جددت جائحة كورونا الخلافات القديمة وأعادت اختبار قدرة الاتحاد الأوروبي على إدارة الأزمات وصياغة رد على أزمة الخلاف حول “سندات كورونا” أو “كورونا بوندز” التي تطالب بها الدول الأشد تضررا من الوباء من إصدار الاتحاد الأوروبى لها فيما ترفضه الدول الغنية
حيث يتركز الخلاف بين دول شمال أوروبا المحافظة ماليا كألمانيا وهولندا، والنمسا , وفنلندا ودول الجنوب الأشد تضررا من أزمة كورونا كإيطاليا وإسبانيا، بشأن إمكانية إصدار سندات مشتركة لدول الاتحاد تعرف باسم “سندات اليورو” لمساعدة الدول الأشد تضررا في الاقتراض من الأسواق المالية بتكلفة محتملة
وتطالب إيطاليا وإسبانيا، وفرنسا وبعض كبارالمسؤولين في الاتحاد الأوروبي، بما باتت تعرف بـ”سندات كورونا” التي ستسمح للبلدان الأكثر تأثّرا بفيروس كورونا المستجد بجمع التمويل عبر أسواق المال تحت مظلة الاتحاد الأوروبي , ويوضح المدافعون عن الفكرة أن من شأن ذلك خفض تكاليف ديون هذه الدول وهو ما يعني أنه سيكون بإمكانها جمع الأموال دون الإعلان عن نفسها أنها مفلسة.
ايطاليا… سندات كورونا”
وتعد إيطاليا من بين عدة دول في جنوب أوروبا تطالب بأدوات دين مشتركة لمواجهة التداعيات الاقتصادية لتفشي فيروس كورونا المستجد , اعتبر رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي في تصريحات لوسائل إعلام ألمانية , أن تجاوز الصدمة التاريخية الناجمة عن أزمة كورونا المستجد يتطلب من الاتحاد الأوروبي توظيف “قوته الكاملة”، مشددا على دعواته لتقاسم الديون أوروبيا, وأكد لصحيفة “سودويتش تسايتونج” الألمانية مطالبته باللجوء إلى “سندات كورونا” المثيرة للجدل لتقاسم الدين , وقال: نواجه أكبر صدمة منذ الحرب العالمية الثانية وعلى أوروبا أن تتوصل إلى رد, وأصر على ضرورة تراجع هولندا وألمانيا عن معارضتهما لسندات كورونا مؤكدا عزمه على مواصلة الدفاع عما وصفها بـ”أداة مالية مشتركة وطموحة ومنصفة , وأضاف: أن سندات كورونا أو “كورونا بوندز” لن “تراكم ديونا سابقة أو مستقبلية” بل ستكون “مصممة بشكل خاص ولمدة محددة .
وقال كونتي: لم ننس كيف أُجبر اليونانيون على بذل تضحيات غير مقبولة من أجل الحصول على القروض, وأعرب عن عدم ثقته بأن الشروط ستكون أخف هذه المرّة , وأصر كونتي على أن “سندات كورونا” هي الطريقة الوحيدة التي سيكون بإمكان التكتل عبرها إيصال رسالة إلى العالم مفادها أن “أوروبا صلبة وموحّدة
وقال رئيس الوزراء الإيطالي: إن بلاده التي كانت الأكثر تأثّرا بالوباء في أوروبا تركت “وحيدة” عندما بدأ الفيروس تفشيه في فبراير.
تأسيس آلية جديدة لتبادل
أما رئيس الوزراء الإسباني بيدروسانشيز حض الاتحاد الأوروبي على إصدار”سندات كورونا”، وهي آلية ديون متبادلة مثيرة للجدل لمساعدة دول التكتل الأكثر تأثّرا بكوفيد-19 على تمويل جهودها لدرء التداعيات الاقتصادية المدمرة للوباء, وكتب سانشيز في نسخة الأحد من صحيفة “فرانكفورتر ألغمايني زايتونغ” الألمانية “حان وقت تبادل الديون”.
وأضاف: حان وقت التحرّك بتضامن عبر تأسيس آلية جديدة لتبادل الديون والتحرّك بشكل موحد لجلب المعدات الطبية الضرورية ووضع استراتيجيات منسّقة ضد الجريمة عبر الإنترنت وإعداد خطة شاملة من أجل تعافي القارّة بشكل سريع وملموس.”
وأشار, إلى أن هذا النوع من التحرّك المشترك سيعني “أنه لا توجد فجوة تفصل بين الشمال والجنوب وأنه لن يتم التخلي عن أحد”.
وأضاف: يمكن “لآلية الاستقرار”أن تكون نافعة مبدئيا عبر ضمان حبل نجاة ماليا للاقتصادات المتضررة، لكنه “لن يكون كافيا على المدى المتوسط , وأضاف : التحدي الذي نواجهه هائل وغير مسبوق. يحتاج إلى استجابة قوية للغاية وطموحة وتتم بالإجماع للمحافظة على منظومتنا الاقتصادية والاجتماعية.
التعافي ..ضمان لوحدة منطقة اليورو
لكنّ فرنسا: مصرّة على أن الدمار الاقتصادي الذي ألحقه مرض كوفيد-19 يتطلب طريقة تفكير جديدة في أوروبا، وهي تريد من الدول الأعضاء مساعدة بعضها البعض بطرق غير مسبوقة. وقال وزير المالية الفرنسي ، برونو لومير، لـ”فرانس 2″ إنه “ليس هناك بالنسبة لأوروبا شيء أسوأ من أن تتمكن بعض الدول من التعافي بسرعة لأنها غنية، بينما دول أخرى ستنهض ببطء فقط لأنها لا تملك تحمل التكلفة , كما أضاف نحتاج جميعا إلى التعافي بنفس السرعة لضمان التماسك والتضامن والوحدة في منطقة اليورو.
واعتبرت باريس أن الدول الـ27 الأوروبية لن تتوافق قبل بضعة أسابيع على خطة الإنعاش الأوروبي واسعة النطاق التي تطالب بها خصوصا فرنسا وإسبانيا، عشية قمة للاتحاد الأوروبي عبر الانترنت وفي حين تتوافق معظم دول الاتحاد الأوروبي على الحاجة إلى تدابير دعم، إلا أن حجم هذه التدابير وأسلوب تمويلها وتقسيمها يثير خلافا عميقا بين الدول الـ27.
اعتبر الإليزيه أن “المحادثات ستمتد لأسابيع عدة.. سيكون من الواجب عقد اجتماع فعلي لرؤساء الدول والحكومات للقيام بالأمر، آملا في أن يتم التوصل إلى اتفاق خلال الصيف وشددت باريس على أنها لا تريد اتفاقا متعجلا بثمن رخيص، وحذرت من أن فرنسا لن تعطي موافقتها لاتفاق على موازنة أوروبية لا تشمل استجابة للأزمة، علما أن إقرار الموازنة الأوروبية يتطلب إجماع الدول الـ27 , كما تريد باريس أيضا، ألا تشمل تدابير الانعاش فقط قروضا للدول التي تواجه صعوبات مثل إسبانيا وإيطاليا، لكن أيضا تحويلات مالية في سياق آلية التضامن
وقالت الرئاسة الفرنسية: إذا لم تتم إعادة إطلاق سوقنا الموحدة ، محركنا، ستكون أوروبا في وضع صعب ، وكذلك بالنسبة للمنافذ الخارجية التي ستكون في وضع صعب التضامن الأوروبي يصب في مصلحتنا.
وأضافت:إذا قلنا إن الاستجابة للأزمة تكمن في أن يضع كل بلد خطة ، كبيرة قدر الإمكان بالنسبة الى الدول القادرة على ذلك ، وبحسب قدرة كل دولة للبلدان الأخرى، لن يكون ذلك محتملا على الصعيد الاقتصادي , وفي حال عدم الاتفاق بين الدول الـ27، لا تستبعد باريس أن تكون هناك “صيغ محدودة أكثر لوسائل التضامن واعتبرت فرنسا أن الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي ستبقى مغلقة حتى الصيف على الأقل.
لا اتحاد تحويل” أموال
بينما اتهمت مجلة “دير شبيجل” برلين “بالافتقاد إلى التضامن وضيق الأفق والجبن” عبر رفضها دعوات بقية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وجاء في افتتاحية المجلة أن “سندات اليورو هي سندات مشتركة لجميع دول منطقة اليورو، لا اتحاد تحويل” أموال , موضحة أنه من شأن سندات كهذه أن تجعل الإقراض أعلى ثمنا بالنسبة لألمانيا وأرخص بالنسبة لإيطاليا، إلا أن “برلين قادرة على تحمّل هذه الكلفة , وأضافت:”دير شبيجل” أنه “في المقابل، ستكون روما قريبا غير قادرة على الاستدانة وحدها في أسواق رأس المال كون معدلات الفائدة مرتفعة كثيرا”.
المانيا…ضبط الموازنات
رفضت ألمانيا، كغيرها من دول الشمال الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل هولندا، الفكرة مرارا معتبرة أنها مجرّد محاولة من دول جنوب القارة لاستغلال معدلات الفائدة على القروض المنخفضة التي تتمتع بها الدول ذات الموازنات المتوازنة.
وأكدت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، موقف حكومتها من تفعيل آلية الاستقرار الأوروبي الإنقاذية لتمويل الدول التي تحتاج الى مساعدة، دون أن تتطرق إلى مسألة الاقتراض المشترك.
كما أشادت ميركل بخطة البنك المركزي الأوروبي للتحفيز الاقتصادي والبالغة قيمتها 750 مليار يورو، من أجل تجنب أي كارثة اقتصادية.
وتحدثت المستشارة الإلمانية , أنجيلا ميركل حول سندات اليورو يرافقها منذ أن أصبحت مستشارة “كل قرار حول تثبيت قصير المدى لدولة عضو في الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون في انسجام مع الاستقرار البعيد المدى للوحدة الاقتصادية والنقدية”، قالت ميركل في عام 2010 في البرلمان الألماني وكان الاتحاد الأوروبي يعاني حينها من أزمة مالية، فاليونان وايطاليا والبرتغال واسبانيا وايرلندا كانت على هاوية الإفلاس.
وشددت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على الحاجة لضبط الموازنات رفضت هذه المقترحات بشدّة , وأوضحت ميركل أن حدود التضامن الأوروبي عندما قالت: “الشعب الألماني كان قد تخلى (عام 2000) عن المارك الألماني ثقة منه في يورو مستقر, وهذه الثقة لا يحق بأي حال من الأحوال أن تخيب ظنه .
وتابعت:لذلك أقول: الأوروبي الجيد ليس هو بالضرورة من يساعد بسرعة , فالأوروبي الجيد هومن يحترم العقود الأوروبية والقانون الوطني، ويساعد بذلك في أن لا يتضرر استقرار منطقة اليورو” ففي الفقرة 125 من اتفاقية عمل الاتحاد الأوروبي مدون أن كل دولة تتحمل مسؤولية ديونها فماذا ستقول المحكمة الدستورية الألمانية عن سندات اليورو؟ برلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتها البرلمان الألماني هي التي تقرر بشأن أموال دافعي الضرائب , وتعتبرميركل,أن سندات اليورو لا تنسجم مع الدستور الألماني وهي خاطئة اقتصاديا, والضمان الجماعي للديون ليس ممكنا بدون إمكانيات المراقبة والتدخل في الميزانيات الوطنية, مشيرة الى أن ألمانيا لا تريد التخلي عن السيادة الوطنية في القضايا المالية.
“آلية الاستقرار الأوروبية”
لكن السياسيين المحافظين في دول شمال القارّة يخشون أن تفضي الخطة في نهاية المطاف إلى تبادل جميع الديون السيادية لينتهي الأمر بدافعي الضرائب في بلدانهم إلى سداد فاتورة ما يعتبرونه تبذير دول جنوب أوروبا , وتخشى ظهور فجوة ومنح قسيمة لهذه الدول التي لا تتحكم منذ سنوات في ميزانياتها ولم تنفذ حتى الآن إصلاحات سياسية واقتصادية سندات اليورو مؤكدين أنه يمكن أن تعطي هذه الدول التشجيع على مواصلة عدم التقشف وعدم إصلاح ميزانياتها وكذا عدم إصلاح سوق العمل والأنظمة الاجتماعية ونظام الضرائب , وبعد محادثات مكثّفة عقدت في وقت سابق هذا الشهر، اتفاق وزراء مالية الاتحاد الأوروبي على حزمة إنقاذ مبدئية على صلة بكورونا المستجد تبلغ قيمتها نحو 500 مليار يورو (546 مليار دولار)، مع وضع اقتراح سندات كورونا جانبا وستصدر نحو 240 مليار يورو من “آلية الاستقرار الأوروبية”، وهو صندوق إنقاذ تابع للاتحاد الأوروبي تنظر إليه دول جنوب القارّة بريبة نظرا لفرضه إعادة هيكلة الاقتصاد كشرط لتقديم الدعم المالي.
أما ايطاليا واسبانيا المديونتين حاليا فهي تفضل السندات المشتركة على القروض من مظلة نظام الاستقرار الأوروبي وحتى فرنسا وستة بلدان أخرى تدعم الدعوة إلى تبني سندات اليورو.
مخاوف من تفكيك منطقة اليورو
وفى سياق ذات صلة حذر رئيس مجموعة اليورو ماريو سنتينو وزراء المال الأوروبيين من خطر “تفكك منطقة اليورو نتيجة وباء كورونا.
وقال سنتينو: الذي يتولى أيضاً حقيبة المال في البرتغال: لا شك في اننا سنخرج جميعا من الازمة مثقلين بديون أكبر بكثير, لكن هذا التأثير وتداعياته الطويلة يجب الا يصبح مصدر تفكك ووجه حديثه إلى وزراء 19 بلداً في مجموعة “يوروغروب”، إضافة الى دول الاتحاد الأوروبي غير الأعضاء في المجموعة : امهل رؤساء الدول والحكومات الـ27 في الاتحاد وزراءهم خمسة عشريوما لبلورة رد اقتصادي مشترك على الأزمة.
وأضاف:ثمة تفاهم على العناصر الرئيسية للرد السياسي في هذه المرحلة من ازمة فيروس كورونا تحسين الانظمة الصحية وتأمين السيولة التي تحتاج اليها الشركات للاستمرار وتعويض العمال الذين تم الاستغناء عنهم , وتابع:علينا بحث سبل استخدام الأدوات الموجودة ولكن علينا أن نبدي انفتاحا على درس حلول أخرى، اذا تبين ان الادوات الاولى غير ملائمة , وأبدى سنتينو استعداده لمناقشة اقتراحات ملموسة، مبررة وفاعلة، يمكن ان تساعدنا في تسريع وتيرة ردنا.