– “الثقافة” بزغ نجمها وسط مناخ مشبع بأجواء ثقافية
– مجلة “الثقافة”.. شاهد على فيض الخاطر لرائد الثقافة الجماهيرية أحمد أمين
– “تحت مصباحي الأخضر” لتوفيق الحكيم.. “العبرة بالخواتيم” لإبراهيم المازني
ظهرت بمصر في الثلاثينيات والأربعينيات مجلات عظيمة عالمية الفكر والمحتوى بكل المقاييس تدل على نهضة صحفية وثقافية وأدبية عملاقة قلما يجود التاريخ بها في أي مكان وكأنها نفحة منّ الله بها على مصر دون الخلق كلهم.
ومن هذه المجلات مجلة «الهلال» لمؤسسها جرجي زيدان، التي لا تزال مستمرة في الصدور منذ ما يزيد عن القرن، لكن في شكل مختلف اليوم عن تاريخها القديم. لنتذكر مجلات «المقتطف» لمؤسسها فؤاد صروف، و«المجلة» لمؤسسها سلامة موسى، و«الرسالة» لمؤسسها أحمد حسن الزيات، و«الثقافة» لمؤسسها أحمد أمين، و«الكاتب المصري» لمؤسسها طه حسين، ومجلة ” الكتاب” لمؤسسها الشاعر السوري عادل الغضبان.
ومن هذه المجلات التي كان لها صدى محلي ودولي وكان القارئ ينتظرها بشغف وحماس كانت مجلة “الثقافة” التي كان يرأس تحريرها المفكر أحمد أمين، فقد كانت منارة من منارات العلم والثقافة في مصر في ذلك الوقت، وكان أحمد أمين جامعة بمعنى الكلمة، وهو صاحب المقولة الخالدة:” أنا أقل من أستاذ وأكبر من عميد” والتي قالها عقب استقالته من منصبه كعميد لكلية الآداب نتيجة اختلافات مع طه حسين الذى عينه عميدًا لها. كان فعلا أكبر من عميد وكان أيضًا أستاذًا عظيمًا تدل عليه آثاره وإنجازاته الخالدة.
ولم يحدث هذا نتيجة ضربة حظ أو جزافًا بل كان نتيجة مجهودات شاقة وعبقرية وإخلاص وتفانٍ وربيع نهضة فريدة لم تشهدها بلد مثلما شهدتها مصر، الكثير من هذه المجلات سيبقى شاهدًا على قدرة مصر على الإبداع والتفرد والتميز والعظمة. فقد كان المناخ الثقافي السائد بمصر في ذلك الوقت، يجمع على نحو باهر بين احترام مظاهر الحضارة الغربية وبين احترام النماذج الرفيعة من التراث الثقافي العربي. كان هذا هو على الأقل موقف الطبقة الوسطى في مصر، ويقول الكاتب جلال أمين في مذكراته رحيق العمر، “عندما اتذكر المقررات التي كنا ندرسها في ذلك الوقت والنشاط الثقافي الذي كنا نقوم به في المدرسة النموذجية: أدرك الآن كم كان هذا نتيجة لذلك المناخ الثقافي الرائع الذي ساد مصر في ذلك الوقت، وكانت هناك هالة من الاحترام تحيط بأسماء مثل امرئ القيس والنابغة الذبياني والمتنبي وفولتير وورسو وديكارت وهو أبو الفلسفة الحديثة، ويدرك فضل فرانسيس بيكون على العلم، ودور جاليليو في الحضارة الحديثة”.
ويمكن القول بأن سر الانسجام الرائع بين الثقافتين العربية والغربية الذي ساد في مصر في الاربعينات، وإمكان تعايشهما جنبا إلى جنب؟ لابد أن السر يكمن في الدرجة العالية من الثقة بالنفس التي كانت الطبقة الوسطى المصرية تتمتع بها في ذلك الوقت واطمئنانها إلى المستقبل وإلى ثبات مركزها بالنسبة إلى الطبقتين الأعلى والأدنى منها. لم يكن لدي المصريين في ذلك الوقت حالة التوجس الذي نلاحظه الآن إزاء الحضارة الغربية.
– مجلة “الثقافة” منبر للآداب والعلوم والفنون:
رغم صدور كثير من المجلات التي تحمل اسم الثقافة، إلا اننا بصدد مجلة الثقافة التي أصدرها أحمد أمين منذ حوالي ما يقرب من 83 عاما، أي في يناير 1939 وتوقفت بشكل نهائي بلا رجعة في يناير 1953 وليس لها علاقة بأي مجلة ظهرت بعد ذلك بنفس الاسم. وكان سعر الاشتراك السنوي بالمجلة آنذاك 500 مليم، و400 مليم للطلبة، وللأقطار العربية الداخلة ضمن اتحاد البريد700 مليم، وللبلدان خارج اتحاد البريد 1 جنيه مصري.
ويمكن القول أن مجلة “الثقافة” كانت ثقافة رفيعة بحق بكل المقاييس، كانت جماهير الأمة العربية تنتظرها كل أسبوع انتظار العاشقين، وكانت لهم وجبة متكاملة ومثرية، حاوية بين طياتها فكرًا متقدمًا وعلمًا حديثًا وإبداعًا فريدًا وفلسفة وعلم نفس ومعرفة عن بقية البشر لا غنى عنه. ربما يمكننا القول إنها بدأت العولمة في أيامها لما كانت تقدمه من مقالات عن كل ما أنتجه القلب والروح الغربية والشرقية من آداب وفنون وعلوم.
ويمكن القول أن الفترة التي ظهرت فيها مجلة الثقافة كانت فترة مهمة وفاصلة في تاريخ العالم اجمع فهي فترة قيام الحرب العالمية الثانية 1939، وفي هذه الفترة كانت موجة العصر قد بدأت في الحديث عن الثقافة والرجل المثقف في أثناء وأعقاب الحرب العالمية الثانية في أوروبا والعالم العربي، كذلك في هذه الفترة من تاريخ مصر قد شهدت تغيرات جذرية على كافة المستويات مع بداية ثورة يوليو 1952 وما أعقبها من زيادة وعي الشعب بحقوقه وواجباته ورفضه للاستعمار وثورته على الظلم والاستبداد والفساد.
وفي يناير عام 1939 صدر العدد الأول من مجلة “الثقافة” التي صدرت عن لجنة التأليف والترجمة والنشر تلك اللجنة التي أسسها أحمد أمين، وكانت مجلة أسبوعية ظلـّتْ تصْدر بانتظام، في صدارة المجلات، رافعة شعار « مجلة أسبوعية للآداب والعلوم والفنون، وكان أحمد أمين صاحبا للامتياز بالمجلة، مسْندا رئاسة التحرير الفعلي إلى محمد عبد الواحد خلاف، وحرص في افتتاحية العدد الأول على احترام المجلات الأخرى، وأعلن أن هدف المجلة ليس الربح، وأنها تضم تخصصات مختلفة، وجنسيات متعددة. وكان العدد الأخير يحمل رقم 732 وصدر يوم الاثنين الموافق 5 يناير 1953.
وكان يكتب في تلك المجلة علماء وادباء العصر ومنهم: طه حسين، والمازني، وتوفيق الحكيم، ومحمد عوض محمد، وعبد الوهاب عزام، وعلي أدهم، وزكي نجيب محمود، وعلي أحمد باكثير، عبد العزيز البشري، محمد عبد الله عنان، عبد المنعم أبو بكر، محمد فريد أبو حديد وغيرهم من الأدباء والمفكرين المصريين والعرب.
– مجلة الثقافة.. لماذا الآن؟
كتب أحمد أمين في تقديمه للمجلة (الافتتاحية) في عددها الاول، محددًا أهداف صدور المجلة قائلا: “أحسسنا المقدرة على أن نشارك في هذا العمل الجليل، وننزل في هذا الميدان الخطير، فتقدمنا نعمل مع العاملين ونحمل عبئنا مع الحاملين، ونجاهد مع المجاهدين، لا نشعر نحو إخواننا أصحاب المجلات إلا شعور الفرق المختلفة في الجيش الواحد، هزيمة الفرقة هزيمة للجيش، ونصرة الفرقة نصرة الجيش، والكل يتعاون. لا نريد حربًا إلا حرب الآراء، وقد علمتنا الأيام أن الرأي لا تتجلى صحته إلا بعد أن يصهر في البوتقة، أما حرب شخص لشخص فهي سخافة نربأ بأنفسنا عنها. ولا نريد مالًا فالمجلة العربية- مهما راجت- لا تنل ثروة ولا تكسب غنى، فكيف إذا كانت لجماعة كبيرة تنفق عليها بسخاء وتسمو إلى الجد ولا تنزل إلى التجارة؟. ولجنة التأليف بحمد الله غنية بأعضائها، غنية بتخصصها، ففيها العالم من كل صنف، وفيها الأديب من كل نوع، وفيها الفنان من كل فن، حصلوا كثيرًا من العلم والأدب، فرأوا من واجبهم أن يشاركوا في علمهم وأدبهم أكبر عدد ممكن من مختلف الأقطار، فكانت مجلة الثقافة”.
– مقتطفات من أعداد “الثقافة”:
احتوت المجلة على مجموعة متنوعة من الكُتاب والأدباء، فكانت افتتاحية العدد دائما بقلم أحمد أمين، ثم “مع أدبائنا المعاصرين” بقلم الدكتور طه حسين، الصراع بين الدكتاتورية والديموقراطية، “تحت مصباحي الأخضر” بقلم توفيق الحكيم، “العبرة بالخواتيم” بقلم إبراهيم المازني، “بخلاء الجاحظ وبخلاء موليير” بقلم شفيق جبري، “في التربية وعلم النفس” بقلم الدكتور أحمد عبد السلام الكردانى بك، “تين وفلسفة الفن” بقلم زكى محمد حسن، “على هامش العلوم” بقلم أحمد زكى بك، “من الأدب الهندي الإسلامي” بقلم عبد الوهاب عزام، “عشرة أيام في العراق” بقلم الدمرداش محمد، “كتاب الحسبة” بقلم محمد كرد على.
شمل العدد أيضًا صفحات تحت عنوان “بين المجلة والقراء” عبارة عن صفحتين بعنوان مقتطفات، والجدير بالذكر ان هذه الفقرة كانت من أمتع ما تناولت المجلة حيث تبدأ هذه الفقرة بعرض مصطلح ثم القيام بشرحه وتفسيره من المعجم، ثم يليها نشر بعض من المعلومات العامة في كافة المجالات الطبية والأدبية والعلمية والفلسفية التي تهم القارئ تحت عنوان “لماذا وكيف”، كما لم تنس المجلة الأطفال فقد كان يوجد صفحة مخصصة للأطفال يتم فيها ترجمة قصة من الأدب العالمي مع أبراز الدروس المستفادة منها .
كانت خلاصة مقالة الدكتور طه حسين وكأنه يقدم للأدباء المعاصرين تشريحًا لما تحويه عقولهم وتفنيدًا لتركيبتهم الإنسانية ونصحًا غاليًا لهم وتحديد لما يجب أن يكون عليه دور الأديب من أن تكون آراؤه مستقلة وحرة. كان وكأنه يقدم خلاصة تجاربه ناصحا ومفندا لطريق النجاح للأدباء المعاصرين قائلا: “لست أدرى وما يعنيني أن أدرى أحق هذا أم باطل، وخطأ هذا أم صواب، وإنما الشيء الذي يظهر أنه لا يقبل الشك ولا يحتمل الجدال، هو أن الإنتاج الأدبي ظاهرة اجتماعية لا يمكن أن يكون إلا في الجماعة التي تسمع الأثر الأدبي أو تقرؤه فتتأثر به، راضية عنه أو ساخطة عليه، معجبة به أو زاهدة فيه”.
وكانت مقالة شفيق جبري “بخلاء الجاحظ وبخلاء موليير” تعكس اهتمام المجلة بالآداب العالمية للاستفادة منها والمقارنة بها، وأنها ستهتم بالروابط بين الآداب وبحث المشترك في جوانبها. خلاصتها أننا نهتم في معظم أدبنا بالظواهر ويهتم الأجانب بالبواطن، وقد نبرع في الاهتمام بهذه الظواهر براعة خاصة، فإن كل حكاية من حكايات بخلاء الجاحظ قد تكون موضوع رواية في ذهن كاتب من كتاب الإفرنجة، فقد أتقن التدقيق في ظواهر البخيل، سواء أكان هذا البخيل يطبخ شيئا، أو يؤجر دارًا أم يوصى ولدًا، أم يطعم ضيفًا أم يسرج مصباحًا، ولكنه هل أتقن في بواطن البخيل؟. لا شك في أنه عرف أسرار البخلاء وعرف دخائلهم، ولكنه هل صور حركات هذه الدخائل؟. إننا لا نعرف هذا كله إلا إذا قابلنا بين بخيل الجاحظ وبخيل كاتب من كتاب الإفرنجة، كبخيل موليير.
إلى جانب المقالات الأدبية نجد أن العدد الأول شمل مقالًا عن الفلسفة وعلم النفس والطب وقصصًا إبداعية لثلاثة من كبراء الأدب العربي ومبدعيه هم توفيق الحكيم وإبراهيم عبد القادر المازني ومحمد فريد أبو حديد. وقد نجحت المجلة في كل أعدادها في عرض أهم المقالات عن الفلسفة وعلم النفس والطب والفنون وترجمات لأهم الأدباء والروائيين والعلماء الغربيين والعرب .
أما عن قصة توفيق الحكيم بعنوان “تحت مصباحي الأخضر”، يصفها الحكيم ويشخصها بنفسه:” هنا في كل أسبوع، تحت مصباحي الأخضر، أعرض كل حياتي الليلية. حياة رحبة مضيئة زاخرة بشتى الألوان. ميدانها لا في المراقص وحانات الليل، بل في حجرتي المنزوية ومقعدي الواسع قرب خزانة كتبي. حياة الليل عندي هي حياة النفس في اتصالها النبيل بما أقرأ في ساعات السكون، وفي إصغائها الطويل إلى الخواطر والأفكار التي تعمر عالمي الصامت”. وصار هذا الركن مكانًا دائمًا في أعداد المجلة التالية ولإبداعاته التي أثرت بها قراء الثقافة.
كما شمل العدد أيضًا اهتمامًا بالفن قدمه الفنان زكي محمود، فقد احتوى على شرح مخطوطة إيرانية من كتاب “هفت بيكر” للشاعر نظامي، محفوظة في متحف نيويورك، ويرجع تاريخها إلى القرن الخامس عشر الميلادي، وتمثل بهرام جور ملك إيران يثبت لحبيبته فروسيته ومهارته في الرماية بإجابته الى ما طلبته منه: وهو أن يلصق بسهم واحد حافر حمار الوحش بإذنه. وقد توصل إلى ذلك بأن ضرب حمار الوحش في أذنه بقطعة من الطين الجاف، فلما رفع الحمار حافره ليحك أذنه من أثر الضربة رماه بهرام جور بسهم ثبت به حافره بأذنه.
جدير بالذكر أن المجلة نجحت في اعدادها المتتالية في تقديم العديد من كتب التراث والمخطوطات العريقة وحللتها وشرحتها للقارئ شرح تفصيليا من قبل مجموعة من الأدباء من مختلف الجنسيات كذلك عرض لأهم المؤلفات التي صدرت حديثا ونبذة عن المؤلف ووضعت لهذا الركن عنوان “أبناء وآراء”، ولم تنسي المجلة من عمل عرض لأهم الندوات والمؤتمرات الدولية والمحلية المتاحة على الساحة آنذاك.
ومن اللافت للنظر أن المجلة اهتمت أيضًا بالسينما وما يعرض بدور العرض، وتحت عنوان “عالم السينما” استطاعت المجلة تقديم عرض لأهم وافضل الافلام المعروضة بالسينمات مع نبذه عن الفيلم وأبطاله ومؤلفه ومخرجة، والطريف أن المجلة كانت ترشح للقارئ افضل السينمات واسعارها واوقات عرض الافلام للتسهيل على القراء، فنجد على سبيل المثال في العدد 56 بتاريخ 29 يناير 1940 ترشيح المجلة لفيلم “يوم سعيد” بطولة محمد عبد الوهاب وعلوية جميل، وفردوس محمد، وعبد الوارث عسر، وإخراج محمد كريم، مع عرض للسينمات التي متوافر بها الفيلم.
وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية تحولت افتتاحية المجلة التي تناوب على كتابتها كلا من أحمد أمين وطه حسين بعنوان (افتتاحية العدد لمحرري الثقافة السياسي – بين الأدب والسياسة)، وكانت تتناول أهم المواضيع التي تدور على الساحة الدولية وتقدم تشريح لما يحدث من أسباب قيام الحرب وسياسة كل دولة من المشاركين، فعلي سبيل المثال نجد في العدد رقم 61 للسنة الثانية بتاريخ 27 فبراير 1940 يناقش طه حسين توسعات المانيا الاستعمارية على الدول الاوروبية الصغيرة والمستضعفة محاولة تكوين امبراطورية المانية كبيرة تضم كل الدول الاوروبية التي بها رعايا المان وموقف الدول الاوروبية الكبرى من هذه السياسة. وعلي مدار سنوات الحرب العالمية الثانية استطاعت مجلة الثقافة تقديم وتحليل كل ما يخص الحرب والمعارك والسياسات المتبعة وعلاقة مصر بها وموقفها من الحرب، وكأنها تقدم عرض متكامل لكل ما يحدث على الساحة الدولية وأهم المواضيع التي تخص القارئ.
ويمكن القول أن مجلة الثقافة قدمت للقارئ العربي وجبة ثقافية صحية متكاملة لم تسبقها بها صحيفة أو مجلة عربية. وكانت وجبة متوازنة من الآداب والعلوم والفنون، واستطاعت وبلا انحياز ولا تعصب منبرًا للجميع، فقد استطاعت مجلة “الثقافة” أن تكون على اتصال وثيق بقرائها، تشعر أنها لهم ويشعرون أنها مجلتهم، ليست بينها وبينهم كالصلة بينهم وبين كتاب يقرأ أو منظر يشاهد، فيمدح أو ينقد في نفس القارئ، بل استطاعت “الثقافة” أن تكون صلتها بقرائها أشد وأقوى وأقرب الى تحقيق غايتها. فهي من أجل ذلك فتحت صدرها لكل ناقد ينبه المجلة إلى ما قد تكون غفلت عنه، أو يعارض رأيا ارتأته، وهى إزاء كله كانت تزن الآراء المعروضة عليها بدقة وسعة صدر، ونشرت منها ما ترى من الخير نشره. وقد نجحت مجلة الثقافة في أن تكون المجلة وكتابها وقراؤها –على تباعد ما بينهم واختلاف أقطارهم – أسرة واحدة – تعاونوا في محاربة الجهل ونشر العلم، وتصحيح ما فسد من آراء، واستصفاء ما صح من أفكار، وتنبيه العقل وتحرير الفكر، وإحياء العاطفة وتذوق الفن.
الجامعة الشعبية.. وهيئة قصور الثقافة:
وكان أحمد أمين صاحب رؤية ومشروع عاش طيلة حياته على تحقيقه وهو مشروع (الجامعة الشعبية)، حيث رأى أن الارتقاء بجماهير الأمة لا نستطيع الوصول إليه عبر باب الجامعة، وعليه يحتاج الناس إلى إنشاء جامعة شعبية تعلمهم وتثقفهم وتوعيهم، وكان أول مدير لهذه الجامعة، في الوقت الذي كان فيه صاحب مفهوم حضاري عصري لمعنى الثقافة، طالب أحمد أمين بأن يتعلم الناس العلوم الميسرة، والفنون البسيطة، والصناعات الفنية.. وبذلك يستطيع رجل الشارع الذي يقرأ ويكتب أن يصبح رجلاً مثقفًا.
أحمد أمين فهم الثقافة فهمًا عربيًا، وأدرك احتياجات بلادنا العربية في عصره إدراكًا واعيًا، فأقام الجامعة الشعبية التي تعتبر أساسًا لهيئة قصور الثقافة، وكان الرجل بحق صاحب تفكير عملي واقعي، حتى أنه جعل صناعة حياكة الثياب وفنون التطريز وأشغال الإبرة للفتيات من مواد الدراسة في جامعته الشعبية، وكانوا يعلمون في هذه الجامعة فنون الرسم والموسيقى والمسرح وغيرها من الفنون الجميلة، إلى جانب بعض المهن البسيطة مثل النجارة والسباكة والكهرباء .
أحمد أمين.. هو الموسوعي، العالم، المفكر، المؤرخ، الناقد الأدبي، والأستاذ الجامعي، الذي اتخذ من (الثقافة) منهجا، وطريقا، واستراتيجية، فتحقّقتْ له الريادة عن جدارة، في دراساته الإسلامية، والتاريخية، والأدبية، وتحقيق المخطوطات، وإنشاء المؤسسات والمنابر الثقافية، وريادة العمل فيها. ولد عام 1886، وتوفي عام 1954، تقلد العديد من الوظائف منها التدريس ثم القضاء، وفي عام 1926م عين مدرسا بكلية الآداب في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن)، وفي عام 1940م انتخب عضوا في مجمع اللغة العربية. ثم انتدب وهو أستاذ بكلية الآداب مديرا للإدارة الثقافية بوزارة المعارف 1945 ، ثم عين مديرا للإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية ومن خلال هذا المنصب أنشأ معهد المخطوطات العربية التابع لجامعة الدول العربية وفي عام 1948. تم منحه الدكتوراه الفخرية، وبعدها عين أستاذا غير متفرغ بالكلية وظل يمارس نشاطه العلمي والعملي في ميدان الثقافة حتى وفاته .