أعطت المتغيرات الاقتصادية العالمية خلال الأسابيع القليلة الماضية -وبعد مرور عام كامل علي بروز الأزمة المالية العالمية- مؤشرات ايجابية تجسدت في تراجع معدلات انكماش الناتج المحلي وانخفاض عدد الشركات التي تعلن إفلاسها وتراجع مؤشرات البطالة وتتجه تحليلات الخبراء وتصريحات المسئولين عن السياسات الاقتصادية والمالية في الدول الكبري والناشئة, للحديث عن مدي قوة التعافي أو هشاشته. وتؤكد هذه المؤشرات نجاح الخطط الاقتصادية وفعاليتها تجاه الأزمة وأنها استطاعت أن تقصر في عمر الأزمة مقارنة بالأزمات السابقة التي امتدت لسنوات طويلة انتهت بحلول صعبة ومريرة, وأنه كما كانت الأزمة عالمية جاءت الحلول عالمية أيضا, ومن ثم يمكن القول إن الرأسمالية في عصرنا الراهن تبدو أكثر انسجاما ورشاقة في مواجهة الأزمات الدورية منها أو الكبري. فمقابل انكماش بما بين 2% و5% في المتوسط السنوي في الاقتصادات الرئيسية التقليدية, حافظت الصين وكثير من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مثلا علي نمو إيجابي وأن تراجع النمو بنسبة كبيرة قد تصل إلي النصف. وبالرغم من ذلك يتخوف بعض الاقتصاديين من أن مؤشرات التعافي تلك قد لا تزيد عن كونها ##وهما## ويطالبون بضرورة التعامل معها بحذر.
بدأت الأزمة في القطاع العقاري, ثم ما لبثت أن انعكست نتائجها علي القطاعات الأخري وتحديدا القطاع المالي والمصرفي وتوقفت البنوك عن الإقراض فيما بينها وتوفير خطوط ائتمان للمؤسسات ثم أصبحت أزمة اقتصادية كلية, وكانت آخر ضحاياها المصانع الكبري في قطاع السيارات وعلي رأسها شركة جنرال موتورز وكرايسلر اللتان أشهرتا إفلاسهما, هنا التساؤل يدور حول مصير الآلاف من المؤسسات المنهارة منها المالية والعقارية الصناعية؟
يلاحظ أن الحكومات الرأسمالية في الدول التي عصفت بها الأزمة وعلي رأسها الولايات المتحدة اتخذت مسارات متعددة في موقفها من هذه المؤسسات, بين خطط الإنقاذ المتمثلة بتقديم المساعدات والقروض وبين شراء أسهم الشركات والمؤسسات التي أشهرت إفلاسها أو ترك هذه المؤسسات لتكون ضحية لهذه الأزمة, ومن ثم إعادة هيكلة هذه المؤسسات من خلال الاندماج أو الانهيار التام كانت الخيارات المتاحة أمام حكومات الأزمة وراعت الخطط تقديم المعونات والمساعدات للطبقات الفقيرة والي الذين فقدوا وظائفهم من جراء الأزمة.
صحيفة ##نيويورك تايمز## قالت إنه بالرغم من السخاء الذي منحت به الحكومة الأمريكية الأموال للبنوك فإن التغيير كان طفيفا فيما يتعلق بإعادة هيكلة المصارف الكبري. وانخفض عدد الموظفين الجدد في الصناعة المصرفية بنسبة 8% فقط منذ سبتمبر الماضي وأغلق عدد قليل من صناديق التحوط أبوابه كما عادت البنوك للإنفاق بسخاء علي موظفيها لتصل إلي معدلات ما قبل الأزمة. وحتي الآن ما زالت البنوك تبيع وتتاجر بالمشتقات في غياب ضوابط قانونية رغم الدور الذي لعبته هذه المشتقات في الانهيار الذي حدث في العام الماضي. في نفس الوقت تواجه الإجراءات التي تستهدف فرض سقف علي المنح والعلاوات للمسئولين أو زيادة حجم رؤوس أموال البنوك مقاومة شديدة. وأكدت##نيويورك تايمز## أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة نجحت علي المدي القصير, فقد استطاعت بعض المؤسسات مثل سيتي جروب وغيرها تجنب الانهيار واستطاع الاقتصاد تفادي كساد كبير.لكن الاقتصاديين يقولون إن عملية الإنقاذ جاءت بتكلفة عالية جدا. ويحذر هؤلاء من أنه في حال عدم معالجة المخاطر التي تعاني منها الصناعة فإن ذلك قد يؤدي إلي أزمة أخطر خلال سنوات وليس عقود وفي هذه الحالة ستتعرض الثقة بحكومة الولايات المتحدة للخطر.