوصية تقول: “لا تقتل”.
إذاً لا أحد يستطيع أن يدين الآخر أبداً. مَن يدين الآخرين يتعب باطلاُ وكثيراً ما يضل الطريق، وسرعان ما يخطئ. لكن الذي يفحص ضميره ويدين نفسه على أعماله السيئة، سينهض ويجني ثماراُ عظيمة. ما يُحزننا هو حكمنا على الأشخاص بحسب مزاجنا الشخصي وميولنا المتقلّبة، ولذلك نحيد عن الطريق الصحيح والحكم الصائب.
فإذا كان كلُ واحدٍ منّا عاجز على تغيير نفسه إلى الأفضل كما يريد، فكيف يستطيع أن يبدّل الناس إلى الحالة التي ترتضيه؟
يقول السيد المسيح له المجد: ” لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟ أم كيف تقول لأخيك: دعني أُخرج القذى من عينك، وها الخشبة في عينك؟”
قلّما ما ننظر إلى الغير نظرتنا لأنفسنا. فجميعُنا يظن أنه بلا عيب، لذا فعلينا أن نحتمل بعضنا بعضاً ونتعاون معاً لإصلاح أنفسنا قبل غيرنا.
إن مالا نستطيع أن نُصلحه في ذواتنا أو في الآخرين، علينا أن نتركه في يد الله تعالى الذي يستطيع أن يحوّل الشرَّ خيراً.
كم هو مؤلم ومُخزي عندما نجد الكثيرين الذين يحزنون عندما يعفو الله عن ذلات الغير، في حين أنهم لا يقبلون أن يُرفَض لهم طلب. لماذا ننزعج عندما ينتقدنا البعض؟ إذاًعلينا أن لا نضطرب لأحكام الناس، ولا نفقد سلامنا الداخلي بسبب ما يخرج من أفواهم.
ولماذا تضطرب قلوبُنا إن ظنَّ بعض الناس بنا سوءاً وقالوا عنّا مالا يُرضينا؟
لماذا نتأثر بكلام يطير في مهبﱢ الريح؟ فمهما قالوا عنّا خيراً أم شراً، فلن نكون غير ما نحن عليه. إذاً علينا أن نتكل على الله تعالى ولا نخاف من أحكام الناس.
هل ينتصر أحدٌ علينا بكلامه أو إهانته لنا؟
مَنْ يفعل ذلك يؤذي نفسه أولاً، أما نحن فنثق في الله فاحص القلوب والأفكار.
قالوا لأفلاطون: “لقد سمعنا فلاناً وفلاناً يمدحونك!” فأجاب متألماً: “ماذا فعلتُ من الشر والحماقة، حتى يرضى عني هؤلاء الجهلة؟ !”
لأن المديح الحقيقي يأتي من أصحاب النفوس الكريمة لخير قمنا به؟ أو بهدف تشجيعنا على الإستمرار في الفضيلة وحب الخير والتمسك بالأخلاق الحميدة.
وكما يقول المثل: “مَنْ مدحك بما ليس فيك، فقد ذمّك”. لأنه يُظهر ما قصّرنا في أدائه ويجذب الأنظار إليه نصبح محل سخرية ونقد من الآخرين لعدم امتلاكنا هذه الصفات الحميدة التى مدحنا بها.
وضعاف الشخصية يبحثون عن مواطن الضعف في حياة الآخرين، ليجدوا فيها ما يعزّيهم، ويخدّر ضميرهم ويتلمّس لهم الأعذار أمام الآخرين والمجتمع بأكمله.
من منّا بدون نقائص وعيوب؟!
لكن البعض يعميه الكبرياء ويظن نفسه أنه أكثر الناس كمالاً واستقامة. ولذا يقع فريسة لسخرية الناس الذين يتهامسون عليه ويجعلوه أضحوكه لهم.
لأننا إن أهملنا النقائص الموجودة فينا، شوّهت معالم شخصيتنا، ونفّرت الناس منا حتى يصل بهم الحال إلى إحتقارنا.
لذلك يجب علينا أن نصلح عيوبنا ونقائصنا، ولا نستهين بها أو نهملها. فإذا استصغرنا شأنها وأهملنا تجنّبها وإصلاحها، تكررت، حتى تتفشى في حياتنا وتشوّه معالم شخصيتنا.
لا يخلو أى مجتمع من الشخص النمّام الحقود الذي ينشغل عن عيوبه بالكشف عن نقائص الآخرين والذي يؤذيه رؤية الخير في الآخرين باحثاً يميناً ويساراً عما يُعيبهم من ضعفات لينشرها ويروّج الأكاذيب بهدف تشويه صورتهم الحقيقية.
إن أحاديثه لا معنى لها ولكن مغزاها هو انتقاد هذا، والسخرية من ذاك.
وأمثال هؤلاء ينطبق عليهم قول الشاعر: “إن يعلموا الخير أخفوه، وإن علموا شراً أذاعوه، وإن لم يعلموا، كذبوا”.
لكن ضعيف الشخصية أو قليل الثقة في نفسه هو الذي يهتم بكلام الناس .
أما الشخص المستقيم العاقل الحكيم فلا يهتم إلا برضى الله وما يمليه عليه ضميره للقيام بواجبه نحو المجتمع والآخرين.
لذلك لا نتأثر أو نهتم بذم الحاقدين، لأن ذمّهم ونقدهم، شهادة حق لنا بأننا لا نسير على نهجهم ولا نتصرف حسب أعمالهم.
لأن الإنسان الحقود ينتقد كل فضيلة، لأنه عاجز عن عمل الخير أو التحلي بالفضائل، فسلاحه الوحيد هو ذم الآخرين أو السخرية منهم، حتى ييأسوا ويملّوا ويسيروا في الشر على مثاله.
دائماً ما يكون الشخص النمّام كاذباً في نقل الكلام، لأن هدفه الأول والأخير زرع الخصام والكراهية والحقد والتفريق بين القلوب.
فالنميمة قبيحة، لأنها تدل على قلب فاسد، ونفس ضعيفة. وهي التحدث بالسوء عن الغائبين، فإن كانوا أشراراً، فلماذا نفضح شرّهم ونذيعة، إذ لا فائدة منه، وإن كانواأخياراً فهي جريمة، لأن هذا التصرف يعني سرقة سمعتهم وصيتَهم. فالصيت أفضل من الغنى.
مَنْ منّا لا يشعر بالسعادة والشموخ والإعتزاز والفخر إذا مدّحه الناس؟!
للأسف كثيرون لا يهتمون إن كان هذا المديح صادقاً ينطبق على حالهم، أو أنه مجردمجاملة كاذبة، أو تملّق فاضح. وآخرون بالرغم من عِلمهم بأنهم لا يستحقون هذا المديح، مع ذلك يرضون به. ويتسلحون به ليكون حُجّة تعمي عن عيوبهم ونقائصهم ولكي يرضوا عن أنفسهم ويصبح هذا المديح لهم بمثابة عُصابة على عيونهم.
إذاً علينا أن نتجنب كل هذا ونثق في الله تعالى طالبين منه أن يمنحنا البصيرة لكي لا يتملّكنا الغرور بمديح الناس لنا لأننا عالمين بما فينا من شر يُخفى عليهم، ولا يراه إلا الله فاحص القلوب والكُلى الذي يعرفنا أكثر من أنفسنا.
كما نطلب من الله تعالى أن يمنحنا النعمة لنكون أفضل مما يفكّرون ويظنّون فينا.
ونختم بكلمات الشاعر:
إذا شئتَ أن تحيا سليماً من الأذى
وحظك موفــور وعرضـك صَيّنُ
لسانك لا تذكر به عــورة أمريء
فكلك عــــورات، وللنــاس ألّسـن
وعينك إن أبدت إليـــك المعـايبا
فصُنها وقل: يا عين، للناس أعين