(دير الأنبا صموئيل) دير القزاز أو دير السند
يقودنا التاريخ مرة أخري عزيزي القارئ إلي رحلة الجبال المقدسة التي تقف شاهدة علي أرض صعيد مصر معلنة أن هذه الأرض التي مال عليها الزمان وربما قد نسيتها الأجيال مازال صراخها يدوي بين ربوع مصر وبين سطور التاريخ قائلا أن ترابها تقدس بصلوات ودموع أولئك النساك الذين جالوا فوق رمالها باحثين عن الهدوء الروحي والخلوات المقدسة مع الخالق واتخذوا كهوفها ومغارتها مكانا بل حفروا وأسسوا وبنوا علي صخورها قلايات وأديرة وكنائس ووجدوا من خلالها ما ينشدون إليه عبر هذه الأماكن التي رحلوا إليها وجعلوا منها أحضانا مقدسة في أعماق الجبال الموحشة التي تحول بعضها بعد ذلك إلي مزارات يشتهي السائح أن يزورها ويتبارك منها وجبل بنهدب كان واحدا من تلك الجبال الشامخة التي ترتفع في برية الأساس بنقادة وجمع بين أحضانه العديد من هذه الأماكن المقدسة التي اندثر منها الكثير في هذا الزمان كان دير الأنبا صموئيل واحدا منها ربما تهدمت بعض مبانيه أنما ما تبقي ينادي من يهمه الأمر.
يقع دير الأنبا صموئيل جنوب غرب دير الملاك ميخائيل بنقادا علي بعد مسافة 7كم تقريبا في الصحراء وعلي مسافة 5كم غربي دنفيق وحاجز المنشية فجبل بنهدب يقع شمال جبل الأساس ويحده من الناحية القبلية حاجز دنفيق حاليا ومن الشمال جبل طوخ أي حاجز الخطارة حاليا ويقول المؤرخون لهذا الدير إنه بدأ ككنيسة يجتمع فيها النساك في القرن الرابع الميلادي قام بتأسيسها الراهب صموئيل الذي رسم قسا في جبل بنهدب بيد الأنبا تيموثاوس أسقف قفط. جاء عن هذا الدير في سيرة الأنبا بيسنتاؤس في القرن السادس وكتبت عنه الموسوعة القبطية أنه كان عامرا بالرهبان حتي القرن الرابع عشر الميلادي ثم بعد ذلك تهدم بسبب الظروف التي مرت بها بلادنا المصرية في تلك الفترة الزمنية الصعبة التي كانت تحت سيطرة المماليك والعثمانيين وما تبع هذه الفترة من جهل وتعصب أعمي وأصبح لا يذهب إليه إلا الباحثون والمؤرخون ليشاهدوا ويسطروا لنا عظمة الناسك القبطي وما قام به من عمارة قبطية فريدة في نوعها ولكن للأسف ما تبقي إلا القليل فالعرب والبدو المجاورون للدير زادوا خرابه خرابا بحفائرهم وتنقيبهم فيه باحثين عن ما يسمي بالكنوز الموجودة فيه غير عالمين أن الكنوز الموجودة بهذا الدير هي كنوز روحية لا تفني وأحجاره وحوائطه مقدسة أغلي وأفضل من الكنوز المادية التي يبحثون عنها.
أطلق علي هذا الدير اسم دير الأنبا صموئيل نسبة إلي القديس الأنبا صموئيل الذي تنيح في 21كيهك وليس الأنبا صموئيل المعترف الذي تنيح 8 كيهك والمعروف ديره في جبل القلمون كما يحمل هذا الدير أسماء أخري مثل دير القزاز نسبة إلي القزازين وهي مهنة معروفة في نسج الحرير التي تشتهر بهر نقادا جاء هذا الاسم في مواضع متعددة في السنكسار تحت يوم17هاتور في سيرة الأنبا بولا أما في سيرة الأنبا إيلياس المتوحد وتحت يوم13كيهك يقول السنكسار أنه قضي عامين في جبل بنهدب وهكذا تكرر مع عدد كبير من آباء برية الأساس أنهم ذهبوا للوحدة في جبل بنهدب ويطلق عليه أيضا دير السند وهذه التسمية والتي تساوي سنط كما فسرها الجزء الثاني والعشرون للباترولوجيا أورينتاليز والتسمية بهذا الاسم وردت في أكثر من مرجع ففي سيرة الأنبا بيسنتاؤس جاءوكان أيضا القس موساس رئيس دير الأنبا صموئيل المعروف بدير السند وجاء أيضا عن الأنبا صموئيل تحت يوم 21كيهك في السنكسارعندما ذاعت فضائل الراهب صموئيل رسمه الأنبا تيموثاوس أسقف قفط قسيسا علي جبل بنهدب وكان مدبرا للرهبان السياح وقد أقام زمانه جميعه في السند.
مباني الدير من الناحية الجنوبية كانت صالة جنوبية كبيرة وفرنا للعيش وحوشا الكنيسة وكان للكنيسة صالات جنوبية وشمالية وغربية ومن الشمال كان الحوش الشمالي وبقايا الكنيسة وصومعة وبقايا أعمدة وغرف شمالية وساقية وحجرات مجاورة لها ومن الغرب برج ومبني من الحجر وفي الناحية الشرقية بقايا لحظيرة هذا بخلاف الأجزاء المتهدمة من منشآت وحجرات كانت موجودة في الدير.
لقد كان دير الأنبا صموئيل بجبل بنهدب نواة قديمة لنظام الرهبنة التوحدية الذي انتشر في صحراء غرب نقادا وعاش فيه أبطال النسك والتوحد الذين يعتز بهم تاريخ الكنيسة مثل الأنبا بسنتاؤوس وتلاميذه والأنبا أندراوس القس وكما ذكر لنا سنكسار الكنيسة تحت تاريخ 18طوبة عن الأنبا اندراس والمعروف بأبو الليف أنه ولد من أبوين هما يواقيم وحنة من شنهورة وهي بلدة قديمة تقع بين الأقصر وقنا علي البر الشرقي من النيل وكان يواقيم وحنة بلا ذرية لمدة طويلة حتي أعطاهما الرب ولدا وأسمياه أندراس وعندما بلغ من العمر عشرين عاما عبر إلي البر الغربي قاصدا دير الأنبا صموئيل.
ومع هذه الجولة القصيرة حول آثار دير الأنبا صموئيل بجبل بنهدب نري أن برية الأساس والجبال التابعة لها تجمع بين أحضانها الكثير من كنوزها المقدسة التي يتشرف التاريخ القبطي أن يسطر عنها الكثير ليضئ للبشرية طريق الحق الذي عاش فيه أناس أحبوا الله من قلوبهم وأعطوه حياتهم محرقة حية تعيش النسك والفقر الاختياري نعم إنها منظومة روحية عزف عليها التاريخ قصص رهبان عمروا الصحراء وزرعوها بالأمل ورووها بالدموع وحفظوها بالصلاة فكانت ثمارها قديسين وقديسات عرفوا طريق الحق وحفظوه لنا عبر الأجيال والنسين.
كلمة من الصميم:هل يا تري تستجيب لنا الوزارات المعنية بالسياحة والثقافة والإعلام وتنشر وتعلن وتهتم بهذه الأماكن حتي يتسني لكل أحباء مصر من دول العالم أن يتعرفوا علي تاريخ النسك القبطي وقديسيه ياليت السياحة تصنع سوقا والثقافة تحيي التراث والإعلام يعلن ويصل بالخبر إلي كل الدنيا أن مصر بها سياحة دينية تفتخر بها فهي كنز لا يفني.
المصادر:- سنكسار الكنيسة القبطية- قاموس الآباء- رهبنة وديرية برية الأساس بنقادا- تاريخ المسيحية والرهبنة وأثارهما في إبروشيتي نقادة وقوص- بعض المواقع علي الإنترنت.