لاشك أن العقل الإنساني محدود,وقاصر,ومهما وصل به الذكاء والنبوغ,فهو بالكاد يعرف الأمور الظاهرة والحاضرة,ولكنه-بالقطع-لا يعرف الأمور الخفية أو المستقبلية.
من هنا كانت قيادة الإنسان لنفسه,أو حتي قيادة الإنسان هي بمثابة أعمي يقود أعمي,يسقطان كلاهما في حفرة(مت15:14),لذلك أوصانا الكتاب أن لا يكون الإنسانحكيما في عيني نفسه(أم26:5),ولذلك طلب منا الرسول بولس أن نكون تحت قيادة روح الله,حينما قال:الذين ينقادون بروح الله,أولئك هم أولاد الله(رو8:14),ومنذ العهد القديم,كان موسي النبي يتضرع إلي الرب قائلا:إن لم يسر وجهك فلا تصعدنا من ههنا(خر33:15),أي أنه كان يطلب قيادة الله له وللشعب,فكان الرب يستجيب قائلا:وجهي يسير فأريحك(خر33:14),وهكذا قاد الرب الشعب في البرية إلي الراحة والانتصار.
1-اعبر إلي مكدونية وأعنا:
في غيرة وحماس أراد الرسول بولس أن يتجه شرقا إلي آسيا,ليبشر هذه القارة الشاسعة بالسيد المسيح,ولكنهمنعه الروح القدس أن يتكلم بالكلمة في آسيا(أع16:6),ولما حاول أن يتجه شمالا إلي بيثينية لم يدعه الروح(أع16:7).
فمكث الرسول منتظرا تعليمات السماء فإذا به يري في رؤيا في الليل رجلا مكدونيا قائما يطلب إليه:اعبر إلي مكدونية وأعنا,فتحقق أن الرب دعاه وزملاءه للكرازة في مكدونية وأخائيةشمال وجنوب اليونانفأسسوا كنائس باقية حتي اليوم.
إن الخضوع للروح يوجه الخادم والخدمة ويأتي بالثمار المرجوة,ولكن معاندة الروح تدخلنا في طريق عقيم ومسدود وبلا ثمار.
2-فيلبس والخصي الحبشي:
ذات الطاعة وجدناها لدي فيلبس,حينما قال ملاك الرب لفيلبس:قم واذهب نحو الجنوب علي الطريق المنحدرة من أورشليم إلي غزة…فقام وذهب(أع8:26, 27)وإذ الخصي يقرأ إشعياءففتح فيلبس فاه,وابتدأ من هذا الكتاب فبشره يسوع(أع 8:35),وبعد أن عمده وصعد من الماء خطف روح الرب فيلبس,فلم يبصره الخصي أيضا وذهب في طريقه فرحاأما فيلبس فوجد في أشدود(أع8:39, 40).
3-ملاءة بطرس:
بينما كان بطرس علي السطح يصلي,كان ملاك الرب يظهر لكرنيليوس الأممي التقي,ليرشده إلي كلمة الخلاص,ويسوع المخلص!!وبينما كان خادما كرنيليوس في طريقهما إلي يافا لمقابلة بطرس,كان الرب ينزل ملاءة عظيمة مدلاه من السماء تحمل كل الدواب والوحوش والزحافات والطيور,وصوت من السماء:قم يا بطرس,اذبح وكلولما امتنع بطرس قائلا:كلا يارب,لأني لم آكل قط شيئا دنسا أو نجسا,قال الصوت:ما يطهره الله,لا تدنسه أنت…وكان هذا علي ثلاث مرات(أع10)ولما وصل الخادمات والجندي قال الروح لبطرس:قم وانزل واذهب معهم غير مرتاب,لأني أنا قد أرسلتهم..واستمرت قيادة السماء لبطرس حتي حل الروح علي كرنيليوس ومن كانوا معه,فعمدهم بطرس الرسول واثقا أن الإيمان المسيحي هو للأمم أيضا.
4-في الطريق إلي أورشليم:
كان الرسول بولس قد وضع قلبه أن يذهب إلي أورشليممقيدا بالروح(أع20:22),وإذ به يسمع في صور إلحاحا من التلاميذ أن لا يصعد إلي أورشليم(أع 21:4) ثم يأتي نبي من اليهودية اسمه أغابوس,الذيأخذ منطقة بولس وربط يدي نفسه ورجليه وقال:هذا يقوله الروح القدس,الذي له هذه المنطقة هكذا سيربطه اليهود في أورشليم,ويسلمونه إلي أيدي الأمم(أع21:11),وللحال بدأ التلاميذ يلحون عليه أن لا يصعد إلي أورشليمولكنه قال لهم:ماذا تفعلون؟, تبكون وتكسرون قلبي لأنني مستعد ليس أن أربط فقط,بل أن أموت أيضا في أورشليم لأجل اسم الرب يسوعفسكتوا قائلين:لتكن مشيئة الرب(21:12-14) .
إن الروح قال إنه سيربط,ولكنه لم يقل له:لا تذهب.وهكذا في خضوع مثالي لمشيئة الله ذهب ليشهد ويستشهد من أجل اسم المسيح.
5- حتي في اختلاف الرأي:
كان الرسل تحت قيادة الروح حتي حينما كانوا يختلفون في الرأي,إذ كانوا يتسمعون صوت الله لحياتهم وهكذا صار الخلاف في الرأي سبب نمو في الخدمة.فها هو بولس لا يستحسن أن يأخذ مرقس في الرحلة الطويلة,وها هو برنابا يخشي أن يبتعد مرقس عن العمل,فيصحب بولس وسيلا إلي رحلة طويلة,ويذهب برنابا مع مرقس إلي رحلة قصيرة.وصارت الرحلة رحلتين,وأصبحت المجموعة مجموعتين.وازداد الثمر,وكثرت الكنائس,وشهد بولس فيما بعد:أحضر مرقس معكلأنه نافع لي في الخدمة(2تي4:11)وانطلق مارمرقس فيما بعد ليبشر مصرنا العزيزة وشمال أفريقيا.
طوبي إذن لهذا الخلاف في الرأي,الذي جعل من مارمرقس عملاقا وكاروزا.
فليعطينا الرب طاعة حقيقية لإرشاد روح الله,المتكلم في القلب,والناطق علي لسان الأب الروحي,لأننا هكذا نتحرك في الاتجاه السليم.