عزيزي القارئ كل سنة وانت طيب وفرحان بأفراح وانوار القيامة. في المقال السابق تكلمت معك عن البعد الطقسي والتاريخي والروحي للحن القيامة طون سينا. واليوم سوف أشرح لك البعد اللاهوتي والموسيقي لهذا اللحن الجميل “طون سينا”وسوف أنهي المقال بتأمل روحي يجعلنا نعيش هذا اللحنونحن نصلي به.
البعد اللاهوتي للحن:
إن لحن “طون سينا” يحمل بين طياته بعداً لاهوتياً عميقاً إذ يقول:
“نسبح نحن المؤمنين ونسجد للكلمة، المساوي للآب والروح القدس في الأزلية”
فاللحن يسبح ويمجد الله الكلمة ويعترف بالوهيته ووحدانية الاقانيم الثلاثة، وكيف أن الله الكلمة مساوي للأب والروح في الأزلية وعدم الإبتداء. وهذه الحقيقة اللاهوتية واضحة أيضا في لحن البركة “تين أو أوشت” الذي ينتهي بـ “الثالوث المساوي” .
إن لحن “طون سينا” هذا يُرجعنا لما كتبه القديسبولس الرسول في روميه 1آية 4:
“َتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْجِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ، بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ: يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا”
فهذا يُعني ان القيامة كانت هي الاعلان الواضح والاكيد ان يسوع المسيح هو ابن الله المتجسد، وأن القيامة هي فرح المؤمنين وحياتهم، فهكذا تصلي الكنيسة “صلاة صلح” في قداس عيد القيامة اول مرةبعد اسبوع البصخة. هذا لأنه:
“إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ،
فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ” (رومية 5 آية 10)
وأيضاً في رومية 4 آية 25 يقول القديس بولس الرسول:
“الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا”
لذلك فالنص اللاهوتي اللحني “المساوي للآب والروح في الازليه وعدم الابتداء” يتماشى مع النص اللاهوتي بالقداس الغريغوري:
“غير المبتدئ، الأبدي، غير الزمني، الذي لا يُحدْ، غير المفحوص،
غير المستحيل، خالق الكّل، مخلص الجميع”
فهو أزلي مثلما هو أيضاً أبدي كما جاء على لسان الرب يسوع نفسه في سفر الرؤيا 1 آية 18 قائلاً:
“كُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ! آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ”.
لذا فالنص اللحني:
” لأنه سُرّ أن يصعد على الصليب، ويحتمل الموت. ويقيم الموتى بقيامته المجيدة “، يتماشى أيضا مع النص الكتابي الذي جاء بإنجيل يوحنا 12 آية 32:
“وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ”
فهو يجذبنا إليه فنرتفع معه في قيامته فوق الأرضيات والماديات، إذ يقيمنا من موت الخطية، لنحيا معه إلى الأبد.
البعد الموسيقي للحن:
لحن “طون سينا” هو لحن موسيقي غاية في البساطةوالرشاقة، فهو من ميزان ثنائي بسيط، وهو يتكون من أشكال إيقاعية غاية في البساطة مع بعض الزخارف اللحنية الخفيفة الظل. وسرعته اللحنية تصل إلى نحو 100 نبضة في الدقيقة، كما أنه مُصاغ بالطريقة “السيلاباتية”Syllabic أي كل حرف لفظي أو أكثر يقابله نغمة واحدة (بخلاف الأسلوب الميليسماتي Melisma الذي الحرف اللفظي فيه يقابله نغماتكثيرة). لذا فالسرعة الكبيرة والبساطة الشديدة والميزان الثنائي الرشيق والأسلوب السيلاباتي كل ذلك يجعل من لحن “طون سينا” لحناً مناسباً لدورة وزفة القيامة ليجيء بين مجموعة ألحان تسبقه ومجموعة ألحان تتبعه جميعها دسم رزين يتميز بالميليسما، فيجيء لحن “طون سينا” ليتوسط هذه السيمفونية التسبيحية بنوع مختلف من التسبيح الرقيق القصير، لأن زمنه لا يزيد كثيرا عن الدقيقة الواحدة ببضع ثواني، كما أن عدد موازيره الموسيقية لا يتعدى 60 مازورة.
ولحن طون سينا” من مقام “بياتي” وهو مقام إشتهرت به الألحان الفرايحي فهو مقام مبهج.
واللحن يتكون من 7 جمل موسيقية، وسبعة هو رقم يرمز للكمال. وكل جملة فيه تنتهي بوحدة زخرفية ونهاية ممتدة “كورونا”. وكل جملة تنتهي عند كلمة مهمة أو معنى مهم:-
1. فالجملة الأولى تنتهي بزخرفة عند كلمة “بنفماتي” اي الروح.
2. والجملة الثانية تنتهي بزخرفة عند كلمة “سوتيريان إيمون” أي خلاصنا.
3. والجملة الثالثة تنتهي عند “إبروسكني سومين” أي نسجد له.
4. والجملة الرابعة تنتهي بزخرفة عند “ساركي” أي الجسد.
5. والجملة الخامسة تنتهي عند “ثاناتون إيبومين إيه” تحمل الموت.
6. والجملة السادسة تنتهي عند “تثني أو أوتاس” الموتى.
7. والجملة السابعة تنتهي بزخرفة عند “أناستاسي أفتو” أي قيامته، وتكون الجملة السابعة التي تنتهي بالقيام هي ختام اللحن.
وبذلك يكون لحن “طون سينا” لحن من ألحان دورة القيامة، لحناً مبهجاً من خلال بساطة تراكيبه وجمله اللحنية البسيطة التي تنتهي دائماً عند كلمات لها مفاهيم عميقة، ومن كثرة زخارفه التي تزيده بهجةً فوق بهجةٍ.
تــأمــل:
أيها الإله القائم من بين الأموات، يامن دست الموت بالموت فسحقته وغلبته مثلما قديماً قتل داود جليات بسيف جليات، وأعطيتنا نحن أيضاً السلطان أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو. أيها الإله المولود من العذراء لأجل خلاصنا، يامن سررت أن تصعد بالجسد على الصليب وتحتمل الموت لتجذبنا إليك وترفعنا فوق الأرض بشهواتها وضيقاتها وأوجاعها وآلامها، ولتقيمنا من موت الخطية بقيامتك المجيدة، أسألك أيها الصالح أن ترفعني من عمق الخطية وتُسكنني في مسكنك المستعد، هذا الذي اعددته لمحبي إسمك القدوس. إجعل قيامتك فينا لتنير لنا الطريق، فانت الطريق والحق والحياة، وانت القيامة، فمن آمن بك حتى لو مات فسيحيا. من اجل هذا جميعنا الآن نسبحك نحن المؤمنين ونسجد لك أيها الكلمة المساوى للآب والروح القدس في الأزلية وعدم الإبتداء.
آمـــــيــن.
رابط الفيديو للحن: