يري مسئول أمني سابق أن يطرح عند انعقاد طاولة الحوار في القصر الجمهوري سؤالا واحدا علي ##حزب الله## كي يصير في ضوء الجواب عليه وضع ##الاستراتيجية الدفاعية## التي تقتضيها متطلبات المرحلة. وهذا السؤال هو: متي تنتهي وظيفة سلاح المقاومة؟ لأن الأجوبة عن هذا السؤال ليست واحدة حتي الآن, خصوصا في الفترة الاخيرة. فإذا جاء الجواب مقنعا ومرضيا للمتحاورين لا يعود موضوع السلاح خارج الشرعية مشكلة تثير الخلافات والانقسامات بين اللبنانيين.
لذلك علي ##حزب الله##, الذي تجنب إعطاء تصوره للاستراتيجية الدفاعية حتي الآن مكتفيا بالاستماع أو الاطلاع علي ما لدي الآخرين من تصور في هذا الشأن أن يجيب علي سؤال: متي تنتهي وظيفة سلاح المقاومة؟ هل تنتهي عند تحرير ما تبقي من الأراضي اللبنانية التي تحتلها إسرائيل؟ هل تنتهي عند توقيع اتفاق سلام بين لبنان وإسرائيل كي لا يظل خطر عدوانها ماثلا ويبرر الإبقاء علي هذا السلاح؟ هل تنتهي عندما تستعيد سورية هضبة الجولان وليس عندما تنسحب إسرائيل من بقية الأراضي اللبنانية فقط ويتم توقيع سلام بين لبنان وسورية من جهة وإسرائيل من جهة أخري؟ هل تنتهي عندما تقوم الدولة الفلسطينية, وبقيامها يتحقق السلام الشامل في المنطقة وينتهي معه الصراع العربي _ الإسرائيلي والفلسطيني _ الإسرائيلي؟ هل تنتهي وظيفة سلاح المقاومة عندما يعود اللاجئون الفلسطينيون في لبنان إلي ديارهم عملا بحق العودة ويزول بعودتهم خطر توطينهم في لبنان؟ هل تنتهي وظيفة هذا السلاح عندما يتم التوصل إلي اتفاق حول موضوع الملف النووي؟
إن الأجوبة عن هذه الأسئلة وغيرها هي التي ترسم صيغة ##الاستراتيجية الدفاعية##, وهي التي تجعل اللبنانيين علي اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم يوافقون عليها, فيصبح سلاح المقاومة عندئذ ميثاقيا لا يهدد صيغة العيش المشترك ولا الوحدة الوطنية, أما إذا جاءت الأجوبة غير مرضية أو مقنعة لجميع اللبنانيين, فعندها يصبح بقاء هذا السلاح مصدر تهديد للعيش المشترك وللوحدة الداخلية.
ويعتقد المسئول الأمني السابق أن اللبنانيين يلتقون علي بقاء سلاح المقاومة كقوة مساندة وداعمة لقوات السلطة المسلحة إلي أن تنسحب إسرائيل من بقية الأراضي اللبنانية التي لا تزال تحتلها شرط أن يوضع هذا السلاح بإمرة القيادة العسكرية وبإمرة السلطة اللبنانية التي يشارك فيها ##حزب الله##, وهو ما يجعله مطمئنا عند صدور أي قرار في شأن هذا السلاح, وأن تحرير بقية الأراضي اللبنانية قد يتم بالوسائل الدبلوماسية وليس حكما بالوسائل العسكرية, حتي إذا ما تحقق ذلك, فإن اتفاق الهدنة هو الذي يحكم العلاقات بين لبنان وإسرائيل وليس اتفاق سلام أعلن لبنان أنه لن يوقعه إلا بعد أن توقعه جميع الدول العربية, وتحديدا سورية. ولن يقبل فريق من اللبنانيين أن يبقي سلاح المقاومة إلي أن يتحقق السلام الشامل, أو إلي أن تتأمن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلي ديارهم, لأن هذا الموضوع لا يعني لبنان وحده بل يعني جميع الدول العربية والأسرة الدولية.
إلي ذلك فإن الخلاف بين اللبنانيين ليس علي سلاح المقاومة وقد نجح في تحرير جزء كبير من الجنوب المحتل, بل علي مدة بقاء هذا السلاح وعلي المرجعية التي تأمر باستخدامه, لئلا يساء استخدامه في الزمان والمكان الخطأ, أو في التوقيت الخطأ, خصوصا إذا ما قامت عناصر توصف بأنها غير منضبطة بتعكير الأمن في الداخل فتتكرر أحداث 7 مايو…
لقد تبين من ##الوثيقة السياسية## لـ##حزب الله## أن السلاح هو الثابتة الأساسية للحزب, وكل ما عدا ذلك تفاصيل, فاقترحت ##المزاوجة## بين سلاح الحزب وسلاح الجيش, وهي مزاوجة لا يعرف أحد إلي متي تستمر لتحقيق نوع من المساكنة أو التعايش بين الجيش والمقاومة, مع أن لكل منهما أسلوبه وعقيدته وأهدافه, وهذه المزاوجة تعني الإبقاء علي الوضع الراهن ما دام لبنان معرضا لأخطار إسرائيل وأطماعها. واذا كانت هذه ##المزاوجة## تعني أن الحزب بات جزءا من الدولة, فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل الحزب سيكون حزب الدولة أم تكون الدولة للحزب, أو تكون هي الحزب… خصوصا أن الحزب يعتبرها الآن غير موجودة؟ وإذا كان الحزب قرر دخول الدولة والنظام فهل قبل أن تكون الدولة دولة, لا ساحة؟ وكيف يمكن التوفيق بين التزام الدولة اللبنانية تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته والقول بحق ##حزب الله## تزود السلاح بشتي أنواعه وبمختلف السبل حتي لو تعارض ذلك مع سيادة الدولة اللبنانية والتزاماتها الدولية.
وإذا كان ##حزب الله## دخل بموجب وثيقته السياسية النظام اللبناني وهو النظام الجمهوري الديموقراطي البرلماني, فلماذا يطالب بتطبيق ##الديموقراطية التوافقية## إلي أن يتم التوصل إلي إلغاء الطائفية, وإذا تم هذا الإلغاء بنصوص قبل تنفيذ الإجراءات التي تلغي الطائفية من النفوس, فإن الطائفة الكبري هي التي تحكم عندئذ الطوائف الصغري…
وفي انتظار التوصل إلي إلغاء الطائفية تبقي ##الديموقراطية التوافقية##, التي لا وجود لها في دستور الطائف, هي التي تطبق, وتطبيقها هو أشبه بفيدرالية الطوائف المرفوضة من الحزب, إذ أن امتناع أي طائفة عن المشاركة في الحكومة يجعلها غير شرعية وغير ميثاقية وإعطاء حق ##الفيتو## لكل طائفة لإبطال أي قرار غير مقبول منها, هو تعطيل لعمل الدولة وشل لمؤسساتها وهو ما حصل مع حكومات سابقة سميت حكومات ##وحدة وطنية## عندما استقال الوزراء الشيعة منها احتجاجا علي مشروع النظام الأساسي للمحكمة ذات الطابع الدولي, ومحاولة إسقاط تلك الحكومات في الشارع. وأن حكومات مماثلة يتم تشكيلها تطبيقا للديموقراطية التوافقية, قد يطلب ##حزب الله## منها, وهو شريك فيها, وبموجب وثيقته, الانتقال من ##دحر الاحتلال## إلي ##إزالة الكيان الصهيوني من الوجود##, ومن مواجهة ##المشروع الأمريكي## إلي ##إسقاطه نهائيا##.
كذلك فمن الأهمية بمكان الإجابة عن سؤال محوري هو: متي تنتهي وظيفة سلاح ##حزب الله## بأهدافه المحلية والعربية والإقليمية والدولية, فإذا كان سيبقي من أجل تحقيق كل أهدافه الواردة في الوثيقة, فمعني ذلك أنه باق إلي أجل غير معروف, وصيغة ##النظام التوافقي## باقية إلي أن تلغي الطائفية السياسية او الي ان تسنح الظروف بتغيير النظام برمته في لبنان وهو تغيير قد يقضي علي صيغة العيش المشترك وعلي الوحدة الوطنية, وربما علي وحدة لبنان أرضا وشعبا ومؤسسات.
عن النهار اللبنانية