حلة حضارية جديدة ارتداها شارع المعز لدين الله الفاطمي أشهر شوارع القاهرة الفاطمية, الذي يحوي العديد من كنوز التاريخ الإسلامي في مصر. فعلي امتداد نحو كيلو متر, ينقلك الشارع إلي لوحة من الجمال الأخاذ تعود بك إلي غابر العصور الإسلامية في قاهرة المعز, تتفنن في صنعها مبانيه التاريخية, التي تبدأ من الدولة الفاطمية إلي الدولة الأيوبية, وتضم 33 أثرا منها ستة مساجد أثرية, وسبع مدارس, ومثلها أسبلة, وأربعة قصور, ووكالتان, وثلاث زوايا, وبابان هما: باب الفتوح, وباب زويلة, وحمامان شعبيان, ووقف أثري.
يعد شارع المعز من أقدم شوارع مصر والعالم فعمره الآن يزيد علي ألف عام, وخلال هذا الزمن المديد ظلت آثاره صامدة لم تتغير, وإن تأثرت بما أنشئ حولها, وبعوامل طبيعية مختلفة -خصوصا أقدمها الآثار الفاطمية- حيث تعرض منسوب الشارع للارتفاع أكثر من مرة, وزاد منذ الستينيات حتي الانتهاء من تطويره بمعدل مترين, بسبب الرصف المتكرر له.
يقع شارع المعز لدين الله -أكبر متحف مفتوح للآثار الإسلامية في العالم- في منطقة الأزهر بالقاهرة الفاطمية أو قاهرة المعز, فبالإضافة إلي أنه مزار أثري وسياحي فإنه يعد سوقا تجاريا يتردد عليه مئات الآلاف يوميا.
يرجع تاريخ الشارع إلي عام 969م أي منذ إنشاء القاهرة الفاطمية والتي يحدها باب النصر وباب الفتوح شمالا, وشارع باب الوزير جنوبا, وشارع الدراسة وبقايا أسوار القاهرة شرقا, وشارع بورسعيد غربا. ويشتمل شارع المعز لدين الله الفاطمي علي مجموعة من الآثار والقيم التخطيطية والمعمارية التي يرجع تاريخها إلي مجموعة عصور متوالية منذ أنشئت القاهرة الفاطمية وعبر عصر الأمويين والمماليك البحرية والمماليك الشراكسة وهي فترة العصور الوسطي التي تمتد من القرن العاشر حتي القرن السادس عشر ميلاديا ثم الحكم التركي والذي خلف أيضا العديد من العناصر المعمارية والمباني الأثرية.
سمي الشارع بهذا الاسم نسبة إلي المعز لدين الله الخليفة الفاطمي الذي أرسل قائده جوهر الصقلي إلي مصر عام 358 هجرية – 969ميلادية, لتصبح مصر منذ ذلك التاريخ وحتي عام 567هـ – 1171م تحت الحكم الفاطمي.
ويمتد شارع المعز لدين الله الفاطمي من باب الفتوح مرورا بمنطقة النحاسين, ثم خان الخليلي فمنطقة الصاغة ثم يقطعه شارع جوهر القائد (الموسكي), ثم يقطعه شارع الأزهر مرورا بمنطقة الغورية والفحامين, ثم زقاق المدق والسكرية لينتهي عند باب زويلة.
يعتبر شارع المعز عصب مدينة القاهرة منذ نشأتها ويضم كوكبة من أجمل الآثار الإسلامية بالعالم, حيث تنفرد تلك الآثار برونق خاص من حيث جمال ودقة وتنوع وضخامة العمارة والزخرفة, وتتميز ليس فقط بمساجدها الشامخة, بل تضم أيضا مدارس ومدافن وبيمارستانات (مستشفيات) وأسبلة وكتاتيب وقصورا, وهي آثار تزخر بالروحانيات والجمال الذي يشهد بروعة الفنان والمعماري المصري المسلم.
وهو أقدم شارع في العالم ويعد متحفا مفتوحا للعمارة الإسلامية بكل تفاصيلها من قصور ومساجد وأسبلة وتكايا وخنقاوات وزوايا. ويحمل بين جنباته تاريخ ألف عام من الحضارة الإسلامية شكلت وجدان شعب مصر كان مقصورا في العصر الفاطمي علي الخليفة وحاشيته ولكن في العصر الأيوبي فتحه صلاح الدين الأيوبي لعامة الشعب وتغيرت طبيعته من شارع للمناسبات والاحتفالات والقصور إلي سوق ومكان يتباري فيه الملوك والسلاطين والأمراء لتشييد أبنيتهم المتنوعة وسط المساجد والأسبلة.
وفيه سلسلة من الأسواق المتتابعة المرتبطة بأماكن العبادة وفيه عاش المؤرخ الشهير المقريزي وولد فيه الكاتب الكبير نجيب محفوظ الذي خلده في كتاباته وتعلم الرئيس عبد الناصر في إحدي مدارسه.
شارع المعز ليس مستقيما بل متعرجا, وهذا مقصود في تصميمه. من ناحية أخري هناك عوامل بصرية كلما تقدمت في الشارع تجد ما يجذب المارة ويزيد من تشويقهم ويمحو أي شعور بالملل أو التعب ومن جهة أخري فالأسواق التي يضمها الشارع محاطة بالأبنية المرتفعة لدرء أشعة الشمس ولهذا نجد الأسبلة موزعة بول الشارع ليشرب منها المارة بالمجان.
قصة هذا الشارع وعملية ترميمه كانت حلما بدأ قبل سبع سنوات وتكلف أكثر من مليار جنيه وأنقذ عددا كثيرا من الآثار التي أضيرت بعوامل الزمن, وزلزال عام 1992, وتضافرت فيه كل أجهزة الدولة المصرية بعد أن كانت الآثار غارقة في مياه الصرف الصحي والمياه الجوفية وتم خفض منسوب الشارع وإعادة رصفه وجعله للمشاة.
ونظرا للأهمية الأثرية والتاريخية للشارع قرر المسئولون في مصر, أن يتم افتتاح كل مرحلة من مشروع ترميم الشارع فور الانتهاء منها أمام الزيارة السياحية, وعلي ذلك كان يتم افتتاح ما يتم ترميمه تباعا, لكن التعديات لم تنته, وظلت تعترض مشروع الترميم نتيجة حجم التعديات في الشارع فضلا عن حركة سير السيارات وبخاصة المركبات ثقيلة الوزن مما كان ينتج عنه هبوط في منسوب الشارع, وهو ما كان ينعكس بالتالي علي المواقع الأثرية الموجودة فيه, وظل فريق الترميم يضغط بكل الوسائل المشروعة للخروج بقرار رسمي يمنع مرور مثل هذه المركبات في الشارع وإغلاقه إلا من المشاة فقط, حفاظا علي الشارع وتاريخه وما يضمه من كنوز أثرية, وتحويله إلي متحف مفتوح, إلي أن تحقق هذا الأمل أخيرا, وصدر قرار بتحويل الشارع إلي متحف مفتوح وإغلاقه أمام المركبات الكبيرة, فضلا عن إعداده بالشكل الذي يليق بأهمية وتاريخ الشارع.
وقد افتتحت السيدة سوزان مبارك قرينة الرئيس حسني مبارك شارع المعز لدين الله الفاطمي ومتحف النسيج المصري بالقاهرة الفاطمية كما افتتحت مسجد السلطان برقوق ومسجد قلاوون وقامت بجولة لتفقد المباني والمواقع الأثرية بعد ترميمها وإعداد وتحويل شارع المعز التاريخي الأثري إلي مزار سياحي عالمي.
وقال فاروق حسني وزير الثقافة إنه سبق المشروع عملية تحضير كبيرة من دراسات وإن عملية التطوير كانت تجربة بها شئ من المغامرة لصعوبة دخول هذه المنطقة وكثرة التعديات والتي كانت غريبة ومتواصلة بجميع ما يتصل بها من الحياة, وكانت إزالة هذه التعديات في منتهي الصعوبة.
وقال د.زاهي حواس أمين عام المجلس الأعلي للآثار: قمنا بترميم جميع الآثار بالشارع ترميما معماريا كاملا, كما قامت الوزارة بتطوير وترميم الشارع بهدف التأكيد علي الطابع المعماري الفريد للمكان.