تقليديا, لطالما كانت مهنة النقد شديدة السهولة في واشنطن. للحصول علي معلومات حصرية من مصادر داخلية, يعمد كاتبو المقالات المشهورون أحيانا إلي مصادقة كبار صانعي السياسات وتقديم النصح لهم بشكل غير رسمي فيما يتناولون الغداء أو مشروبات معهم. طبعا, يمكن للعلاقة أن تصبح معقدة, فأبرز ناقد في واشنطن في منتصف القرن الـ20, والتر ليبمان, كان معروفا بأنه يساعد الرئيس علي كتابة الخطابات, ومن ثم يثني علي الخطاب في مقالته الصحفية.
يتمتع بول كروجمان بكل الخصائص التي تؤهله لأن يكون من أصحاب النفوذ الليبراليين علي الساحل الشرقي للولايات المتحدة: إنه يكتب عمودا في صحيفة نيويورك تايمز, وهو أستاذ في جامعة برينستون, وحائز علي جائزة نوبل في الاقتصاد. وهو من الأشخاص الذين تتوقع أن تجدهم يستفيضون في الكلام خلال حفلة اجتماعية في مدينة جورجتاون أو يختلطون مع الموجودين في قاعة طعام البيت الأبيض خلال عهد إدارة ديموقراطية. لكنه شخص مناهض للنظام القائم, بحسب آرائه المنشورة وربما حتي بطبيعته, مع أنه كان شوكة في خاصرة إدارة بوش, فهو ينتقد إدارة أوباما, لا بل يظهر عدائية تجاهها.
في عمود يكتبه مرتين أسبوعيا وفي مدونته الإلكترونية بعنوان Conscience of a Liberal, ينتقد إدارة أوباما لمحاولتها دعم نظام مالي يعتبره منهارا إلي حد يتعذر إصلاحه. وفي حواراته, يصف وزير الخزانة تيم جايتنر وغيره من كبار المسئولين بأنهم أدوات لـ وول ستريت (وهي تهمة سخيفة, كما يقول المدافعون عن جايتنر). هؤلاء الرجال والنساء ##غير فاسدين##, كما سارع كروجمان إلي التوضيح في مقابلة مع نيوزويك. لكنهم يعانون ##التناضح##, لإمضائهم بكل بساطة الكثير من الوقت في الاختلاط بالوكلاء الاستثماريين وما شابه.
في عموده في صحيفة نيويورك تايمز, في اليوم الذي أعلن فيه جايتنر عن تفاصيل خطة إدارته لإنقاذ البنوك, أعرب كروجمان عن ##يأسه## لأن أوباما اعتمد علي ما يبدو خطة مالية تفترض أن البنوك سليمة بشكل عام وأن المصرفيين يعرفون ما يفعلون, وكأن الرئيس مصمم علي تأكيد الانطباع المتنامي بأنه وفريقه الاقتصادي غير متصلين بالواقع وبأن نظرتهم الاقتصادية مشوبة بسبب علاقاتهم الوثيقة بشكل مفرط مع وول ستريت##.
إن كنت من مؤيدي النظام -مثلي- فإن قراءة مقالات كروجمان ستزعجك. وتشعر بأنه قاس في نقده (لا سيما فيما يتعلق بجايتنر), لكن ينتابك شعور مقلق بأنه يعرف أمرا لا يعرفه الآخرون, أو يرفضون رؤيته. الأنظمة بطبيعتها تؤمن بتعزيز الوضع القائم. فمن مصلحة أعضاء الطبقة الحاكمة إبقاء الأمور كما هي. الحفاظ علي الوضع الراهن وحماية المؤسسات التقليدية, يمكن أن يكونا مفيدين ومطمئنين ويرسيا الاستقرار. لكن أحيانا, خلف الهمسات اللبقة وجلجلة الكئوس في الحفلات الاجتماعية, يصعب علي أصحاب النفوذ المتمسكين بالتقاليد سماع التذمر. فالطبقة الحاكمة في أي عصر يمكن أن تقع ضحية لثقتها بنفسها, كما أظهر لياقت أحامد في كتابه الجديد Lords of Finance (لوردات المال), الذي يتناول حماقات مديري البنوك المركزية قبل الكساد الكبير, وكما كشف ديفيد هالبرستام أيضا في كتابه الشهير عن فيتنام بعنوان The Best and the Brightest (الأفضل والألمع). ولعل كروجمان يضخم مسألة فساد النظام المالي أو تفاني فريق أوباما في الحفاظ عليه, لكن ماذا لو كان محقا أو محقا جزئيا؟ ماذا لو كان الرئيس أوباما يضيع فرصته الوحيدة للتدخل والتأميم ــ ربما لا يجب استعمال كلمة تأميم بسبب المعاني التي تنطوي عليها ــ لإعادة هيكلة البنوك قبل أن تنهار بالكامل؟
إدارة أوباما حريصة علي عدم إثارة غضب كروجمان أكثر من اللازم. ويبذل المسئولون في وزارة الخزانة قصاري جهودهم لمدحه بالاسم (منددين في الوقت نفسه بنصائحه ونصائح أمثاله فيما يتعلق بإنقاذ البنوك معتبرين إياها ##غير عملية بالكامل##). لكن الإدارة لا تسعي إلي التقرب منه. فمساعدو أوباما دعوا معلقين ذوي قناعات مختلفة إلي البيت الأبيض للتودد إليهم بشكل غير رسمي.
في فبراير, بعدما كتب ديفيد بروكس, زميل كروجمان في كتابة مقالات الرأي لصحيفة نيويورك تايمز, عمودا ينتقد فيه أوباما متهما إياه بالمبالغة في ردة فعله, تودد ثلاثة مساعدين مختلفين إلي بروكس, وهو جمهوري معتدل, ومن ثم تقرب منه الرئيس نفسه الذي صادف حضوره إلي الاجتماع. لكن كروجمان يقول إن ##البيت الأبيض لم يبذل جهدا جديا للتقرب منه. لم ألتق أوباما قط. ولفظ اسمي بشكل خاطئ##, عندما اقترح الرئيس خلال مؤتمر صحفي, علي كروجمان, بنبرة تنم عن بعض الاستياء, أن يتقدم بخطة أفضل لإصلاح النظام المصرفي.
من المحتمل أن يكون كروجمان شعر بالإساءة بسبب تجاهل كبار المسئولين له, وقال إنه يأسف لانتقاده مسئولين يعتبرهم أصدقاءه مثل رئيسة مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض كريستينا رومر. لكنه لم يبد شديد الأسف.
كروجمان يستمتع تحت الأضواء, لكن أحيانا يبدو أن الأمور تفوق طاقته علي التحمل, كما اتضح لي عندما رافقته الأسبوع الماضي, شخصيته تشتمل علي مزيج غير اعتيادي من الصفات, فهو عصبي وخجول ولطيف وشديد الثقة بنفسه في آن واحد, وهو يستمتع بنفوذه كشخص من خارج النظام. يقول: لا أحد يملك منبرا أكبر من منبري. ولكان الأمر عظيما لو أن العالم لم يكن علي حافة الانهيار. إنه مطلوب جدا في البرامج الحوارية: فقد ظهر في برنامجي The NewsHour وCharlie Rose الأسبوع الماضي علي شبكة بيه بي أس, وفي برنامج This Week With George Stephanopoulos شبكة أيه.بي.سي. وأنتج أحدهم فيديو لأغنية روك تعرض علي موقع YouTube, يدندن فيها المغني: ##بول كروجمان, لماذا لست في الإدارة؟## و##بول كروجمان, أين أنت بحق السماء يا رجل؟ نحن نحتاج إليك في الخطوط الأمامية, وليس فقط لتكتب في نيويورك تايمز##. (فتجيب الجوقة بقساوة: كل ما نسمعه من جايتنر ترهات ترهات).
من غير المرجح أن يتولي كروجمان منصبا في الإدارة والسبب يعود جزئيا إلي أنه يتمتع بتاريخ نبيل ــ لكنه لا يعزز احتمالات التقدم في الوظائف الحكومية ــ قائم علي قول الحقيقة لأصحاب النفوذ, بحسه الفكاهي الجاف, سرد ذات مرة لأحد أصدقائه رواية عن حضوره قمة اقتصادية في مدينة ليتل روك بعد انتخاب بيل كلنتون رئيسا عام 1992, وحسبما روي هذا الصديق لنيوزويك: ##سأل كلنتون بول: هل يمكننا أن نزيل العجز في الميزانية ونصلح نظام العناية الصحية؟, أي هل يمكننا أن نحظي بالأمرين في الوقت نفسه؟ فأجابه بول: كلا, عليكم أن تتحلوا بالانضباط وعليكم اتخاذ الخيارات. ومن ثم قال لي بول (ببرودة): كان هذا الجواب الخاطئ. فقد التفت كلنتون إلي لورا تايسون وطرح عليها الأسئلة نفسها فأجابت: نعم, كل هذا ممكن, يمكنك تحقيق هذين الهدفين في الوقت نفسه. ومن ثم قال [بول]: هذا كان الجواب الصحيح. (فأصبحت تايسون رئيسة مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة كلنتون, لم تستجب لطلبنا التعليق علي ذلك). أكد كروجمان القصة لنيوزويك مبتسما. يقول: ##لقد أصبحت أكثر تسامحا الآن##. لكن حينذاك شعر بالمرارة لأنه تم استثناؤه من إدارة كلنتون.
من المعروف عن كروجمان أنه يميل إلي الانتقام. يقول صديقه وزميله شون ويلينتز, أستاذ التاريخ في جامعة برينستون: ##إنه لا يتحمل الحماقات. ولا يحب التعالي بأي شكل من الأشكال. لكنه لا يحب أن يعبث معه. ليس شبيها بجيمس بيكر, ليس هذا النوع من المعتدلين الذين تشتهر بهم برينستون##, مشيرا إلي محب تملق النظام القائم الذي كان وزير خزانة في عهد ريجان ووزير خارجية في عهد جورج بوش الأب. لكن ويلينتز أضاف أن كروجمان ##ليس متغطرسا, ولا يعلق الكثير من الأهمية علي شهرته## وأن كروجمان ليس مكروها بين زملائه الأكاديميين, الذين غالبا ما تسود الغيرة بينهم. زملاء كروجمان المفكرون يغيظونه أحيانا علي سبيل المزاح أو يثيرون غضبه بشكل متعمد.
خلال مؤتمر اقتصادي في طوكيو عام 1994, أمضي كروجمان وقتا طويلا في التهجم علي الآخرين لدرجة أن أصدقاءه بدأوا بشكل متعمد يخبرونه بأمور يعرفون أنها غير صحيحة فقط لإثارة غيظه.وانطلت عليه الحيلة في كل مرة, كما قالت صحفية كانت موجودة هناك لكنها طلبت عدم الكشف عن هويتها كي تتمكن من التحدث بصراحة.يخيل إليك أنه سيقول في النهاية: هذا غير صحيح, إنكم تهزأون مني. يقول كروجمان إنه لا يتذكر الحادثة, لكنه يقر بأن ذلك ممكن.
كروجمان البالغ 56 عاما, المتحدر من والدين مهاجرين روسيين فقيرين, نشأ في منزل صغير في الضواحي علي لونج آيلاند التي تقطنها الطبقة الوسطي, ولم يدع يوما أنه صاحب شعبية. كان رفاقه في المدرسة يهزأون به باعتباره أخرق, وعاد إلي المنزل ذات يوم دامي الأنف, لكنه قال لوالديه ألا يتدخلا وإنه سيهتم بالأمر بنفسه. تقول أمه أنيتا: أنا مذهولة بشخصيته الآن لأنه كان خجولا جدا في صغره. يقول كروجمان إنه وجد ما يصبو إليه في قصص أيزاك أزيموف الخيالية العلمية, لا سيما سلسلة روايات Foundation (أسس), التي تتمحور حول ##مجموعة من الخرقي الذين ينقذون البشرية, والمجتهدين الذين كان لديهم نظرية عن المجتمع, وأشخاص يكتبون معادلات حسابية علي اللوح قائلين: إن لم تتبعوا هذه الصيغة, سوف تنهار الإمبراطورية وسيتبعها ألف عام من الهمجية##.
يقول إن جامعة ييل التي ارتادها ##لم تكن كجامعة ييل التي ارتادها جورج بوش##, لم يكن هناك أغنيات بولا بولا تشجيعية في مباريات كرة القدم وأخويات أو مجتمعات سرية, بل اقتصر الأمر علي ##شرب القهوة في ردهة قسم العلوم الاقتصادية##. ويقول إن علم المجتمع أتاح له إمكانية تحقيق الأهداف التي حلم بها عند قراءته للروايات الخيالية العلمية, إمكانية حل المشاكل بكبسة زر. في بعض الأحيان, الحلول بسيطة جدا: يمكن أن يكون لديك فكرة عظيمة حقا.
بحثا عن فكرته العظيمة الخاصة (قدوته وبطله هو جون مينارد كينز), أصبح كروجمان أحد كبار علماء الاقتصاد في البلد قبل بلوغه الـ30 من عمره. تولي منصبا في مجلس المستشارين الاقتصاديين في عهد ريجان في سن الـ.29 زميله ومنافسه كان عالم اقتصاد آخر شابا ولامعا يدعي لاري سامرز. كلاهما يتمتع بذكاء غير تقليدي, لكنهما سلكا مسارين مختلفين في حياتهما المهنية, سامرز اختار أن يكون داخل النظام, متدرجا في المناصب إلي أن أصبح وزيرا للخزانة في عهد كلنتون ورئيسا لجامعة هارفارد, ومن ثم كبير مستشاري أوباما الاقتصاديين. أما كروجمان فقد فضل البقاء في عالم الأفكار, كـ##أكاديمي غير مسئول## كما يقول شبه مازح, مدرسا في جامعات ييل ومعهد مساشوسيتس للتكنولوجيا وستانفورد وبرينستون. عام 1999, كاد أن يرفض فرصة غير اعتيادية ليصبح كاتب مقالات الرأي الاقتصادية في صحيفة نيويورك تايمز. فقد خشي أن يضيع فرصته بالفوز بجائزة نوبل إن أصبح مجرد مروج للأفكار.
في أكتوبر الماضي, فاز بجائزة نوبل. معظم علماء الاقتصاد الذين أجرت نيوزويك مقابلة معهم أجمعوا علي أنه يستحقها عن جدارة بفضل عمله الريادي علي موضوع التجارة العالمية, واكتشافه أن النظريات التقليدية المتعلقة بالأفضلية النسبية بين الدول غالبا ما لا تنطبق عمليا. كان يوشك علي أخذ دش في فندق عندما رن هاتفه المحمول ليتم إبلاغه بأنه حقق الهدف الذي كان يطمح إليه في حياته. في البداية, ظن أن المخابرة قد تكون مزحة. ردة فعل زوجته روبن, حالما زالت الحماسة الأولية, كانت: ##بول, لا وقت لديك لهذا##. إنه بالتأكيد منشغل إلي حد الجنون, يكتب مقالين أسبوعيا, ويدرس مقررين ولايزال يؤلف الكتب, آخر كتبه هو The Return of Depression Economics and the Crisis of 8002 (عودة علم اقتصاد الركود وأزمة 2008). وهو يكتب في مدونته الإلكترونية ست مرات يوميا. صباح الخميس الماضي, كان فرحا للغاية لأنه تمكن من دحض ادعاءات أحد كاتبي المدونات الإلكترونية بأن كينز لم يستعن كثيرا بعلم الرياضيات في أعماله.
خلال صفه في ذلك اليوم, ناقش موضوع صرف العملات العالمية مع مجموعة من الطلاب الجامعيين, وكان لطيفا وشارد الذهن وساهيا بعض الشيء, يطلق من حين لآخر دعابات لاذعة (عن التجارة مع الصين: ##يعطوننا منتجات سامة, ونعطيهم سندات عديمة القيمة##). يقول إنه ينوي التخفيف من عمله التعليمي, ويري زملاؤه أنه بلغ ذروة إنجازاته الأكاديمية وتخطاها. يقول زميله في جامعة برينستون وصديقه جين جروسمان: حياته المهنية الأكاديمية وصلت إلي ذروتها عندما فاز بالجائزة. لم يعد يركز كثيرا علي الأبحاث الأكاديمية. لديه حياة مهنية عامة الآن. وهو يعتبرها مهنته الأساسية الآن, كمفكر عام.
لقد بات لديه أعداء بين علماء الاقتصاد. يقول دانيال كلاين, أستاذ علم الاقتصاد في جامعة جورج ميسون: ##لقد ازدادت تصريحاته العلنية والكثير مما يقوله خاطئ وغير مدروس##. أحد أساتذته منذ فترة بعيدة, وهو روبرت سولو الحائز علي جائزة نوبل والأستاذ في معهد مساشوسيتس للتكنولوجيا, الذي درس كروجمان عندما كان طالب دراسات عليا, يتذكر أنه كان ##خجولا ومهذبا. أحد الأمور التي لا يزال يتمتع بها هي ابتسامة ترتسم علي وجهه عندما يتكلم, وكأنه ينظر إلي نفسه ويفكر: ماذا أفعل هنا؟## لكن سولو أضاف: ##عندما بدأ يكتب عموده, تغيرت شخصيته لتلائم كتاباته##.
الحياة الأكاديمية, المعززة بالأجور التي حصل عليها لقاء كتبه ومحاضراته, كانت مربحة ومريحة. كروجمان وروبن (زوجته الثانية ولا أولاد له) يعيشان في منزل جميل مبني حسب الطلب من الخشب والحجر والزجاج بالقرب من جدول مياه في برينستون الهادئة. أشار كروجمان إلي أنه علي خلاف بعض الفائزين السابقين بجائزة نوبل, لم يطالب بموقع أفضل لركن سيارته في حرم الجامعة. (لم يكن يمزح).
بدأ بالعمل لصحيفة نيويورك تايمز قبيل انتخاب بوش عام 2000, وسرعان ما بدأ يكتب عن السياسة والأمن القومي فضلا عن الاقتصاد, متهجما بشدة علي إدارة بوش لغزوها العراق,قال له أحدهم في الصحيفة -رفض كروجمان أن يفصح عن هويته- أن يخفف من حدة كلامه ويلتزم بالموضوعات التي يلم بها. يقول: ##لقد تسببت لهم بالقلق##. عام 2005, كتب دانيال أوكرانت المحقق في الشكاوي في صحيفة نيويورك تايمز: ##لدي كاتب المقالات بول كروجمان عادة مزعجة, فهو يقولب ويقتطع ويقتبس الأرقام انتقائيا بطريقة ترضي المعجبين به لكنها تعرضه لهجمات كثيرة##. ويقول كروجمان إن أوكرنت ##استسلم## لانتقادات أصحاب الأيديولوجية المحافظة الذين كانوا يسعون للقضاء عليه. (يقول أوكرنت: ##حاولت أن أكون منصفا. لكن عندما كان أحدهم يتحدي كروجمان بشأن الوقائع, كان يركز علي دوافع المتحدي ويتجاهل الجوهر). صحيح أنه خلال عهد بوش, كان كروجمان هدفا للمتشددين وغريبي الأطوار, لكن من الصحيح أيضا أنه في المسائل التي تقع خارج نطاق خبرته, كانت معلوماته خاطئة أحيانا (تحسن عمله أخيرا). كروجمان لا يندم علي تهجمه علي بوش, قائلا: عام 2001, كنت محقا أكثر من أي ناقد آخر.
من الناحية الأيديولوجية, كروجمان ديموقراطي اشتراكي أوروبي. ونشأ علي تقديس الخطة الاقتصادية الجديدة [التي أطلقها الرئيس روزفلت]. يقول: لست ممتلئا بالتعاطف البشري. بالنسبة إلي, الأمر فكري. ولا أؤمن بأن الأنانية أمر جيد دائما. هذا لا يتلاءم مع طريقة عمل العالم. كروجمان شديد الاهتمام بمسألة تنامي الهوة بين الأغنياء والفقراء. الأسبوع الماضي, أسرع إلي واشنطن للإدلاء بشهادة عن الموضوع أمام لجنة تخصيص الأموال في مجلس النواب. في انتخابات عام 2008, كان كروجمان يميل في البداية لتأييد جون إدواردز الشعبوي, ومن ثم هيلاري كلنتون. يشرح ذلك بالقول: ##قدم أوباما خطة ضعيفة لإصلاح نظام العناية الصحية, وكان يركز علي تخطي السياسات الحزبية, وهو أمر ينم عن سذاجة برأيي##.
يثني كروجمان عموما علي جهود أوباما لفرض المزيد من الضرائب علي الأغنياء في مشروع موازنته ومحاولة إجراء إصلاحات ضخمة في نظام العناية الصحية. في مسألة النظام المالي الشديدة الأهمية, يقول إنه لم يفقد الأمل من أن يدرك البيت الأبيض أهمية نظرياته -بأن علي الحكومة أن تضمن كل ديون البنوك في البلد وأن تؤمم البنوك الكبيرة التي أصبحت علي شفير الهاوية- وأن تفعل ذلك بسرعة. يقول كروجمان: عامة الشعب تريد الوثوق بأوباما. فالأزمة لا تزال تعتبر متأتية من بوش. لكن إن تأخروا, فسيلام أوباما إلي حد كبير علي المشكلة.
المسؤولون في إدارة أوباما يستخفون بأقوال كروجمان, مع أنهم لا يفعلون ذلك بشكل علني. وشدد أحد المسئولين علي أنه يمكن للنقاد أن يكونوا محقين بنسبة 60 بالمائة, وألا يترددوا في الإعراب عن رأيهم. لا شيء يخسرونه سوي القراء, ومعجبو كروجمان الكثر غالبا ما يسامحونه علي أخطائه. لا يمكن للحكومة أن تسمح لنفسها بأن تخطئ. إن أخطأ أوباما في حساباته, قد يتسبب بانهيار البورصة, ويدفع الاقتصاد نحو الكساد. اقتراح كروجمان أن تستولي الحكومة علي القطاع المصرفي أمر غير عملي علي الإطلاق, كما يقول مساعدو أوباما. يشير كروجمان إلي السويد كمثال, حيث تم تأميم البنوك في تسعينيات القرن الماضي. لكن حجم السويد صغير جدا. فالولايات المتحدة التي تضم 8000 بنك, تتمتع بنظام مالي أكثر تعقيدا بكثير. فضلا عن ذلك, فإن الحكومة الفيدرالية تفتقر إلي القوة العاملة أو الموارد الكافية لإدارة النظام المصرفي.
يقلل كروجمان من أهمية هذه الجدالات, مع أنه يعترف بأنه رجل ##لا يركز علي التفاصيل##. إنه يعتقد أنه يخوض معركة فلسفية ضد الأثرياء النافذين والمصرفيين. مع أنه يعتقد أن جايتنر أصبح أسيرا لـ وول ستريت, فهو لا يزال لديه بعض الأمل فيما يتعلق بسامرز. يقول: ##لدي قناعة كبيرة بأنه لو كان لاري خارج النظام وأنا داخله, لتبادلنا الأدوار##, مضيفا: ##ربما ليس بالكامل. فلاري أكثر إيمانا بالأسواق. أنا أحبذ التدخل أكثر##.
الأسبوع الماضي, حاول كروجمان وسامرز التحدث هاتفيا بلا جدوي. يقول كروجمان: ##هذا لا يعني الكثير بالضرورة. فأحدنا يعرف الآخر طوال حياتنا الراشدة##. سامرز هو الذي بادر إلي الاتصال. ويعتقد كروجمان أنه كان يريد التكلم معه بشأن خطة الإدارة. في مقال يوم الجمعة, تهجم كروجمان علي سامرز بشكل مباشر لإيمانه بالأسواق, مع أنه أثني علي مضض علي إدارة أوباما لمطالبتها بفرض قوانين تنظيمية شاملة علي القطاع المالي. يعتقد كروجمان أن أوباما بحاجة إلي ##رجل حكيم## لتقديم المشورة إليه, ويشير إلي بول فولكر, حاكم بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق الذي سيطر علي التضخم في عهد ريجان ويترأس الآن لجنة استشارية تعمل لمصلحة أوباما. لماذا لا يلعب كروجمان نفسه هذا الدور؟ يجيب مسترخيا في مكتبه المليء بالرسائل غير المفتوحة في جامعة برينستون: ##أنا لست من الذين يبقون في الكواليس##. ويصف نفسه بأنه ##متشائم بالفطرة## و##متمرد بطبيعته##. لكنه يضيف: ##ما أملكه هو صوتي##. وهو محق في ذلك.
بمشاركة بات وينجرت, ودانييل ستون,
ومايكل هيرش, ودينا فاين مارون
نيوزويك