مصر هى رائدة الصناعات الحرفية منذ أقدم العهود ولعل الشاهد على ذلك كم الآثار الهائلة التى خلفها لنا المصرى القديم من أهرامات وتماثيل غاية فى الإتقان، وبالنظر لأحوال هؤلاء العمال المهرة يتضح أنه كان لهم تجمعات سكنية خاصة قريبة من أماكن عملهم مثلت مدن عالمية اكتشف ثلاثة منها تم بناؤها منذ خمسة الاف عام .. ومع تعاقب مراحل التاريخ عرفت الحركة العمالية فى مصر نظام الطوائف حيث كان يرأس كل طائفة شيخاً يضمن لهم الإحتفاظ بحقوقهم كاملة..
ومع تقدم النظام الميكانيكى لم يستطع النظام الفئوى للعمال التلاؤم والتعايش ، فكان لابد من وجود نظام نقابى متمشياً مع روح العصر والنظام الإقتصادى الجديد.
ومن هنا انطلقت الشرارة الأولى لكفاح العمال فى 1899 بعد أن أستعان بهم أصحاب رؤوس الأموال الأجانب فى صناعة السجائر وفرقوا بينهم وبين العمال الأجانب فى الأجور وساعات العمل والمعاملة والكثير من المميزات اتى كان العامل المصرى محروماً منها.. فقرروا التجمع وفكروا فى حالهم وبدأوا الإعتصام حتى تجاب مطالبهم وطافوا المدينة والوزارات حاملين أعلاماً مكتوب عليها مطالبهم وأسباب إضرابهم.. وكانت الجماهير تحييهم أينما ساروا بالهتاف والتصفيق داعين لهم ومشجعين .
وتعد هذه هى الحركة الأولى من نوعها لعمال مصر والتى بدأوا بها تاريخ جهادهم مما دفع العمال الأجانب على الإنضمام اليهم بحجة أن عمال العالم أخوة، وأتفقوا على تأليف نقابة تضمهم جميعاً فألفوا نقابة” عمال السجاير المختلطة فى 1902 .
وفى أوائل أغسطس عام 1908 قامت حركة إضراب عام بين عمال السجاير فى مصر مطالبين بتخفيض ساعات العمل وتحسين الأجور وغير ذلك من المطالب العادلة واطلقوا على نقابتهم اسم “النقابة العامة لعمال الدخان” فى اكتوبر 1908
وفى نفس العام قام عمال الترام بالإضراب العام ولم يكتف عمال الترام بالمظاهرات فقط بل كانوا يبيتون ليلاً على قضبان الترام فى الشوارع حتى لا تتمكن الشركة من تسيير قطارها ولم يلبث وأن أمتنع عمال شركات الاتوبيس والمترو عن العمل تضامنا مع زملائهم عمال الترام.
وكان لهذا العمل أثره فدخلت مطالبهم حيز التنفيذ غير أنه سرعان ما توقف التنفيذ من جانب الحكومة ويبدو أن هدفهم كان تهدئة الأوضاع فقط… وفى عام 1909 تأسست نقابة “عمال الصنائع اليدوية” التى انشأها عمر لطفى بمعاونة الزعيم الوطنى محمد فريد وضمت هذه النقابة عمالاَ من مختلف المهن وانشئت فروع للنقابة فى كل المحافظات وكان لكل فرع نادى خاص بها يرتاده العمال فى أوقات فراغهم.. كما أسست هذه النقابة شركة تعاونية عام 1911 وكانت شركة ناجحة جدًا أستفاد منها العمال كثيراً حتى جاءت الحرب العالمية الاولى عام 1914 وأعلنت الأحكام العرفية فى مصر وأغلقت النقابات والجمعيات ووقفت الحركة العمالية عند هذا الحد.
وبعد انتهاء الحرب عانى العمال المصريون جدًا وكان السبب هو عودة الصناعات الأجنبية إلى الأسواق المصرية وازدادت الالات فأخذ العمال يتنافسون فى البحث عن العمل الأمر الذى أستغله أصحاب الأعمال وخفضوا الأجور.
وفى عام 1919 قام العمال فى ظل الصحوة الفكرية بالمطالبة بحقوقهم وتأسيس نقابة وبالفعل عملت الحكومة حسابا لتلك الحركة المفعمة بالنشاط والحيوية فأصدرت قراراً وزارياً بتأليف لجنة للتوفيق بين العمال وأصحاب الأعمال وتعد هذه الخطوة هى الأولى من الحكومة فى طريق الإعتراف بالنقابة غير أن هذا الأمر لم يدم طويلاً وعادت الحكومة إلى تشتيت الحركة العمالية حتى تولى الأمير عباس حليم – المشهود له بالدفاع عن حقوق العمال حتى انه دخل السجن عدة مرات- رئاسة الحركة العمالية فى ديسمبر 1930وقام بافتتاح دار الإتحاد فى شارع فؤاد ثم قام بافتتاح فروع أخرى فى الإسكندرية ودمنهور وبنها وحلوان حتى ضم الإتحاد نحو 30 نقابة الأمر الذى آثار غضب الحكومة وقررت اغلاق الإتحاد فإضطر النبيل لعقد جلسات الاتحاد والنقابات فى سراياه.
وفى 21 يونية وقعت مصادمات بين العمال والحكومة أسفرت عن سقوط أول ضحية للحركة العمالية وهو “ابراهيم محمد احمد” كما اصيب اخرون والقى بالكثير فى السجون وعلى رأسهم النبيل عباس حليم وعند خروجه من السجن لم ييأس وأستكمل نشاطه فى مارس 1938 وقام بإعادة مجلس الأتحاد.
وتتويجًا لكل تلك الكفاحات صدر فى سبتمبر 1942 أول قانون نقابى للعمال وكانت النقابات فى ذلك الوقت نقابات للمنشأت حيث حرم القانون التنظيم النقابى للعاملين بالحكومة وعمال الزراعة وفى عام 1959 تم ألغاء نقابات المنشأت والأخذ بنظام النقابة العامة على مستوى الصناعة وهو النظام المعمول به حاليا.