أوصانا ربّنا يسوع المسيح ببساطةِ الحمام ” كونوا كالحمامِ وادعين ” ( متى ١٠ : ١٦ )، التي تقتصر على قولِ الأشياء كما هي بكلّ بساطة ودقّة، كما نفكّر فيها بدون ملاحظات غير مجدية ولا معنى لها، وعلى العمل بكلّ طيبة وبدون تمويه أو تحايل أو خداع، واضعين الله وحده فقط نُصب أعيُننا.
لذا، يجب على كلّ واحد منّا أن يجتهد على إتمام أعماله متحلّيًا بروح البساطة هذه، قائلاً لذاته إنّ الله يُسرّ بالتواصل مع البسطاء والضعفاء وبالكشف لهم عن أسراره التي يَخْفَيها عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالأذكياء ( متى ١١ : ٢٥ ).
لكن في الوقت نفسه أوصانا يسوع المسيح ببساطةِ الحمام، وأمرنا باستخدام حكمة الْحَيَّات، ” فكونوا كالحياتِ حاذقين وكالحمامِ وادعين ” ( متى ١٠ : ١٦ )، وهي فضيلة تجعلنا نتحدّث ونتصرّف بحذرٍ وعقلانية وحكمةٍ وفطنة..
والربّ يسوع، الذي قال للرسل إنّه يرسلهم كَغَنَمٍ فِي وَسْطِ ذِئَابٍ “هاءَنذا أُرسِلُكم كالخرافِ بينَ الذئاب “، أوصاهم في الوقت نفسه بأن يكُونُوا “حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ” ( متى ١٠ : ١٦ ) ثم أضاف : ” وَلكِنِ احْذَرُوا مِنَ النَّاسِ ، لأَنَّهُمْ سَيُسْلِمُونَكُمْ إِلَى المَجَالِسَ ، ويجلِدونكم في المجامع، وتساقون إلى الحُكّامِ والملوكِ مِنْ أَجْلِي، لِتشهدوا لديهم ولدى الوثنيّين. فلا يُهِمَّكم حين تُسلمون كيف تَتَكلّمون او ماذا تقولون، فسَتُلْهَمون في ذلك الوقتِ ما تتكلّمونَ به ” ( متى ١٠ : ١٧ – ١٩ ) .
لقد تحدّث المسيح يسوع في البدء عن الحذر ثمّ عن البساطة والوداعة . الحذر للذهاب كالخرافِ بين الذئاب ( متى ١٠ : ١٦ ) حيث خطر تعرّضهم لسوء المعاملة والبغض والاضطهاد. لذلك قال لهم : ” كونوا حذرين حاذقين ، كونوا متيقّظين ، لكن ابقوا بسطاء”، ” احذروا الناس ” : ” انتبهوا لذواتكم سيبغضُكم جميع الناس من أجلِ اسمي، لكن إذا وقفتم أمام القضاة والحُكّامِ : “فلا يُهِمَّكم حين تُسلمون كيف تَتَكلَّمون او ماذا تقولون، فسَتُلْهَمون في ذلك الوقتِ ما تتكلَّمون به ، فلستُم انتمُ المُتكلّمين، بل روحُ ابيكم يَنْطِقُ بِلِسانِكم ” ( متى ١٠ : ١٩ )، وهذه هي البساطة والوداعة .
انّ الربّ يسوع ربط بين هاتين الفضيلتين، دافعًا إيّانا إلى الإفادة منهما في آنٍ واحد معًا، كما أوصانا باستخدامهما أيضًا وأفهمنا أنّ الحذر والبساطة يتماشيان معًا عندما نفهمهما جيّدًا ونعمل بهما .