ليست إرادة الشعب…ولا صندوق الانتخابات…إنه الإرهاب السياسي!!
يبدو أنه مقدر لهذا البلد أن يظل في حالة ثورة وصراع وانقسام وطني في كل مرحلة من مراحل تحوله السياسي بعد ثورة 25يناير…مرحلة ثورة الشباب نجحت في الإطاحة بنظام مبارك لكن افتقادها للقيادة والرؤية أوقعها ضحية قوي
ليست إرادة الشعب…ولا صندوق الانتخابات…إنه الإرهاب السياسي!!
يبدو أنه مقدر لهذا البلد أن يظل في حالة ثورة وصراع وانقسام وطني في كل مرحلة من مراحل تحوله السياسي بعد ثورة 25يناير…مرحلة ثورة الشباب نجحت في الإطاحة بنظام مبارك لكن افتقادها للقيادة والرؤية أوقعها ضحية قوي الإخوان المسلمين والسلفيين الذين اختطفوها لحساب أجنداتهم الخاصة…مرحلة التعديلات الدستورية شابها الكثير من التوجسات بفضل التشكيل الغريب للجنتها وها هي التوجسات يثبت أنها لم تكن من فراغ لأن ما تم صياغته من بنود التعديلات الدستورية -سواء بسبب الهوي أو بسبب الرعونة-أدي إلي مشاكل جمة في التطبيق وانتهي بسحب الشرعية من الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور بعد أن ولدت مشوهة وعنصرية…مرحلة الاستفتاء علي التعديلات الدستورية أيضا جاءت مرتبكة وغير ديموقراطية بعدما قامت القوي الدينية باختطافها بتزييف إرادة البسطاء وإيهامهم بأن التصويت بنعم هو تصويت في صالح الإسلام!!!
ثم مضت مصر في هذا الطريق الوعر لا تكاد تعبر مأزقا حتي تدخل في مستنقع لاتعرف كيف تخرج منه…استفحلت الجريمة واستباح الغوغاء والمجرمون القانون وهيبه الدولة دون أدني انتفاضة من الدولة للدفاع عن هيبتها أو أمن مواطنيها…حتي استعرت معركة الانتخابات البرلمانية-واعتقدت وقتها أن تلك المعركة من شأنها أن تضع المصريين وثورتهم علي الطريق الصحيح-لكن تبين أن تديين الاستفتاء في19مارس فتح شهية القوي الدينية التي تطلق علي نفسها قوي سياسية في استخدام نفس الأدوات في الانتخابات البرلمانية,ولم لا؟…ألم تسمح لجنة الأحزاب بتمرير تلك القوي الدينية تحت مسميات سياسية سرعان ما تهاوت وظهر وجهها الحقيقي دون أدني تدخل من اللجنة لإيقاف ذلك العبث؟…وجاءت بعد ذلك لجنة الانتخابات البرلمانية التي أظهرت كل المرونة والتسامح وغض النظر إزاء الممارسات الصادمة لتديين انتخابات مجلسي الشعب والشوري,ولم تتدخل لإيقاف تلك الممارسات, الأمر الذي صدر مفاهيم خطيرة للتيارات الدينية مؤداها أن السلطة ترهبها وأنها أصبحت تسيطر علي الساحة السياسية ولها أن تفعل ما تشاء!!!
إذا لم تكن غريبا بعد كل ذلك أن نجد الأغلبية البرلمانية-ممثلة في حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للإخوان المسلمين,وحزب النور الذراع السياسية للسلفيين-تتنكر لوعودها السابقة بعدم الاستحواذ علي السلطة,وتندفع لتنقض علي آليات العمل البرلماني في مشهد يعيد للأذهان سطوة وسيطرة وعنجهية الحزب الوطني الديموقراطي قبل الثورة…وبلغ بها غرور القوة أن تتحدي سائر القوي السياسية والوطنية باختطاف تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور,ومضت قي زهوها بالهيمنة علي الجمعية حتي أوقعها حكم محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة وأسقط شرعية الجمعية التأسيسية ليعود البرلمان إلي المربع رقم(1) لإعادة تشكيل الجمعية.
ووسط هذا اللغط والارتباك والفوضي السياسية تدخل مصر سباق انتخابات رئاسة الجمهورية,هذه المرحلة الحاسمة في إعادة تشكيل مؤسسات الدولة بعد الثورة,وكأننا فرغنا من ترتيب البيت من الداخل استعدادا لإنهاء مسار التحول الديموقراطي وتسليم السلطة إلي رئيس قوي وعودة العسكر إلي ثكناتهم في الموعد المحدد(2012/6/30)!!
لم نكد نبدأ حملات الترشيح لانتخاب رئيس للجمهورية حتي بدأت ملامح التخبط والهزل,فبدعوي تكافؤ الفرص بين المصريين دستوريا وجدنا نماذج مضحكة مبكية تتقدم لسحب أوراق الترشح,لكن لم يفزغي ذلك لأن العبرة ليست بمن يسحب الأوراق, إنما بمن يتقدم بالأوراق مستوفاة شروط الترشح…وانتقلنا بعد ذلك إلي مرحلة تصفية المرشحين والتي شهدت أعلي درجات السخونة والانتهازية السياسية التي نعيش فصولها هذه الأيام,فبجانب نماذج من المرشحين لا يمتلكون الخبرة السياسية والرؤي والبرامج المهمة لهذا المنصب,هناك المرشحون الذين يعوزهم الصدق في تقديم أنفسهم للمصريين-وعندما أقول تقديم أنفسهم للمصريين أقصد كل المصريين وليس أتباعهم الدينيين أو الحزبيين فقط-لأن اللافت للنظر في الخطاب السياسي لأولئك المرشحين أنهم غير واعين لكونهم يخوضون انتخابات رئاسية لمنصب رئيس الجمهورية-رئيس كل المصريين-ويتصرفون كأنهم يخوضون انتخابات فئوية أو حزبية ويفضحهم في ذلك خطابهم السياسي,كما تفضحهم محاولاتهم للكذب علي المصريين والإصرار علي استحقاقهم الترشح للرئاسة!!!
أما أقسي درجات الانتهازية السياسية فتظهر في الإرهاب السياسي الذي أصبح يسيطر علي ساحة الانتخابات الرئاسية,فها هو المرشح السلفي حازم أبو إسماعيل يمارس إرهابه علي القضاء عندما يقول:إذا أصروا علي أن والدتي أمريكية فلن تمضي الأمور بسهولة!!!….والحقيقة أنني وجدت في ذلك التصريح أبلغ انتهاك لسيادة الدولة وأبلغ إرهاب للسلطة القضائية,لكن لم يحدث شئ,لذلك ليس غريبا أن يمضي هذا المرشح في ممارسة لغة التهديدات والترويع وتحريض أنصاره علي العنف.
والآن ننتقل إلي الهجمة الأخيرة التي شنها البرلمان علي المرشحين المتهمين بالانتماء إلي نظام مبارك:أحمد شفيق وعمر سليمان,وهي الهجمة التي قد يطعن بعدم دستوريتها,وكلها محاولات ظاهرها الدفاع عن الثورة وباطنها الإطاحة بمرشحين لحساب مرشحين آخرين.
لماذا لا نترك الأمر برمته لتحسمه إراده الشعب وصندوق الانتخاب؟…لماذا هذا الإرهاب السياسي؟!!