لماذا لا نلتقي علي الحد الأدني من الاتفاق ونقترب من بعض أكثر؟ لماذا لا نلتقي علي الحد الأدني من الاختلاف ونقرب وجهات النظر فيما بيننا ـ وفيما نختلف عليه؟ لماذا نثير في أنفسنا رغبة التفرقة ـ والشرذمة ـ والابتعاد ـ والحقد ـ ونكران الجميل ـ والابتعاد عن هدف سامي ـ نرنو جميعا إليه ـ وهو مصلحة الوطن العليا!
أري الاختلاف والأخذ بأساليب الابتعاد عن بعضنا البعض في كل ما نتناوله من حوارات ونقاش حول موضوع بعينه ـ هو رؤية لحق أو رؤية لباطل!!
إن الشيء الوحيد الذي يفرق بين إنسان وآخر هو البحث عن لقمة عيش ـ يتنافس عليها شخصان ـ والبحث عن مكسب شخصي أو عنصري بين جماعة وأخري ـ البحث عن أداة و وسيلة للسطو أو السيطرة علي مقعد أو منصب ـ ومع ذلك فكل هذه الأشياء زائلة ـ ولا قيمة لها.. بعد انتهاء فترة شغلها أو بعد هضم (لقمة العيش) مهما كان نوعها ـ وطبيعتها ـ فيتساوي قطعة (اللحم مع سندوتش الطعمية) بعد الإحساس (بالشبع) ـ والذهاب لمكان للتخلص من الفضلات الإنسانية ـ يتساوي الجميع مع هذه الماديات ـ ولكن الشيء الوحيد الذي لا يتساوي فيه البشر ـ هو الفعل ـ ورد الفعل ـ والسيرة الذاتية للإنسان ـ فالعمل الصالح باق حتي بعد انتهاء الحياة.
إن معارك الحياة كثيرة ـ وفي بلادنا تأخذ معارك الحياة بحكم شرقيتنا ـ وتعصبنا لأفكارنا ـ تأخذ شكل الحروب الصغيرة ـ وفي الحروب تضيع الحقيقة وتنتهي الطرق ـ وتنقطع الأوصال ـ والصلات ويتحكم فينا الغضب ـ وينتقل بنا الإحساس من الغضب إلي الشر ـ ونري الظلام نورا ـ ونري الأبيض أسود ونري الحق باطلا ـ ونتمسك بشعارات جماعية ـ نستحوز عليها ونؤممها ـ ولا نسمح لأحد غيرنا بأن يستمسك بها ـ وكأننا نحن فقط المدافعون عن الحق ـ وأصحاب الفضيلة وغيرنا ـ سفلة وزنادقة ـ ومرتعدون ـ وهذا ليس بحقيقي ولكن (خيل لنا ذلك) بالشرور والحقد الذي يملأ صدورنا ـ ويسود قلوبنا ـ ويغلق عقولنا!
لماذا لا نتفق علي أن مصر ـ بلدنا كلنا ـ وحينما ننادي بأن بلادنا تتقدم بنا ـ معناها أن كل المصريين واحد ـ وكل أهدافنا واحدة ـ وكل آمالنا وآلامنا واحدة ـ وأن المصلحة العليا للوطن هي مرادنا جميعا ـ لماذا تكون زوايا الرؤية لهذه المصلحة زوايا حادة ـ منكسرة الأضلاع ـ مع أن الحقيقة أننا نستطيع جميعا أن نناقش فيما بيننا أحسن السبل وأقصر الطرق للوصول إلي أهدافنا ـ إذا تبرأنا وتنازلنا ـ عن منافع وميزات شخصية أو فردية ـ أو نصرة جماعة ضد أخري ـ الحقيقة الثابتة ـ من ثقافات سابقة ـ سواء ثقافة مصرية أو أجنبية ـ أن الفرقة حينما تسود فسوف نخسر جميعا ـ وحينما تثقب المركب ـ فالجميع غارق لا محالة!
دعونا نلتقي ولا نفترق ـ ونتقي الله عز وجل في هذا الوطن الجميل مصر!