الخلاف في قرية “شربات” بالعامرية, والذي تطور إلي نزاع, أفضي إلي تسوية عرفية قضت بتهجير مواطنين مصريين أقباط من قريتهم بدعوي عقابهم أو حمايتهم هو نتيجة لتراكم سنوات طويلة من غياب تطبيق قواعد العدالة المتعارف عليها في التوترات الدينية. فقد ظل “نظام مبارك” لعقود يلجأ إلي التسويات العرفية في قضايا جنائية يترتب عليها إزهاق أرواح, وإتلاف ممتلكات, بحيث يتحول الجاني والمجني عليه إلي طرفين في مجلس عرفي يهدر أبسط قواعد العدالة بأن الجرم فردي والعقاب يجب أن يكون فرديا. ولا داعي لسرد توترات دينية, ترتب عليها مآسي بدعوي الصلح العرفي.
هذه الممارسة العرفية غير قانونية. وبدلا من تقديم الطرف المخطئ إلي مؤسسات العدالة حتي يأخذ القانون مجراه جري تسوية الخلاف عرفيا, وترتب عليه تهجير مواطنين مصريين من قريتهم. إلي متي تستمر هذه الممارسات اللا قانونية المسماة بالحلول العرفية التي تجري تحت رعاية قيادات تنفيذية وأمنية ودينية, وكأن الجرائم التي ترتكب باسم الخلافات التي تقع بين مسلمين ومسيحيين هي خارج القانون, أو لها حلول خاصة بها.
نحن لا نعترف بالحقيقة أن من يخطئ هو فرد, علي كاهله يقع الخطأ ويتحمل وزره, ولا شأن للآخرين به. ولماذا نتعامل مع كل الظواهر التي تحيط بنا علي أنها من صنع أفراد, ثم نأتي في المسائل المتعلقة بالدين ننظر إليها علي أنها تصرف جماعي؟
ليس كل المسلمين يسيئون للمسيحيين, وإذا أساء أحدهم أو نفر منهم يتحمل وزر فعله, ويرتد عليه إثمه. وليس كل المسيحيين يسيئون للمسلمين, فإذا أساء أحدهم أو نفر منهم يتحمل تبعات عمله. إذا نظرنا للأمور من هذا المنطلق سوف نضع الأحداث في حجمها الطبيعي, ولن تعكر صفو علاقات المواطنين المسلمين والمسيحيين أحداث فردية.
ما حدث في قرية شربات هو اختبار بل تحدي للعهد الجديد الذي نسعي لبنائه إما أن تكون دولة مؤسسات وقانون, وإما أن يكون تعبيرا عن شريعة الغاب, والحلول العرفية التي تهدر حقوق المواطنة.