في ظل الأزمة الراهنة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط بعد قيام إسرائيل بتوجيه ضربة لقطاع غزة لضرب الجناح العسكري لحركة حماس, وانفجار ردود الأفعال من الغضب الشعبي في الشارع المصري والمزايدة العربية علي دور مصر وتبني إيران وحزب الله دور إشعال الموقف والتهاب منطقة الحدود المصرية الإسرائيلية.. كان لوطني هذا الحوار الصريح مع الدكتور عماد جاد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ورئيس تحرير مجلة مختارات إسرائيلية.
ما أسباب إشعال هذه الحرب ومن المسئول عن تفجيرها؟,البداية تبدأ من تاريخ توقيع الهدنة والتوصل لتفاهم مشترك في اتفاق التهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية وعلي رأسها حركة حماس في 19 يونية 2008 والتهدئة كانت تنص علي وقف الأعمال العسكرية المتبادلة لمدة ستة شهور مع رفع تدريجي للحصار وفتح المعابر, لكن خلال فترة التهدئة حدثت مناوشات واشتكي كل طرف من الطرف الآخر ,حيث قالت إسرائيل إن حماس استغلت التهدئة في الحصول علي مزيد من المتفجرات وتهريب الأسلحة, وبات قطاع غزة ترسانة للسلاح في حين ردت حماس بأن إسرائيل تمتعت بهدوء وأمان ولم ترفع الحصار أو تقوم بفتح المعابر وبالتالي قبل انتهاء فترة التهدئة بشهر أعلنت حماس من جانبها أنها لن تجدد التهدنة إلا بشروط جديدة والتي ما أن انتهت فجر الجمعة 19 ديسمبر ولم تكد تمضي إلا بضع ساعات حتي بدأت حماس في إطلاق الصواريخ علي مدن الجنوب الإسرائيلي والقيادة الإسرائيلية كانت تستعد لهذا العمل لأنها أدركت خطورة السلاح في القطاع ولم تنس ما حدث في صيف 2006 في المواجهة مع حزب الله في جنوب لبنان وما تركه من آثار سيئة علي هيبة الجيش الإسرائيلي, بالإضافة إلي أن هناك انتخابات تشريعية إسرائيلية مبكرة سوف تجري في 10 فبراير المقبل والقيادة السياسية للأحزاب خاصة حزبي العمل وكاديما والقيادة العسكرية للجيش كانت لهم مصلحة في تعديل الصورة التي انتهت عليها الحرب مع حزب الله, فكانت الفرصة سانحة لتغيير هذه الصورة في عمليةالرصاص المدقاقالتي قامت إسرائيل بالإعداد لها جيدا ليراها العالم في موقف الدفاع عن النفس,حيث ظلت تتلقي الصواريخ التي تطلقها حماس علي أراضيها لمدة ثمانية أيام حتي 27 ديسمبر ثم قامت بغارتها الجوية علي القطاع بعد أن نشرت في العالم كله تصريحاتها الإعلامية بأنهالاترغب في إراقة الدماءولابد أن تتوقف حماس عن إطلاق هذه الصواريخ وللأسف يبدو أن هذه اللغة التي استخدمتها إسرائيل جعلت البعض وعلي رأسهمحماسيعتقدون أن إسرائيل ترتعب خوفا من هذه الصواريخ التي لاقيمة لها من الناحية العسكرية وأنها لن تقوم بالرد العسكري, ومن هنا دفع الشعب الفلسطيني الثمن بسبب التصرفات غير المحسوبة التي قامت بها حركة حماس وجرت بها غزة لحالة دمار وسفك دماء بعد أن رفضت الجهود المصرية لتجديد التهدئة في الوقت الذي أرسلت فيه إسرائيل جلعاد عاموس للقاهرة لبحث سبل تجديد التهدئة.
هل تهدف إسرائيل لإسقاط حماس بعد فشلها في تقليص قدراتها بالحصار؟
بالطبع إسرائيل لاتستهدف الإطاحة بحماس أو إسقاطها بل تسعي لتقليص حجمها العسكري لأن وجود حركة حماس الإسلامية في قطاع غزة يعمل لصالح السياسة الإسرائيلية لأنه يعني استمرار الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني, وحماس من الغباء السياسي للحد الذي تنزلق فيه لخدمة تنفيذ الاستراتيجية الإسرائيلية, فحماس تركز هجومها علي مصر بدلا من إسرائيل وتعمل مع المحور السوري الإيراني القطري علي تشويه صورة مصر ودورها وسياساتها, ومنذ بداية خروج المبادرة المصرية أعلنت حركة حماس التحفظ عليها وعدم قبولها واتهمت مصر بأنها تسعي لتطويق المقاومة والعمل لصالح العدو, لذا ليس من مصلحة إسرائيل القضاء علي حماس التي تمثل قوة معوقة للوحدة سواء علي المستوي الفلسطيني أو العربي.
0 ماذا تريد إسرائيل تحقيقه من أهداف لهذه الضربة الجوية البرية البحرية؟
أهداف إسرائيل من هذه الضربة تتلخص في تقليص قدرات حماس العسكرية عن طريق وقف إطلاق الصواريخ,وتدمير منافذ السلاح,والترتيب للدخول في الانتخابات الإسرائيلية التشريعية القادمة في وضع أفضل لأن استمرار إطلاق الصواريخ علي إسرائيل سيصب في مصلحة اليمين المتمثل في بنيامين نتانياهو وليس في مصلحة حزبي كاديمارئيسه السابق إيهود أولمرت ,والحالي تسيبي ليفنيوحزب العملممثلا في وزير الدفاع إيهود باراكوقائد الجيشجابي اشكنازيلأنه من مصلحتهم إعادة الإعلان عن أنفسهم بصورة ذهنية عسكرية جديدة بعد الإنتكاسة مع حزب الله في لبنان عام .2006
صرح خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بأن إسرائيل فشلت في تحقيق أي من أهدافها في غزة حتي الآن, وأن حماس سوف تحقق نصرا قريبا عليها.
هذه مجرد تصريحات دعائية من قادة حماس لاتعبر عن الواقع الحقيقي لسير العمليات العسكرية أو لحجم الخسائر الفادحة التي وقعت في القطاع, وهي تصريحات عادة ما تستخدم لشحن الرأي العام والتصدي للحرب الإعلامية المضادة.
هل قيام إسرائيل بتوجيه ضربات عشوائية تستهدف المدنيين إشارة إلي ضعف جهازها في رصد معاقل حماس أم أنها تسعي إلي زيادة الغضب الشعبي علي حماس بغرض إضعافها؟
لا ليس هذا دليل علي ضعف جهاز المخابرات الإسرائيلية أو استهداف إسرائيل للمدنيين بهدف تأليب الرأي العام علي حماس, هذا تكتيك سبق ولجأ إليه حزب الله ونجح فيه وهو وضع منصات إطلاق الصواريخ في المناطق المدنية والسكنية وإطلاق الصواريخ من علي أسطح المنازل بل ومن علي أسطح المساجد أيضا. لهذا السبب يتحدث الإعلام عن قصف عدد من المساجد وهذا ليس بسبب أنها حرب دينية علي الإسلام بقدر استهداف إسرائيل لمنصات الصواريخ أينما كانت. وكان حزب الله قد نجح في ذلك في عام 2006 عندما قام بوضع منصات لإطلاق الصواريخ في مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة وقامت إسرائيل بالرد علي مصدر النيران فقامت بضرب المدرسة وكانت مجزرة بشعة هزت الرأي العام العالمي وأجبرت إسرائيل علي وقف العدوان, وهذا ما تسعي حماس لتكراره دون النظر لعواقب تلك التصرفات غير المسئولة والتي أدت لمقتل العشرات من المدنيين الأبرياء والأطفال والنساء.
0 ما تقييمك للإعلام المصري الذي يقوم بالتركيز علي المجازر الإسرائيلية وتمجيد حماس رغم استغلالها لمناطق للمدنيين وتعريضهم للخطر؟
هناك مشكلة في الإعلام المصري حيث يقوده الشارع بدلا من أن يقود هو الشارع ,هذا الإعلام من المفترض أن يتصدي لتوضيح كل التداعيات بشكل حيادي لكنه فشل في شرح الموقف المصري الرسمي واكتفي بدغدغة مشاعر الجماهير وإثارة السخط علي سياسة الدولة الخارجية حتي وصل الأمر لرفع الأحذية في برلمان الشعب…الإعلام يرتكب جريمة في حق مصر وجاء الوقت لتغيير جذري لهذا الإعلام وتبني رؤية شاملة في التعامل مع مثل هذه القضايا.
0 ما مصلحة إيران في إلقاء اللوم علي مصر؟
الموقف واضح منذ الثورة الإيرانية عام 1979 حيث تعتبر القوي العالمية مصر القوة الإقليمية الوحيدة التي يمكنها أن تقف أمام إيران وأمام طموحاتها لتصدير الثورة الدينية في المنطقة ,لذلك تسعي إيران للإساءة إلي مصر, وسعت مؤخرا لتأليب الجماهير علي النظام المصري في أحداث غزة رغم أن إيران لم تفعل شيئا للفلسطينيين بل هي سبب الانقسام داخل الأراضي المحتلة, وبالتالي هناك جمود في العلاقات المصرية الإيرانية منذ فترة, فإيران تسعي لإخضاع المنطقة لسيطرتها وتري أن الدولة التي تحول دون تنفيذ مشروعها هي مصر لذا تركز كل الأسلحة لكسر الريادة المصرية ولا أستبعد أن ما يحدث من شن هجوم علي السياسية المصرية الخارجية وتردد ذلك في دمشق وجنوب لبنان والسودان واليمن وقطر يسير علي النغمة الإيرانية وبالتالي إيران فرضت كيانها علي دول المنطقة بالفعل.
ما الدلالة في تصريحات حسن نصر الله بإلقاء المسئولية علي مصر وتأليب الشارع؟
حزب الله صناعة إيرانية وتصريحات حسن نصر الله لاتخرج عن السياسية الإ يرانية التي أعطت الوكالة لحزب الله في المنطقة وعندما حدثت الحرب عام 2006 في جنوب لبنان مع إسرائيل كان واضحا أنها حرب إيرانية وليست لبنانية ورغم ذلك بات الرأي العام المصري مرحبا بكل ما هو ضد الغرب وضد إسرائيل لدرجة أنه لايري التفاصيل ويؤيد نصر الله لأنه يحارب العدو الصهيوني بغض النظر عن عمالته لإيران لدرجة أن الصحف المصرية قامت بتوزيع صورته وصنعت منه البطل العربي وأنه سيد المقاومة. وبناء علي هذا التمجيد في نصر اللهصدق نفسهأنه القائد العربي لذا خرج بتصريحات بمخاطبة الشعب المصري بالثورة والقوات المسلحة بالانقلاب النظام والقتال في غزة رغم أنه لايبعد عن قطاع غزة سوي بمسافة 40كم ولم يفعل شيئا وهو لايدرك سيكولوجية الشعب المصري الذي لايقبل مثل هذا النوع من التحريض وكان يجب أن يأتي هذا اليوم الذي ينكشف فيه حسن نصر الله ويظهر الوجه الحقيقي له ويسقط قناعه الذي تظهر وراءه إيران.
بعد توجيه ضربة لحزب الله عام 2006 والآن لحماس هل تري أن هذه الضربات إضعاف من قوة الإسلاميين والجماعات الراديكالية في المنطقة العربية؟
ما قامت به حركة حماس الإسلامية كشف حقيقة لايمكن إنكارها ويجب أن تثبت في عقول الشعب العربي والأنظمة العربية وهي أن وصول الحركات الإسلامية لصناعة القرار أو للحكم دائما ما يجلب الدمار وسفك الدماء ويؤدي إلي الحرب والفوضي, وما تقوم به حماس ضد إسرائيل حقيقته أنه ضد الشعب الفلسطيني وذلك يؤكد خطورة وصول السلفيين لصناعة القرار ومحاولتهم الإتجار بالدين ولذا يجب التنبيه لخطورة محاولة الإخوان في مصر تأليب الرأي العام ضد النظام أو استخدام الأحداث الراهنة لمصلحتهم.
0هل ستنجح إسرائيل في إسقاط حماس وتدمير جناحها العسكري وما يترتب علي ذلك من إقامة انتخابات فلسطينية جديدة؟
هذا غير متوقع لأن حماس لن تسقط ولكن قدراتها العسكرية تقلصت بالفعل. والدرس هنا للرأي العام الفلسطيني, فالشعب يدفع ثمن انتخاب حماس ووصولها للسلطة في حين علي الجانب المقابل نجد الضفة الغربية في رام الله التي تخضع للسلطة الوطنية ورغم أنها تخضع للاحتلال الإسرائيلي إلا أن المواطنين في أمان ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي بينما في غزة حيث سيطرت حركة حماس ورغم تحرير القطاع إلا أن الخراب والدمار حل علي سكان القطاع بسبب سياسات حماس الخاطئة وغير المدروسة وهذا يوضح الفرق ما بين خط أبو مازن وخط حماس ولذا من المتوقع علي المدي الطويل سقوط حماس في أقرب انتخابات يتم أجراؤها.
0 هل تعتقد أن الحرب ستستمر لفترة أطول أم ستكتفي إسرائيل بذلك خوفا من وقوع خسائر بشرية بين قواتها؟
اعتقد أن الحد الأقصي للحرب يقترب لأن إسرائيل حققت كثيرا من أهدافها ويظهر هذا من خلال المؤشرات المتاحة الآن ونجحت إسرائيل في دخول المدن دون خسائر ولكنها لاتستطيع الاستمرار في حرب برية واسعة.
0 هل هناك احتمال أن تقوم إسرائيل بإعادة احتلال قطاع غزة مرة أخري لمنع تهريب السلاح, وماذا عن توقعك لسيناريو المنطقة مستقبلا؟
لا أعتقد ذلك لأن إسرائيل تنتظر الترتيبات للخروج من قطاع غزة ويمكن أن تتواجد علي بعض المحاور ولكنها لايمكن نشر قواتها مرة أخري في القطاع لأنها لا ترغب توسيع حربها أو تعريض جنودها لمخاطر جديدة. أما عن شكل المنطقة في المستقبل فإنه يتوقف علي الطريقة التي ستنتهي بها هذه الحرب وعلي استعدادات إدارة الرئيس الأمريكي الجديد أوباما وتعامله مع ملف الشرق الأوسط والانتخابات الإسرائيلية القادمة وشكل الإدارة وعلاقاتها مع الإدارة الأمريكية الجديدة