أحداث ملتهبة عشناها قبل حسم سباق الرئاسة وهي الخاصة بأحكام المحكمة الدستورية العليا التي صدرت الخميس الماضي بشأن عدم دستورية قانون العزل السياسي وكذلك عدم دستورية انتخابات مجلس الشعب…هذان الحكمان
أحداث ملتهبة عشناها قبل حسم سباق الرئاسة وهي الخاصة بأحكام المحكمة الدستورية العليا التي صدرت الخميس الماضي بشأن عدم دستورية قانون العزل السياسي وكذلك عدم دستورية انتخابات مجلس الشعب…هذان الحكمان التاريخيان كانا عنوان الحقيقية وأعادا الأمل للمصريين في أن السلطة القضائية ستظل عزيزة قوية شامخة لا تتأثر بأي تيارات سياسية…صحيح أن المشهد عقب صدور الأحكام لم يخل من أصوات معترضة وصارخة-بل ومحرضة-لكن القراءة المتأنية لحيثيات الأحكام تبعث الطمأنينة بأن المحكمة اضطلعت بدورها في ترسيخ العدالة بكل احترام وإلي المنتهي.
والآن… حتي إذا أصبح لمصر رئيس جمهورية,وخرجنا بسلام من مستنقع إختطاف الرئاسة,فهو رئيس جمهورية بدون دستور وبدون برلمان وللأسف الفضل في ذلك يرجع إلي موسم المغامرات البرلمانية الذي عشناه طوال الأشهر السبعة الماضية والتي انتهت بحل مجلس الشعب وبالعودة إلي المربع رقم(1) في مسار تشكيل الجمعية التأسيسية بكتابة الدستور, لكن هل ينتظر رئيس الجمهورية إعادة انتخاب مجلس الشعب ثم كتابة الدستور ليحلف اليمين ويبدأ مباشرة سلطاته والاضطلاع بالمهام الجسام التي تنتظره؟…بالقطع لا…لذلك كان من المحتم الاحتكام إلي تعديل الإعلان الدستوري الذي يحكم مصر في هذه الفترة لاستكمال تحديد صلاحيات الرئيس وللنص علي أدائه اليمين أمام رئيس المحكمة الدستورية العليا.
توقفت طويلا أمام هذا التوجه الذي يتعامل معه الكثيرون علي أنه مجرد روشتة إنقاذ يلجأ إليها المجلس الأعلي للقوات المسلحة ليسد الفراغ التشريعي الناتج عن حل مجلس الشعب وعدم وجود دستور جديد…لكني في الحقيقة لم أجد في اللجوء إلي المحكمة الدستورية العليا لحلف اليمين إجراء مؤقتا تمليه الضررة الاستثنائية فقط, بل وجدت فيه صورة تفيض بالوقار والاحترام تستحق أن يتم ترسيخها لتقليد دائم في الدستور الجديد,أن يقف رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب ليحلف اليمين أمام رئيس المحكمة الدستورية العليا الذي يجلس بدوره علي قمة هرم السلطة القضائية في البلاد…إن في ذلك رمزا في غاية الأهمية,فالرئيس يملك صلاحية حل البرلمان-حتي وإن كانت صلاحية ضيقة للغاية ومكبلة دستوريا بضوابط صارمة-لكنه لا يملك صلاحية التدخل في عمل السلطة القضائية ولا يستطيع استباحة الحصانة التي يتمتع بها رئيس المحكمة الدستورية العليا ضد العزل…إذا البرلمانات تجئ وتذهب بينما المحكمة الدستورية العيا باقية راسخة بل وأمينة علي الدستور ورقيبة علي جميع التقاليد والإجراءات والمسارات التشريعية والسياسية,فهي بالتالي الجهة الأنسب ليحلف الرئيس المنتخب اليمين القانونية أمامها.
ذلك المنحي قادني أيضا لأتأمل كيفية التعامل مع مأزق تشكيل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور,فقد عايشنا جميعا المسار المؤسف الذي اتبعته الأغلبية البرلمانية في تشكيل تلك الجمعية بمحاولة اختطافها بالكامل لحساب التيار الديني داخل مجلسي الشعب والشوري,ثم بعد الحكم بعدم دستورية تشكيلها علي ذلك النحو عايشنا مرة أخري سلسلة المناورات التي اتبعتها الأغلبية البرلمانية ذاتها للإبقاء علي هيمنتها علي تشكيل الجمعية,الأمر الذي فجر سلسلة من الطعون والاحتجاجات والانسحابات من جانب باقي أطراف الخريطة السياسية والشعبية لم يتسع الوقت لحسمها قضائيا لأن حكم حل مجلس الشعب سبق ذلك.
لماذا إذا لا يتم تعديل الإعلان الدستوري بتكليف المحكمة الدستورية العليا بوضع تشكيل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور؟فالمحكمة الدستورية العليا تتمتع بكامل الاحترام والثقة والحياد علاوة علي ترفعها عن المشاركة في الجمعية التأسيسية وبالتالي تنتفي أية مصلحة لها في اختياراتها لأعضاء الجمعية إلا المصلحة الوطنية والتوازن الحقيقي لتمثيل سائر أطياف الشعب المصري بما يحقق روحا وطنية سامية تسود علي مائدة كتابة الدستور ويعيد التوافق الوطني المفقود ويقضي علي الشد والجذب وعدم الثقة والتخويف والتخوين الذي باعد بين كل الأطراف وأقحم فكر سيادة الأغلبية علي الأقليات حتي في كتابة الدستور!!!
آن الأوان ونحن نعيد تشكيل دعائم حياتنا السياسية بما يسمح بممارسة ديموقراطية صحيحة وتداول للسلطة التشريعية والتنفيذية أن نرسخ بكل قوة استقلال السلطة القضائية,ونعطي صلاحيات دستورية رفيعة وسامية لقمة هرم هذه السلطة وهي المحكمة الدستورية العليا…إن فعلنا ذلك ستكون السيادة الحقيقية للشعب مصانة ومحصنة ضد أية أهواء أو مغامرات قد تستدرجنا فيها أغلبية برلمانية وقتية.