يضع الكتاب المقدس تعريفاً للإيمان على أنه هو ” وأمّا الإيمانُ فهو الثِّقَةُ بما يُرجَى والإيقانُ بأُمورٍ لا تُرَى”(عب11: 1).
بدون أدنى شك إن إيماننا بيقينية وعود الله لا يمكن أن يشوبه أية شكوك أو ظنون، فهي وعود نافذة المفعول بشكل قاطع ونهائي، ولهذا يقول كاتب العبرانيين ” لنتقَدَّمْ بقَلبٍ صادِقٍ في يَقينِ الإيمانِ، مَرشوشَةً قُلوبُنا مِنْ ضَميرٍ شِرِّيرٍ، ومُغتَسِلَةً أجسادُنا بماءٍ نَقيٍّ”(عب10: 22). وقاموس الإيمان لا توجد به بعض مفردات اللغة مثل “ربما … أظن… أتخيل… أتمنى… غالباً … من المحتمل …من المرجح… ” ويرجع ذلك في مَنْ وعد فهو:
أولاً: الإله الصادق
نحن نثق في صدق وعود الرب، وفي كل كلمة من كلامه، بل وفي كل حرف، وكل نقطة من وعوده. يسطر الوحي في (يش21: 45) لم تسقُطْ كلِمَةٌ مِنْ جميعِ الكلامِ الصّالِحِ الذي كلَّمَ بهِ الرَّبُّ عنكم”.
وفي سفر (العدد23: 19)” ليس اللهُ إنسانًا فيَكذِبَ، ولا ابنَ إنسانٍ فيَندَمَ. هل يقولُ ولا يَفعَلُ؟ أو يتكلَّمُ ولا يَفي؟”
وفي (أش25: 1) “يارَبُّ، أنتَ إلَهي أُعَظِّمُكَ. أحمَدُ اسمَكَ لأنَّكَ صَنَعتَ عَجَبًا. مَقاصِدُكَ منذُ القَديمِ أمانَةٌ وصِدقٌ”.
ولقد قال الرب يسوع في الموعظة على الجبل ” فإنِّي الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إلَى أنْ تزولَ السماءُ والأرضُ لا يَزولُ حَرفٌ واحِدٌ أو نُقطَةٌ واحِدَةٌ مِنَ النّاموسِ حتَّى يكونَ الكُلُّ”(مت5: 18) كما قال “السماءُ والأرضُ تزولانِ ولكن كلامي لا يَزولُ”(مت24: 35).
ياه ! كم كان الرسول بولس رائعاً وهو يتحدث عن يقينية إتمام مواعيد الله فيقول:” لكن أمينٌ هو اللهُ إنَّ كلامَنا لكُمْ لم يَكُنْ نَعَمْ ولا. لأنَّ ابنَ اللهِ يَسوعَ المَسيحَ، الذي كُرِزَ بهِ بَينَكُمْ بواسِطَتِنا، أنا وسِلوانُسَ وتيموثاوُسَ، لم يَكُنْ نَعَمْ ولا، بل قد كانَ فيهِ نَعَمْ. لأنْ مَهما كانَتْ مَواعيدُ اللهِ فهو فيهِ “النَّعَمْ” وفيهِ “الآمينُ”، لمَجدِ اللهِ، بواسِطَتِنا. “(2كو1: 18- 20).
وكأن بولس يود أن يقول: إن كل وليس بعض مواعيد الله قد تحققت وتمت المصادقة عليها في المسيح، فالوعود الإلهية أكيدة ومعصومة من الخطأ، ليس نعم ثم لا، اليوم شيء وغداً شيء مختلف تماماً، ولكن دائماً “نعم”.
نعم! طالما المسيح حي فالوعود لا يمكن أن تسقط ليتنا نثق في صدق مواعيده، لأنه يقول ما يعني ويعني ما يقول ليتنا نستجيب للوعود العظيمة بإيمان عظيم كتب مارتن لوثر بعد أن ذهل بسبب وعد كان يتأمله” لقد نسيت الله عندما قلت ” كيف يكون ذلك”؟.
2. الإله القدير
قدرة الله الفائقة تضمن قدرته على تنفيذ كل ما وعد به، يسجل الوحي عن سارة عندما سمعت الوعد بإنجابها “فضَحِكَتْ سارَةُ في باطِنِها قائلَةً: “أبَعدَ فنائي يكونُ لي تنَعُّمٌ، وسيِّدي قد شاخَ؟”. فقالَ الرَّبُّ لإبراهيمَ:”لماذا ضَحِكَتْ سارَةُ قائلَةً: أفَبالحَقيقَةِ ألِدُ وأنا قد شِختُ؟ هل يَستَحيلُ علَى الرَّبِّ شَيءٌ؟ في الميعادِ أرجِعُ إلَيكَ نَحوَ زَمانِ الحياةِ ويكونُ لسارَةَ ابنٌ”(تك18: 12- 14).
ويسطر الوحي عن إبراهيم في (رو4: 19- 21) ” وإذ لم يَكُنْ ضَعيفًا في الإيمانِ لم يَعتَبِرْ جَسَدَهُ – وهو قد صارَ مُماتًا، إذ كانَ ابنَ نَحوِ مِئَةِ سنَةٍ – ولا مُماتيَّةَ مُستَوْدَعِ سارَةَ. ولا بعَدَمِ إيمانٍ ارتابَ في وعدِ اللهِ، بل تقَوَّى بالإيمانِ مُعطيًا مَجدًا للهِ. وتيَقَّنَ أنَّ ما وعَدَ بهِ هو قادِرٌ أنْ يَفعَلهُ أيضًا”
نعم! إن وراء وعود الله لا توجد مصداقيته فقط بل قدرته الخارقة على تنفيذ وعده، فقد كان إبراهيم على يقين بأن الله قادر أن يقلب قوانين الطبيعة لصالحه ليجعله أباً لأمم كثيرة حتى لو كان قد بلغ سن المئة وسارة في سن التسعين من العمر.
نعم! مَنْ ينقب في ذاكرته قد يجد وعود كثيرة من أقرباء أو أصدقاء أو زملاء وعدونا أن يساعدوننا، ولكن تركونا دون أن يحققوا ما وعدوا به. ربما بحسن نية فعلوا هكذا، وربما لعدم قدرتهم أو لنسيانهم تركونا، أو لمصالح وحسابات أخرى نكثوا بوعودهم، لكن الأمر يختلف تماماً بالنسبة لإلهنا الصادق في وعوده والقادر على تنفيذ ما وعد به.
ليتنا نشارك إرميا عندما أعلن “آهِ، أيُّها السَّيِّدُ الرَّبُّ، ها إنَّكَ قد صَنَعتَ السماواتِ والأرضَ بقوَّتِكَ العظيمَةِ، وبذِراعِكَ المَمدودَةِ. لا يَعسُرُ علَيكَ شَيءٌ”(إر32: 17).
ونشارك أيوب في تصريحه “قد عَلِمتُ أنَّكَ تستَطيعُ كُلَّ شَيءٍ، ولا يَعسُرُ علَيكَ أمرٌ “(اي42: 2).
ونشدو مع داود “أنتَ الإلَهُ الصّانِعُ العَجائبَ”(مز77: 14).
كيف لا ألم يسجل الوحي أن القديسة العذراء مريم عندما اندهشت من بشارة الملاك لها بميلاد يسوع قال لها:” لأنَّهُ ليس شَيءٌ غَيرَ مُمكِنٍ لَدَى اللهِ”(لو1: 37).
ويسطر الوحي كلمات الرب يسوع في قصة الشاب الغني قائلاً:”عِندَ الناسِ غَيرُ مُستَطاعٍ، ولكن ليس عِندَ اللهِ، لأنَّ كُلَّ شَيءٍ مُستَطاعٌ عِندَ اللهِ”(مر10: 27).
ثانياً: الإله المحب
إن إيماننا بإلهنا المحب يعطينا الثقة أنه الغني عندما يفتح يده ويعطينا فإنه يرضينا … فهو يعطينا أكثر من احتياجاتنا وانتظاراتنا.
فهو لا ينقذ يوسف فقط من السجن بل يجعله نائباً لفرعون (تك41: 40).
ولا يتوقف اهتمامه وعنايته بمردخاي أن ينجيه فقط من المؤامرات التي تحاك ضده من هامان، وإنما يرفع من شأنه وشعبه ليصل بهم إلى قمة الرفعة، ويصلبون هامان على الخشبة التي أعدها لمردخاي.(استير7: 10). ولا يكتفي بشفاء المريض الذي لازم فراشه ثمان وثلاثين سنة ولكن يعطيه الصحة والقوة ليحمل سريره ويمشي (يو5: 8).
علينا أن نثق أن إلهنا يفعل معنا ويعطينا أكثر جداً مما نطلب أو نفتكر بحسب غناه في المجد.
نعم! خلف كل وعود الله توجد رقة قلب الله المحب الذي يدبر ويرتب الأفضل لاولئك الذين يحبهم ورسول المحبة يوحنا يصف بإيجاز الطبيعة الإلهية في آية صغيرة مكونة من كلمتين لكنها ثرية بالمعاني الجميلة المعزية والمطمئنة وهي الله محبة (1يو4: 6و8).
هذه السمة المميزة لطبيعة إلهنا تجعلنا في ثقة ويقين من صدق مواعيده لنا فيسطر الوحي “هل تنسَى المَرأةُ رَضيعَها فلا ترحَمَ ابنَ بَطنِها؟ حتَّى هؤُلاءِ يَنسَينَ، وأنا لا أنساكِ”(أش49: 15).
هناك شيء واحد فقط ينساه الآب السماوي المحب إن جاز التعبير وهو خطايا المؤمن فمكتوب:” في ولن أذكُرَ خطاياهُمْ وتعَدِّياتِهِمْ في ما بَعدُ”(عب10: 17).
وإيماننا وثقتنا في محبة إلهنا أنه لا يمكن بل من المستحيل أن ينسى النفس المفديه بدم ابنه الحبيب فمكتوب “هوذا علَى كفَّيَّ نَقَشتُكِ. أسوارُكِ أمامي دائمًا “(اش49: 16).
يضع الكتاب المقدس تعريفاً للإيمان على أنه هو ” الثِّقَةُ بما يُرجَى والإيقانُ بأُمورٍ لا تُرَى”(عب11: 1). ولذا ينظر الناس إلى المؤمن الذي يتحدث حديث اليقين عن أمور غير منظورة كأنه يراها ويبني عليها أخطر قرارات حياته ينظرون إليه كأنه فقد صوابه.
وماذا يمكن أن يقال عن شخص يغلق على نفسه الباب ويحاجج في دجى الليل مَنْ لا يرى بالعين المجردة وإنما بالإيمان، ويسكب أمامه كل عواطفه ودموعه وشكواه، أقل ما يقال فيه ماذا حدث لعقله؟! أليس هذا ما يفعله المسيحي الحقيقي عندما يدخل إلى مخدع الصلاة؟! وبأي وصف يمكن أن نصف المؤمن الأمين الذي يكرس حياته بالتمام ويستغرق في خدمة الله؟!… ألا نصفه بأنه مختل عقلياً؟! كيف لا؟! ألم يقل أقرباء يسوع عنه أنه مختل عقلياً (مر3: 21) لأن الخدمة الدينية استحوذت عليه وشغلته وملأت وقته حتى أنه لم يقدر ولا على أكل الخبز (مر3: 20).
إن الإيمان المسيحي يُبنى على أساس الثقة بالإله المحب والإيقان بأن قوته مقتدرة فعالة أنه إيمان مؤسس على وعود الكتاب المقدس التي أثبتت صدقها في حياة الذين تمسكوا بها على مر الأجيال والتي اختبرناها ونختبرها بدورنا في حياتنا، فنزداد إيماناً واستمساكاً بها.
أن الإيمان يعطي الإنسان اليقين بالنجاة مهما كانت الأخطار والمخاوف، إرجع لكلمة الله لترى بطرس ينام نوماً عميقاً بين عسكرين مربوطاً بسلسلتين في ليلة إعدامه كما كان مقرراً (أع12: 6). وتجد بولس وسيلا يرنمان في منتصف الليل وهما محبوسان في سجن فيلبي الرهيب (أع16: 25).
أما استفانوس فقد كان الاطمئنان يكسو وجهه وهو يقف ليحاكم عن تهم عقوبتها الإعدام (أع7: 54- 60).