بقلم: وليم فاف
لم تعد الصين والهند جزءا من العالم الثالث, منذ أن اختفي العالم الثاني (العالم الشيوعي) في مشهد مدو بدد الأوهام العالمية عام .1989 ومنذ ذلك الحين, احتدم البحث من أجل العثور علي قطب مهيمن عالمي جديد, وابتهجت الولايات المتحدة لسنوات قليلة بعد أن أصبحت القوة العظمي الوحيدة في العالم, واعتبرت أن ما حدث قد وفر لها فرصة لإعادة صياغة العالم وفقا لنموذجها, وبما يحقق مصالحها الخاصة.
ثم جاء هجوم الحادي عشر من سبتمبر ليمنحها الفرصة والتشجيع ويدفعها لمحاولة إعادة صياغة الشرق الأوسط وآسيا, ولكن جهدها في هذا المجال لم يثمر النتائج المرجوة. ففي أفغانستان والعراق, وجدت نفسها غارقة في مأزق لا تستطيع الفكاك منه.. كما تورطت علي نحو أعمق وأكثر خطورة في الشئون العسكرية والسياسية لباكستان, وفي الملف النووي الإيراني المعقد, وفي التعامل مع جموح الحكومة الإسرائيلية الخارجة عن نطاق السيطرة؟
وبعد ذلك, جاءت الأزمة الاقتصادية, وسقوط مؤسسات الائتمان, وزالزال ##وول ستريت##, والانقلاب غير المتوقع للرأي العام العالمي علي النموذج الأمريكي للرأسمالية المعولمة, وتبع ذلك الإجماع الشامل علي أن هذا النظام يجب أن يستبدل بنظام آخر يقوم علي شروط وأسس عولمية وليس أمريكية.
وبسرعة وضعت الصين علي الطاولة, وبشكل واثق, مطالبها بأن تكون لها وضعية وسلطة دولية. وهذا يستدعي الاعتراف بمرتبتها الجيوبوليتيكية, ووزنها الدبلوماسي, وإيقاف المعارضة والتدخلات الدولية فيما يتعلق بتبعية ##التبت##, وتايوان لها, وكذلك الجزر المتنازع بشأنها في بحر الصين الجنوبي.
وتريد الصين أيضا احترام العالم لها اقتصاديا وسياسيا, علي أساس أنها الدولة التي ظلت, ولا تزال, تسد العجز الأمريكي لسنوات. كما أنها لم تتأثر بالشكاوي الأمريكية والأوربية الغربية بشأن تحكمها في سعر التحويل الخاص بعملتها المحلية, وبشأن سياساتها التجارية, وممارساتها الاستغلالية, من أجل تأمين المواد الخام من الدول الأجنبية لتغذية صناعتها المزدهرة والآخذة في النمو.
وكان الكثيرون قد رشحوا الصين كي تكون نموذجا للنمو الاقتصادي السريع, ولكي تحتل قمة العالم عبر حشد طاقات وطموحات شعبها.
وفي الوقت نفسه, تمت ترقية الهند لتحتل المرتبة الثانية في المنافسة الآسيوية, من خلال إظهار الكيفية التي يمكن بها تحقيق نتائج مماثلة للنمو الصيني من خلال وسائل أكثر رأفة وإنسانية, وبواسطة حكومة ديمقراطية.
وبعبارة أخري, يمكن القول إن الصين قد نجحت في الحصول علي شهرتها الباهرة لدي الغرب من خلال نموها السريع ومستويات المعيشة المرتفعة للغاية التي تنعم بها أقلية من الصينيين. وحصلت الهند علي الشهرة نفسها التي حازتها الصين للأسباب نفسها مضافة إليها ميزة الديومقراطية.
وفي كلتا الحالتين, تم تحديد مرتبة كل دولة عالميا بناء علي مقارنة أرقام الناتج المحلي الإجمالي المتحصل في هذه الحالة -مبدئيا علي الأقل- من إنتاج سلع غير متطورة نسبيا يجري تصديرها علي نطاق واسع للأسواق الغربية.
وهذا الوضع يتغير الآن بيد أنه سيمضي وقت طويل قبل أن تتمكن الصين والهند من إنتاج سلع متطورة فائقة التقنية, ذاتية التصميم, ولديها القدرة علي المنافسة مع المنتجين في أوربا وأمريكا الشمالية. كما ستكون هناك حاجة لمرور وقت طويل أيضا قبل أن تقترب الدخول الفردية -نسبيا- للمواطنين الصينيين والهنود من المستويات الأوربية والأمريكية الشمالية.
وبهذا المقياس ربما يحق لمعظم الملاحظين تسمية الاتحاد الأوربي باعتباره هو القطب العولمي الجديد. وينبغي هنا الانتباه للدور المدمر الذي تلعبه السياسة, والذي ربما يكون قد أثر علي حظوظ الصين: فالصين أمامها استحقاق انتقالي, شديد الخطورة, لم يتم حله حتي الآن, من سلطوية الحزب الواحد الذي يتم حكمه من قبل قيادات معينة -وليست منتخبة- إلي نظام آخر أكثر مشاركة وديموقراطية. والنظام الأول هو الذي أعطي الصين علي مدار نصف قرن حكومة مستبدة, وفي أحيان أخري حكومة تضاهي الستالينية أو تفوقها أحيانا.
أما الديموقراطية الهندية, فهي ديموقراطية حقيقية, وإن كانت متداعية, علي المستويات المحلية.
وتبقي أخيرا حكومة أوباما (أو لعله من الأفضل القول أمريكا المؤسساتية), فقد قبلت دون تردد العمل بتلك السياسة الخارجية العقيمة القائمة علي شن الحرب علي القطب الحقيقي, أو حتي المتوقع لآسيا.
فقد دأبت أمريكا علي إثارة المشكلات مع اليابان (القوة الصناعية الحقيقية في آسيا) من خلال الإصرار علي سياسة قد تكون مربحة, ولكنها بالتأكيد كارثية من الناحية السياسية وتتمثل في إدامة وضعية شبه الاحتلال لأوكيناوا من قبل سلاح المارينز الأمريكي.
وتجاه الصين, نجد أن الولايات المتحدة ملتزمة بضمان أمن تايوان التي تطالب الصين بضمها لأراضيها, مما يخلق مشكلات تتجدد من آن لآخر بين الدولتين.
علي أن موضوع تايوان تحديدا ينبغي أن يجد له حلا معقولا إذا ما تمكن وزراء الخارجية الأمريكيون والسلطات الحكومية الصينية من تجنب رطانة الشجب الحاد والمتبادل, وممارسة الابتزاز الاقتصادي والسياسي بشأن موضوعات دولية شائكة أخري ليست لها علاقة بآسيا.
إن التقدم الاقتصادي والتطور السياسي هما اللذان يحددان في النهاية من هو القطب العالمي الحقيقي في آسيا. والصين التي تتمتع باستمرار تاريخي يمتد إلي العصر البرونزي تعرف جيدا كيف تنتظر وهو ما يعرفه التبتيون أيضا, علي عكس رجال ونساء- الدولة الأمريكيين الذين لا يستطيع المرء أن يكون واثقا بتحليهم بقدر مماثل من سعة الصبر.
واشنطن بوست