مريم العذراء سيدة التواضع ( ١ )
إن فضيلة التواضع ضرورية للمسيحي وحياته الروحية، وبدونها يتعذر عليه الحصول على الخلاص الأبدي. وذلك لأنها أساس وركن لجميع الفضائل. فكما أن الفرع يحفظ نضارته وهو ملتصقاً بالجذع، ويذبل ويجّف ويبس إذا فُصِل عنه، هكذا كل فضيلة لا تتصف بالإتضاع تنهار وتزول .
التواضع يُعلمنا الخوف من الخطيئة والهروب من أسبابها .
فكم وكم من الأشخاص سقطوا وفسدوا لأنهم افتخروا بقوتهم وشجاعتهم واتكلوا على أنفسهم بكبرياء.
أما سيدتنا مريم العذراء، فهي آية في تواضعها العميق. فقد أرضت الله بجميع الفضائل وبالأخص بالطهارة والتواضع.
وفي سفر يشوع بن سيراخ قيل عنها : ” قبل الدهور ومنذ البدء خلقني، وإلى الدهور لا أزول. في المسكن المقدّس أمامه خدمت ” ( يشوع بن سيراخ ٢٤ : ٩ – ١٠ ) .
فالكبرياء كان أصل كل شر وهلاك، والتواضع صار أمل كل خير ونجاة .
حواء الأولى أهلكتنا بكبريائها، أما مريم، حواء الثانية فقد خلّصتنا بتواضعها. نعم مريم بتواضعها ولدت لنا ثمرة الحياة. وهنا يهتف القديس برناردُس قائلاً : ” ايها التواضع الحقيقي، أنت ولدت الله للبشر. أنت ولدت الحياة للموتى، ووجدت السماوات وطهرت الأرض وفتحت الفردوس وخلّصت النفوس ” .
كانت مريم تعلم أنها لم تُغضب الله ولم تخالف وصاياه ولم تعصى اوامره أبداً، كانت تقّر أنها نالت دون سائر البشر أعظم النعم من الله، لأن القلب المتضع عندما يشاهد ما خصّه الله من نِعم يزداد تواضعاً. ولذلك فإن النور الإلهي الذي يكشف لمريم عن عظمة الله وقدرته يجعلها أكثر تواضعاً من بنات مجتمعها.
وهكذا مريم العذراء ، كلّما أفاض الله عليها النعم والخيرات، كُلّما ازدادت تواضعاً لعلمها أنها نالت كل شيء من لدُن الله، ولذلك قالت : ” تُعظم نفسي الرب، وتبتهج روحي بالله مُخلّصي، لأنه نظر إلى تواضع أمته ” ( لوقا ١ : ٤٧ – ٤٨ ) ، وبذاتها لا تملك شيئاً أبداً، ” لأن القدير صنع بي العظائم، قدوسٌ اسمه ” ( لوقا ١ : ٤٩ ) . ولذلك لا يوجد من هو أكثر منها تواضعاً .