يحتفل العالم اليوم 6 فبراير 2017 بمناهضة ختان الإناث تحت شعار “بناء جسر متين وتفاعلي بين أفريقيا والعالم للإسراع وإنهاء ختان الإناث بحلول عام 2030” وذلك تماشياً مع أهداف التنمية المستدامة 2030.
في هذا اليوم تتذكر مصر بنات كنا ضحايا لهذه الممارسة العنيفة المنتهكة لحقوقهن وأجسادهن . هؤلاء الضحايا هن اللاتي أيقظن المجتمع المصري ومؤسساته ، للتصدي لهذه الممارسة من خلال حزمة من الجهود وطنية الحاسمة في مجال التشريع والإعلام والتعليم والتوعية الدينية والثقافية .
يأتي هذا اليوم وقد قطعت مصر شوطاً كبيراً في طريق القضاء النهائي على ممارسة ختان الإناث ، وقد أصبح تشويه أوبتر الأعضاء التناسلية الخارجية للأنثى المسمى ” ختان الإناث” جناية في قانون العقوبات
( المادة 242 مكرر ، 242 مكرر أ ) يعاقب مرتكبها بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ، ولو أدى الختان إلى عاهة مستديمة أو وفاة يعاقب مرتكبيها بالسجن المشدد. وذلك بعد موافقة مجلس النواب في أغسطس 2016 على تشديد العقوبة على ختان الإناث لتصبح جناية بدلا من جنحة .
صدر هذا القانون تتويجا لمطالبات عديدة من قبل الرأي العام المستنير والمجتمع المدني والهيئات القضائية والتشريعية والمؤسسات الحكومية المعنية ، وليحقق نقلة نوعية جديدة لردع الممارسين والمشاركين في هذه الجريمة والمنتهكين لأجساد الفتيات من جانب ومن ناحية أخرى ليرسي ثقافة مجتمعية جديدة تؤكد أن “ختان البنات جناية” وليس عرفاً يمكن تقبله .
لقد لعبت النيابة العامة دورا محوريا في تحريك قضايا ختان الإناث والدفاع عن حقوق الفتيات ضحايا الختان . أخر هذه القضايا كانت قضية الطفلة ميار وأختها التوأم في 2016 ، حيث توفيت الأولى من جراء ختانها على يد طبيبة ، وتم ختان أختها على يد نفس الطبيبة . قدمت النيابة – ولأول مرة – أربعة متهمين ( الطبيبة التي قامت بالختان وطبيب التخدير والممرضة وأم الفتاتين ) إلى محكمة الجنايات ، والتي أدانت المتهمين جميعاً في هذه القضية.
وفي سياق إهتمام النيابة العامة بقضايا ختان الإناث ، أصدر النائب العام كتابا دورياً لأعضاء النيابة العامة كافة في جميع أنحاء الجمهورية ، للتوجيه بالإجراءات القانونية الصحيحة الواجب اتخاذها في قضايا ختان الإناث وذلك لحسمها وردع مرتكبي مثل هذه الجريمة.
كذلك أكدت المؤسسات الدينية، الإسلامية والمسيحية، موقفهما الديني الرافض لممارسة ختان الإناث المنتهكة لحقوق النساء في الكرامة الإنسانية والصحة الجسدية والنفسية السليمة . حيث أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى جديدة في يونيو 2016 لتدعيم فتاواها السابقة بأن ختان الإناث حرام شرعاً وتدعو الأسرة المصرية للتخلي عنه . وفي الوقت نفسه وافقت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف برئاسة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب على تغليظ العقوبة على جريمة ختان الإناث وإعتبارها جناية في حق الفتاة المصرية . كما أكدت الكنيسة المصرية رفضها لهذه الممارسة العنيفة من منظور مسيحي يكرم جسد الإنسان “الرجل والمرأة ” ضد العنف والإساءة .
وشهد عام 2016 تغييراً ملحوظاً في إتجاهات الرأي العام والإعلام تجاه دعم جهود مناهضة ختان الإناث، فقد خصص إتحاد الإذاعة والتليفزيون بالتعاون مع المجلس القومي للسكان ووزارة الصحة والسكان مساحات إعلامية مجانية كبيرة لبث تنويهات “كفاية ختان بنات” على قنوات الدراما الأكثر مشاهدة وخلال شهر رمضان، وأيضاً ناقشت البرامج الجماهيرية مع العديد من المتخصصين وأصحاب الرأي والمواطنين إتجاهاتهم في هذه القضية كما خصصت أيضاً وسائل الإعلام المكتوبة والإليكترونية مساحات كبيرة للدفع بالحوار المجتمعي في الإتجاه الرافض لجريمة ختان الإناث. وقد وصل الحوار المجتمعي إلى الذروة مع وفاة الطفلة ميار ضحية السويس فقد ساهم الرأي العام المصري بنسبة كبيرة في حث المجتمع بعد هذا الحدث لمطالبة مجلس النواب بسرعة إصدار تعديل تشريعي يغلظ عقوبة ختان الإناث لتصبح جناية.
في نهاية عام 2016 وبدايات عام 2017 ظهرت للنور مبادرة وطنية جديدة تحت مسمى “أطباء ضد ختان الإناث” تشمل مجموعة من كبار أطباء مصر من ذوي الخبرة في مجال الدفاع عن أخلاقيات المهنة الطبية وتعزيز حقوق المرأة في صحة نفسية وبدنية سليمة وذلك لمواجهة تحدي ظاهرة تطبيب ختان الإناث في مصر أي نقل الممارسة من أيدي الدايات إلى الأطباء والفريق الصحي. وتهدف المبادرة إلى تفعيل الموقف الطبي والقانوني والأخلاقي ضد جريمة ختان الإناث من قبل المؤسسات الطبية الأكاديمية والحكومية والخاصة والأهلية وتحفيز المسئولية الإجتماعية للأطباء لدعوة المجتمع للتخلي عن هذه الجريمة العنيفة. وقد بدأت هذه المبادرة أول فاعلياتها بالعمل مع المجلس الأعلى للجامعات والبرنامج القومي لمناهضة ختان الإناث بالمجلس القومي للسكان وذلك لدمج مكون حول أضرار ختان الإناث في مناهج كليات الطب البشري.
أكد البرنامج القومي لتمكين الأسرة ومناهضة ختان الإناث بالمجلس القومي للسكان المنسق الوطني للإستراتيجية القومية لمناهضة ختان الإناث أن المجتمع المصري يتجاوب مع كافة الجهود المبذولة من قبل المؤسسات الوطنية المختلفة ويتضح ذلك من المؤشرات الإحصائية التي تبين تراجع نسب ممارسة ختان الإناث لاسيما بين الفتيات في الفئة العمرية من 15-17 سنة من 74% طبقاً للمسح الصحي السكاني 2008 إلى 61 % في نفس المسح لعام 2014 . وهذا ما أكده أ.د. طارق توفيق – مقرر المجلس القومي للسكان وأضاف أن المجلس يعمل على تحقيق الإستراتيجية مع كافة الشركاء الوطنيين من المؤسسات الحكومية والمدنية والإعلامية والقضائية وبالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة وعلى رأسها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وصندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة الأمم المتحدة للمرأة وهيئة اليونيسيف وبدعم الإتحاد الأوروبي وهيئة التنمية السويدية الدولية وفي هذا السياق تلعب مصر دوراً كبيراً لتكون أحد بناة الجسور بين أفريقيا والعالم للإسراع من القضاء على جريمة ختان الإناث وتحقيق العدالة التي تستحقها النساء والفتيات حول العالم.