الصفر رقم حيادي، يعني لاشىء، لكنه بالنسبة لطوارىء المناخ التي تجتاح العالم الآن، يعني كل شىء، إذ يتسابق العالم للوصول الى ما أسماه العلماء صفر انبعاثات من الغازات الدفيئة، آملين إنقاذ كوكبنا بعدما ضربته الكوارث الناجمة عن تركز هذه الانبعاثات في الغلاف الجوي بنسب غير مسبوقة.
وصافي الانبعاثات الصفري؟ هو خفض انبعاثات غازات الدفيئة، التي تسمى غازات الاحتباس الحراري، لأنها تعمل كما لو كانت بطانية ملفوفة حول الأرض فتحبس الحرارة داخل الغلاف الجوي، وبالتالي ترتفع مستويات درجات الحرارة المؤدية الى تغير المناخ المؤدي الى الكوارث التي تعرضنا لها في حلقات سابقة من “حكايات من دفتر أحوال المناخ” والمقصود بالصفر هنا هو إلى أقرب مستوى ممكن من الصفر، بحيث تكون الأرض قادرة على امتصاص أو تصريف الزائد عن النسب المقبولة منها، عبر إعادة امتصاص أي انبعاثات متبقية من الغلاف الجوي، عن طريق المحيطات والغابات على سبيل المثال.
المفاجأة انه لا يمكن الوصول الى صافي صفر إلا بتحول كامل في أنماط حياتنا اليومية، فانقاذ الكوكب مهمتنا جميعاً، كلنا مسؤولون، لأن الطريقة التي نحيا بها وكيفية إنتاجنا واستهلاكنا وتحركنا. وانتقالاتنا، واستخدامنا للطاقة، تحدد قدر الناتج عنها من انبعاثات، خاصة فيما يتعلق بالطاقة، وطبقاً لتقارير العمل المناخي الصادرة عن الأمم المتحدة فإن قطاع الطاقة مصدر حوالي ثلاثة أرباع انبعاثات غازات الدفيئة اليوم، وهو المفتاح لتجنب أسوأ آثار تغير المناخ. فاستبدال الطاقة الملوثة من الفحم والغاز والنفط بالطاقة النظيفة، وهي المُستمدة من مصادر متجددة، مثل الرياح أو الشمس، أن يقلل بشكل كبير من انبعاثات الكربون.
واعلن انطونيو جويتريش الأمين العام للأمم المتحدة أن هناك تحالفاً آخذ في النمو من البلدان والمدن والشركات والمؤسسات الأخرى يتعهدون بالوصول إلى صافي انبعاثات صفر. حددت أكثر من 70 دولة، بما في ذلك أكبر الجهات المسببة للتلوث المتمثلة في الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، هدف صافي صفري، يغطي حوالي 76 ٪ من الانبعاثات العالمية. وضعت أكثر من 1200 شركة أهدافًا قائمة على العلم بما يتماشى مع هدف صافي صفر، وانضمت أكثر من 1000 مدينة وأكثر من 1000 مؤسسة تعليمية وأكثر من 400 مؤسسة مالية إلى السعي إلى الصفر، وتعهدت باتخاذ إجراءات صارمة وفورية لخفض الانبعاثات العالمية إلى النصف بحلول عام 2030.
بدأ السباق نحو الصفر، لكن هل هو سباق على الطريق الصحيح؟ مع التراجع في التمويل، وجد أن الخطط المناخية الوطنية في 193 دولة هي جميع الدول الأطراف في اتفاق باريس ” اتفاق هدفه تخفيض الانبعاثات لتثبيت درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية” سوف تؤدي إلى زيادة كبيرة تصل الى حوالي 14٪ في انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 2010. وهو عكس ما يسعى السباق اليه، لذلك اتفقت الدول المنضمة للإتفاقية في اجتماها السابق والمسمى بقمة مناخ “جلاسكو” في نوفمبر 2021، على إعادة النظر في أهداف الإجندة التي وضعتها الامم المتحدة تحت عنوان اهداف التنمية المستدامة اجندة 2030، وتعزيز المساهمات المحددة وطنيًا من كل دولة بحلول نهاية عام 2022، لتتماشى مع هدف اتفاق باريس بشأن تثبيت درجة الحرارة. إذاً المطلوب مزيد من اجراءات خفض الانبعاثات.
في هذا الشأن أطلق مبعوث الأمم المتحدة الخاص للمناخ مايكل آر بلومبرج ، حملة الصفر مما دفع ما يقرب من 8000 مدينة ومنطقة وشركة ومستثمرون لخوض السباق مع الدول الأطراف، لخفض الانبعاثات إلى النصف بحلول عام 2030 وبناء عالم أكثر مرونة، للحفاظ على مناخٍ صالحٍ للعيش،
كما اطلقت الأمم المتحدة حملة “اعملوا الآن” وهي حملة للعمل الفردي بشأن تغير المناخ والاستدامة. إذ يمكن لكل فرد منا المساعدة في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والعناية بكوكبنا؛ ومن خلال اتخاذ خيارات ذات تأثيرات أقل ضررًا على البيئة، يمكننا المساهمة في إيجاد الحلول والتأثير في إحداث التغيير.
مصر لاعب قوي في السباق
قد يتساءل البعض ماذا تفعل مصر في مثل هذا السباق ونحن نجني أضراراً بالغة في حين تنعدم مسؤوليتنا عن اصدار تلك الانبعاثات، في هذا الشأن تؤكد دكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة أن انبعاثات مصر وفقا لآخر التقارير حتى فبراير 2022، لا تتعدي 0.6%، وقطاع الطاقة في صدارة المسببات لها ويضم الكهرباء والنقل والبترول، وتمثل المخلفات 15% وقطاع الصناعة 12.5%، وهي نسب ضئيلة مقارنة بباقي دول العالم.
وبالرغم من ذلك فإن لدى مصر 30 مشروع قومي لمواجهة آثار التغيرات المناخية، منها مشروعات تحسينات كفاءة الطاقة، التي خفضت الزيادة السنوية في الطلب على الكهرباء إلى 1.5٪ من 2015 إلى 2020 مقابل معدل سنوي متوسط قدره 5.9٪ منذ عام 2007 إلى عام 2011. كما استثمرت الحكومة مليارات الدولارات؛ لرفع مستوى قدرات توليد الطاقة في عام 2018، وأكملت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة تركيب ثلاث وحدات حديثة محطات توليد الطاقة ذات الدورة المركبة بقدرة إجمالية 14.4 جيجاوات عاملة بكفاءة عالية، تصل إلى 61٪ الكفاءة العالية هذا يُترجم إلى توفير كبير في الوقود المستخدم، و المعتمد اساساً على الفحم. وللفحم حكاية طويلة.
حكاية الفحم
فالفحم هو “المسبب الرئيسي لانبعاثات الكربون” ويحتوي الدخان المنبعث عنه على عدد من المواد الكيميائية الخطرة مثل الزرنيخ وأول أكسيد الكربون والرصاص. وينتج عن حرق الفحم جزيئات صغيرة من أكسيد التيتانيوم الضار، وعندما يتم استنشاق الدخان الناتج عنه يدخل الرئتين ومجرى الدم أيضا، ويمكن أن يتسبب في إغلاق المجرى الهوائي قد يصل الأمر الى الوفاة. وأطلق البنك الدولي دعوةً مشتركةً إلى وقف الموافقات على إنشاء محطات كهرباء جديدة تعمل بالفحم، إلا إذا تم تزويدها بأنظمة تحتجز انبعاثاتها الكربونية قبل أن تنطلق في الغلاف الجوي. فضلاً عن كل الاتفاقات، والأهداف التي وضعتها الأمم المتحدة، وبالرغم من ذلك ففي عام 2014 سبب الفحم أزمة كبرى في الأوساط البيئية في مصر، حينما أقرت الحكومة استخدام الفحم في صناعة الأسمنت، واعترضت على القرار دكتورة ليلى اسكندر وزيرة البيئة آنذاك، الامر الذي انتهى باستبعادها من أروقة الحكومة، ثم تولى الوزارة دكتور خالد فهمي في عام 2014، ووافق حينها على استيراد كميات كبيرة من الفحم، بالمخالفة لأهداف التنمية المستدامة التي تشارك مصر في تنفيذ أجندتها، وعلل ذلك بإنه لا يستقيم الحديث عن تحسين البيئة في ظل ضعف الإمكانات وعقم التشريعات، معترفا بأن جهاز شؤون البيئة أول من يخالف قانون البيئة، وأن مصانع القطاع العام تعد من أبرز الروافد الملوثة للبيئة.، وأنه لابديل عن استخدام الفحم للحفاظ على صناعة الأسمنت من الانهيار. معرباً عن موافقته بتسميته “وزيراً الفحم” .وقال حينها إن قرار استخدام الفحم لانتاج الكهرباء حتمي،للوهلة الأولى تبدو اعترافات مواجهة مع الواقع المرير، لكن التمعن فيها يجذبنا نحو مستقبل أكثر مرارة إذا ما استمر استخدام الفحم على هذا النحو.
يبدو أنه منذ اطلاق تلك التصريحات في 2014 وحتى الآن 2022 تغيرت الذهنية الحكومية، فأصدرت وزارة البيئة ضوابط لاستيراد الفحم، تضمن سلامة استخدامه بما لا يضر بالبيئة ويفي بالتعهدات الدولية التي التزمت بها مصر .أيضاً اعلنت وزارة الكهرباء أنه لا نية لإقامة محطات تعمل بالفحم، وأن الإستراتيجية المستقبلية الجديدة للقطاع، استبعدت مشروعات الفحم نهائيًا، بعد الانخفاض الشديد لأسعار الكهرباء المنتجة من مشروعات الطاقة النظيفة، خاصة طاقتي الشمس والرياح، وتماشيا مع تعليمات البيئة والاشتراطات البيئة العالمية والاعتماد على الموارد المحلية، باعتبار أن الفحم كان سيتم استيراده بالكامل من الخارج. طبقاً لتصريحات دكتور محمد الخياط، الرئيس التنفيذى لهيئة الطاقة المتجددة
كما تم إطلاق العمل فى تنفيذ أول مشروع للخلايا الشمسية لانتاج طاقة نظيفة، لا تعتمد على الوقود العادي، وذلك فى منطقة الزعفرانة بطاقة 50 ميجاوات من المقرر أن يتم تشغيله هذا العام الى جانب مزرعة رياح عملاقة بخليج السويس طاقة 250 ميجاوات تدخل الخدمة العام الحالى، وتم توقيع عقد تنفيذ مشروع محطة لانتاج الطاقة من الرياح بقدرة 250 ميجاوات وبتكلفة 4 مليارات و300 مليون جنيه.
سبق كل ذلك مشروع التحكم في التلوث الصناعي، والذي ساهم بدرجة كبيرة في توفيق اوضاع المصانع والمنشآت التي تنتج عنها انبعاثات الكربون، وتحويل المركبات من العمل بالوقود الى العمل بالغاز، فضلاً عن مشروع إحلال السيارات الجديدة مكان القديم منها لوقف اطلاق انبعاثات شكمانات السيارات. التي كانت تبدو للمواطن العادي إجراءات صعبة غير مُبررة، بل رآها البعض مجرد رفاهية، لكن الآن يعلم الجميع أهميتها لاستمرار الحياة.