عقدت اللجنة الثقافية بالكنيسة الإنجيلية بشارع أحمد عصمت بعين شمس ، مساء أمس الجمعة الموافق 14 أغسطس 2015 ، ندوة تحت عنوان (العلمانية والإلحاد) وماذا يعنى مصطلح علمانية وهل له علاقة بالالحاد وما انعكاس هذا على الكنيسة وهل هناك علاقة بين العلمانية وحقوق الانسان والمواطنة والمظالم التى يتعرض لها المسيحيون .
تحدث في اللقاء القس رفعت فكري سعيد رئيس مجلس الإعلام والنشر بالكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر وراعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا مصر ، والمهندس ثروت صموئيل مدير تحرير جريدة الطريق وادار الندوة الاستاذ رفعت عوض اللة موجة اللغة الانجليزية والمسئول عن اللجنة الثقافية بالكنيسة .
فى البداية اعطيت الكلمة للقس رفعت فكرى حيث قال : أن العَلمانية ليست كفراً والسؤال الذي يفرض نفسه هنا, هل العلمانية حقاً تتعارض مع الدين؟ وهل العلمانية تعني الكفر والإلحاد ؟؟ ، وعلى هذا السؤال نستشهد بقول الدكتور خالد منتصر “العلمانية ليست الإلحاد لسبب بسيط وهو أن العلمانية ليست ديناً أو عقيدة ولكنها آلية ومنهج تعامل دولة مع السياسة والاقتصاد والحكم والتعليم…إلخ، العلمانية ليست ضد الدين بل هى ضد تحكم وتدخل رجال الدين فى الحكم، بل على العكس لا توجد حماية حقيقية للأديان إلا فى الدول العلمانية، الدولة الدينية تحمى ديناً واحداً وتضطهد الآخرين ، أما الدولة العلمانية فهى تحمى كل الأديان وتقف على مسافة واحدة منهم، العلمانية ليست ضد الدين ولا تحتقره ولكنها ضد من يحتكره ويدعى أن لديه التفسير الوحيد والتوكيل الحصرى” .
ومن يقرأ التاريخ المصري بموضوعية سيجد إن مصر الفرعونية كانت رائدة العلمانية منذ فجر التاريخ, فمصر كانت مليئة بالمئات من الآلهه، وكان لكل قرية ولكل إقليم الإله الخاص به تحت رعاية الإله الواحد للدولة المركزية ( آمون ), ثم تم دمجه فيما بعد مع الإله ( رع )، ولم يحدث في التاريخ المصري أن نشبت أية معارك بين أنصار كل هذه الآلهة .
إن مٌفَجر العَلمانية- بفتح العين- هو العالم الفلكي البولندي نيقولا كوبرنيكس (١٤٧٣- ١٥٤٣م) عندما أعلن أن الأرض تدور حول الشمس، ومن ثم لم تعد مركزاً للكون، وبالتالى لم يعد الإنسان مركزاَ للكون، الأمر الذي ترتب عليه عدم إمكان الإنسان امتلاك الحقيقة المطلقة، ومن هنا جاء تعريف الدكتور مراد وهبه للعَلمانية بأنها “التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق”، فالعَلمانية تعنى العَالَم المتزمن بالزمان، ومن هذه الزاوية تقال العَلمانية على العالم الزمانى والنسبى، ويؤكد وهبة ، أن العَلمانية ليست هى فصل الدين عن نظام الحكم، لأن هذا الفصل معلول للعلمانية التى هى العلة فى هذا الفصل، ومعنى ذلك أنه عندما يكون أسلوب تفكيرك علمانيًا يكون فى إمكانك قبول فصل الدين عن نظام الحكم وعكس ذلك ليس بالصحيح، ومن هنا فالعَلمانية هي: أسلوب فى التفكير قبل أن تكون أسلوبًا فى السياسة, وفي القرن السابع عشر تأسست نظرية العقد الاجتماعي عند الفيلسوف الإنجليزى جون لوك (١٦٣٢- ١٧٠٤)، وموجز النظرية أن المجتمع من صنع الإنسان، ومن ثم ينتفي مبدأ الحق الإلهى للملوك، أى أنه ليس من حق الملك الزعم بأن سلطانه مستمد من سلطان الله، إذ هو مستمد من سلطان الشعب، ولابد من تكوين مجتمع بـ«عقد اجتماعى» ينص على «موافقة» البشر على التنازل عن بعض حقوقهم لحاكم يأتى بإرادتهم فى مقابل أن يحقق لهم الأمن والأمان، ويستلزم ذلك أن يكون سلطان الحاكم سلطاناً نسبياً وليس سلطاناً مطلقاً، ويستلزم ذلك أيضاً أن المفاهيم المترتبة على العقد الاجتماعى تكون مفاهيم نسبية بالضرورة، ويأتى فى مقدمة هذه المفاهيم مفهوم التسامح، وقد حرر لوك «رسالة فى التسامح» نشرها فى عام ١٦٨٩م، وورد في هذه الرسالة أربع عبارات هامة هى: «ليس من حق أحد أن يقتحم، باسم الدين، الحقوق المدنية والأمور الدنيوية»، «فن الحكم ينبغى ألا يحمل فى طياته أية معرفة عن الدين الحق»، «خلاص النفوس من شأن الله وحده»، «الله لم يفوض أحداً فى أن يفرض على أى إنسان ديناً معيناً». ما مغزى هذه العبارات؟ إن مغزى هذه العبارات عند لوك، أن التسامح يستلزم ألا يكون للدولة دين حتى لو كان هذا الدين، من بين الأديان الأخرى هو دين الأغلبية لأنه لو حدث عكس ذلك، أى لو كان للدولة دين الأغلبية فتكون هذه الأغلبية طاغية بحكم طبيعة الدين، وعندئذ يمتنع التسامح بحكم أنه نسبى لأنه من إفراز العقد الاجتماعى المؤسس على العَلمانية.
وتسائل القس رفعت ألم يحن الوقت لتحرير مصطلح “العَلمانية” من التشويه المتعمد الذي ألحقه به الأصوليون والمتطرفون؟ إن العَلمانية لا تعني الإلحاد, ولكنها تعني الإيمان بالحرية والعدل والمساواة وحقوق الإنسان ، فلا وجود لدولة وطنية بدون عَلمانية ولا حرية بدون عَلمانية ولا ديمقراطية حقيقية بدون عَلمانية ولا حقوق إنسان بدون عَلمانية ولا حداثة بدون عَلمانية ولا تقدم بدون عَلمانية ، العَلمانية هي الحل .
وبعد الانتهاء من كلمة القس رفعت اعطيت الكلمة للمهندس ثروت صموئيل والذى تكلم فى البداية عن ثلاثة نقاط يخشاها المتدينون من العلمانية والتى ترجع الى اخطاء العلمانيين انفسهم والربط بين العلمانية والالحاد والكفر ، والاعتقاد بأن العلمانية ستؤدي إلى انهيار الدين ، وعن أخطاء العلمانيين قال : اولا – تحول العَلمانية إلى إيديولوجيا، أي إلى عقيدة فئة بعينها من الفئات الاجتماعية، وبالتالي صارت العلمانية دوجما ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، لا تحتمل النقاش ولا الجدال.
ثانيا – تعارُض مصالح تأمين نفوذ هذه الجماعة واستقرارها مع مصالح التحرر واضطرارها، في سبيل الاحتفاظ بمكاسبها، المادية والمعنوية، إلى خيانة القيم والمبادئ العَلمانية نفسها. معركة العلمانية هي الحرية فإذا تصالحت مع السلطة الاستبدادية فقدت مصاقيتها.
ثالثا – ربط العَلمانية بالعلم، هكذا أصبحت العَلمانية مساويةً للاَّدينية ورايةً يجتمع تحتها كل كاره للدين أو داعية إلى التجرد من تراثه والتحرر منه.
رابعا – الطابع الممل للخطاب العَلماني وما يتميز به من الجمود والثبات وتكرار الصيغ والعبارات والشعارات نفسها منذ نصف قرن.
وهكذا تغيَّر دور العَلمانية، فبعد أن كانت مبدأ جامعًا يقرِّب بين مختلفين، بدعوة الجميع إلى الارتفاع عن خلافاتهم العقائدية للاتفاق على شروط ممارسة هذه العقائد جميعًا في حرية ، وبالتالي، بالعكس، أداة للتمييز والفصل بين جماعتين: جماعة المتدينين وجماعة المتحررين من الدين .
وتسائل المهندس ثروت هل ستؤدي العلمانية إلى انهيار الدين ؟ ، فقال : يخطئ من يظن أن العلمانية هي نقيض الدين، ففي حقيقة الأمر ان العلمانية تعلي من شأن القيم الدينية، وتقوم علي احترام الدين وعدم تلويثه بالسياسة، وتحول دون تحويل الصراع السياسي إلي صراع ديني، الدين المرفوض هو الدين السياسي ، ولا يجب أن نقارن انتشار المسيحية بالقرن التاسع عشر فهو حالة استثنائية نتيجة النهضات والإصلاح الديني.
وأكد ان نسبة التدين الحالية رغم انتشار العلمانية وموجات الإلحاد تماثل نسبة التدين في العصور الوسطى ، وأن المسيحية لم ينته دورها ولن ينتهي فقد نجحت حتى اليوم في كل السياقات التي دخلتها ، وأنّ ما يجري اليوم في الغرب ليس احتضارًا للدين، بل هو تحول للمسيحية من ديانة تقليدية مثقلة بالطقوس ومحروسة من قبل كنيسة متسلطة وجبارة، إلى ديانة أخلاق. المجتمع الغربي علمي وتقني، لكنّه مسيحي من الناحية الأخلاقية .
وأخيرًا يبدو أن المجتمع الغربي وصل إلى حالة تحدد فيها بوضوح مجال العلم ومجال الدين، من الواضح أنّ تفسير أحداث العالم، سواء أكانت طبيعية أم إنسانية، لا يحتاج إلى أي مبدأ ديني ، ومن البين أنّ القضايا والتساؤلات الأخلاقية تقع بعيدًا عن متناول العلم، والعلم أعجز من أن يبني نسقًا للأخلاق. تقدم العلم إذن لا يتناسب عكسيًّا مع أفول الدين. لا عداء بين الإثنين، بل إنّهما بالأحرى يشكلان معا هوية الغرب المعاصر .
وعن انسجام عمق اللاهوت المسيحي مع العلمانية اوضح المهندس ثروت ان السيد المسيح وصل الإنسان بالدين دون المرور بالدولة. وحدد التبشير الرسولي وجعل التبشير لا القوة، طريقاً لنشر المسيحية.(حرية العقيدة، دون اجبار) ، وان المسيح فصل الدين عن الدولة ، كما ميّز بين الروح والجسد حيث قال السيد المسيح لرؤساء الدين: “اعطوا ما لقيصر لقيصر ولله ما لله”، وقال لقيادة سياسية بيلاطس (ملحدة): “مملكتي ليست من هذا العالم” .
وبعد كلمة المهندس ثروت أفتتح باب المناقشة حيث تقدم كثير من الحضور بالتعقيب والسؤال والمناقشة وطرح البعض فكرتهم عن العلمانية وكيف استفادو من الندوة فى ايضاح لبعض الافكار المشوشة لديهم وتمنى البعض الاخر الاكثار من مثل هذه الندوات التثقيفية وامتدح البعض دور الكنيسة فى مناقشة مثل هذة الامور وسط المجتمع الكنسى ودور الكنيسة السباق فى النهوض بالمجتمع والانفتاح على الافكار البناءة والجديدة .
أختتم الندوة الاستاذ رفعت عوض الله مؤكداً أن اول أسس العلمانية هى احتوائنا لبعض وعدم الحكر على اراء الاخرين واتساع الصدر للرأى والرأى الاخر وشكر الجمع من الحضور والسادة الضيوف من كل الاطياف وشكر ايضا السادة المتكلمين لتعب محبتهم وحرصهم على التواجد والمشاركة .