نظم مركز “بى لمباس” للدرسات القبطية بكنيسة السيدة العذراء مريم بمهمشة، برئاسة وحضور نيافة الحبر الجليل الأنبا مارتيروس أسقف عام منطقة شرق السكة الحديد، اللقاء الشهري المعتاد، حيث استضاف المركز الدكتور اسحق ابراهيم عجبان عميد معهد الدرسات القبطية والذى القى محاضرة هامة وشيقة عن ” تاريخ وحضارة مصر فى العصر القبطى ” بحضور العديد من الباحثين والدكاترة والمهتمين بالتراث والفنون القبطية والعديد من الآباء الكهنة والخدام.
وبدأ اللقاء بصلاة افتتاحية قادها نيافة الأنبا مارتيروس، ثم رحب بالدكتور اسحق عجبان و الحضور الكريم.
وقام المهندس أشرف موريس منسق اللقاءات بالمركز، بالتنويه عن المحاضرة وتقديم الدكتور اسحق عجبان ، والذي استعرض في بداية كلمته لمحة عن العصر القبطي باحداثه وحضارته فقال
يجمع العصر القبطي بأحداثه وحضارته بين المفهوم الديني والانتماء الوطني فاذا كان المقصود بالعصر القبطي هو تاريخ مصر في العصر المسيحي او الحقبه المسيحيه في مصر وهي الفتره التي انتشرت وسادت فيها المسيحيه في مصر فانه هو ايضا العصر الذي نشات وانتشرت وازهرت خلاله مظاهر الحضاره القبطيه من فكر وثقافه ومن لغه واداب ومن فنون وعلوم ومن عماره وموسيقي وهو بذلك يعتبر احد جذور الشعب المصري كله وليس مرحله زمنيه منغلقه علي الاقباط وحدهم بل هو جذر اشمل من ان نحصره في العقيده الدينيه فقط لانه جذر ثقافي وحضاري ايضا.
والعصر القبطي هو تاريخ من نتاج التفاعل الروحي مع الأسس والقيم والمبادي المسيحيه التي جاء بها الي مصر القديس مارمرقس أحد الرسل السبعين واحد الانجيلين الاربعه في منتصف القرن الاول الميلادي وصار يعرف بكاروز الديار المصريه وضياء كوره مصر وبهذا فان انتماء اصيل يرتبط بالعصر الرسولي ويسير جنبا الي جنب مع تاريخ المسيحيه ذاتها ويعتبر مارمرقس هو الاول في سلسله باباوات الاسكندريه الذين يبلغ عددهم مائه وثمانيه عشر بطريركا.
ولمصر أن تعتز انها استضافت السيد المسيح مع العائله المقدسه بعد ميلاده بفتره قصيره هروبا من مطارده هيرودس الكبير ملك اليهوديه (4037ق.م) وكان ذلك في عهد الامبراطور اوغسطس قيصر (30ق.م140م) وظلت العائله المقدسه بمصر حوالي ثلاث سنوات واحدي عشر شهرا (بحسب البرديه التي نشرتها جامعه كولون الالمانيه سنه 1997م) واثناء رحله العائله المقدسه صنع السيد المسيح المعجزات في ارض مصر قبل ان يصنعها في موطنه فلسطين.
وتحدد د.ليلي عبد الجواد اسماعيل اسباب انتشار المسيحيه في مصر الي ما تتميز به هذه الديانه من سمو المبادئ التي تدعو اليها والتي تمحورت حول المحبه والمساواه الاخاء والعداله.
وسري الإيمان المسيحي سريعا بين أبناء مصر وفي نفس الوقت لاحقته حلقات من الاضطهادات وسميت هذه الفتره عصر الشهداء او عصر الاستشهاد وقد وصلت الي ذروتها في عهد الامبراطور الروماني دقلديانوس (305.284م) واعتبر الاقباط تاريخ اعتلانه العرش سنه 284م هو بدايه التقويم القبطي واطلقوا عليه تقويم الشهداء وقد شمل الاستشهاد استشهاد مدن كامله منها اسنا واخميم وانصنا واستشهاد لجماعات كبيره او صغيره واستشهاد لعائلات الي جانب الاستشهاد الفردي.
وفي مارس313م أصدر قسطنطين مرسوم التسامح الديني مرسوم ميلان وما ان هدات موجات الاضطهاد حتي ظهرت بعض الانحرافات العقائديه التي تعرف باسم البدع او الهرطقات مما استلزم انعقاد مجامع مسكونيه لمواجهه هذه البدع هي مجمع نقيه سنه 325م ومجمع القسطنطينه 381م ومجمع افسس431م عرفت هذه الفتره ب عصر المجامع الي ان حدث الانشقاق الكبير بعد مجمع خلقيدونيه واستمر حتي القرن السابع الميلادي ووقف شعب مصر متحدا مع بطاركته واساقفته دفاعا عن عقيديه وقوميته.
ولتحديد فترة العصر القبطي تقول د.زبده محمد عطا في كتاب قبطي في عصر مسيحي من الممكن القول ب مصر المسيحيه ومن الممكن تحديد هذه الفتره مع بدايات القرن الاول وبدايه انتشار المسيحيه وتمتد هذه الفتره خلال الفتره الاسلاميه وخاصه بمقوماتها الحضاريه و الفنيه الي القرن الثامن الميلادي حيث مازلت هناك غالبيه من الاقباط المصرين علي المسيحيه وما زالت اللغه القبطيه مستعمله انذاك في مناطق عديده.
وللعصر القبطي تمهيد او مدخل يشمل القرون الثلاثه من الثالث الي الاول قبل الميلاد وهي مرحله بزوع الجذور التي نبتت منها بعض مظاهر الحضاره القبطيه من لغه وفن وموسيقي وغيرها ثم تاتي مرحله النمو والانتشار وتبدا بدخول المسيحيه مصر علي يد مارمرقس الرسول في منتصف القرن الاول وتاتي بعدها مرحله الازدهار من بدايه التقويم القبطي 284م ثم صدور مرسوم التسامح الديني سنه 313م اما مرحلة الانكماش فتبدا من مرسوم تعريب الدواوين سنه 706م وبعدها مرحله الامتداد لان حضاره العصر القبطي ليس احداث ماضيه مرت وانتهت ولكنه تراث ممتد ومتواصل.
اعتاد البعض ان يدمج العصر القبطي ضمن العصر اليوناني الروماني ويسمونه العصر الروماني المتاخر او العصر الامبراطوري المتاخر كما يدمجه اخرون مع العصر البيزنطي ويطلقون عليه العصر البيزنطي المتقدم او المبكر ولكن هذا التقسيم فيه تجاوز يوضحه د.رافت عبد الحميد.
في كتابه الفكر المصري في العصر المسيحي ويقول القرون من الرابع الي السابع وهي فتره التحول الكبير في مجري التاريخ من العصر الروماني الي العصر البيزنطي وقد اصطلح علي تسميتها بالعصر الروماني المتاخر او العصر البيزنطي المتقدم فلم تعد خصائص الحضاره الرومانيه انذاك كما كانت عليه في القرنين الثاني و الاول قبل الميلاد ونظيريهما بعد الميلاد بل امست باهته ولم تتضح بعد فسمات هذا الارث الجديد الناجم عن اختلاط وتفاعل هذا التراث الروماني بالتراث اليوناني والحضارات الشرقيه القديمه والمسيحيه وان بدت شاحبه ومن ثم يصعب القول ب عصر بيزنطي حقيقي قبل نهايات القرن الثامن الميلادي واوليات التاسع عندما استقرت المفاهيم السياسه والقانونيه واصطبغت الفنون والاداب بطابع معين ولذلك فالقول ب مصرفي العصر البيزنطي يمكن ان يكون مقبولا تجاوزا لانه عندما جاء العصر البيزنطي واقعا كانت مصر خارج دائرته بالفعل.
وعندما نتناول تاريخنا القومي المصري من الافضل ان ننسب عصوره المتواليه الي الشعب لا الي الحاكم اي لانقول العصر الروماني او البيزنطي وانما الاجدر ان نقول العصر القبطي.
وعن أهمية دراسة العصر القبطي اسرد الدكتور اسحاق عجبان 4 نقاط وهى
أولا:الأهمية الموضوعية
وهو جزء لا يتجزا من تاريخ الوطن تاريخ مصر الوطني والقومي ويقول الدكتور عبد الوهاب بكر أستاذ التاريخ أن اسقاط فتره تصل الي ستمائه سنه من تاريخ مصر يجعل منهج التاريخ اعوج وبه خلل ولابد من تدريس الحقبه القبطيه لأنها جزء من التاريخ الوطني والتاريخ حلقات متصله وكل حلقه توصل للحلقه الاخري والتقصير في دراسه حلقه يودي الي عدم فهم الحلقه السابقه واللاحقه وبناء عليه لايمكن لاحد ان ينكر ان الفتره القبطيه في تاريخ مصر مهمه للغاية.
كما تعتبر دراسة العصر القبطي ضروره لفهم تسلسل تاريخ مصر ويقول الدكتور عبد المنعم الجميعي استاذ التاريخ بجامعه القاهره لابد ان يدرس التاريخ القبطي لنفهم تسلسل تاريخ مصر وهو عباره عن خط متصل ويجب الاينقطع وتاريخ مصر في هذه الفتره جزء من تراثنا وثقافتنا ويقول الدكتور حسين فوزي تاريخ مصر في طريقه كتابته ما زال شذريا مقطعا ولانري في فصوله اكثر من التتابع التاريخي فهي فصول لاتكاد تجمعها صله اشبه بمجموعة قصص لأكثر من مؤلف وحقيقه التاريخ المصري هي في انه قصه واحده طويله تدور حوادثها حول اشخاص عديدين من جنسيات ولغات وعقائد مختلفه ولكن بطلها واحد وهو الشعب المصرى.. اننا مازلنا مع شديد الاسف نتذكر او نتجاهل حقبة هامة من حقبات التاريخ المصرى وهى الحقبة المسيحية , ونكتفى منها بكلمة او كلمتين … ولاأظن اننا نبنى قوميتنا بناء سليما مؤسسا , الا ان ندؤس تلك التحولات الروحية , فان مجرد سرد بعض الوقائع فيما يشبة التعمية , قد قصم ظهر تاريخنا من وسطة , يتعين علينا ان نطالع خلال جوادث الالف عام التى انقضت بين غزو الاسكندر والفتح الاسلامى , حياة مصر الروحية وحياة الشعب المصرى خلف ستار البطالسة والاباطرة الرومان والبيزنطيين لاننا بدون فهم تلك الحياة لن نفهم من تاريخنا شيئا.
ويقول الدكتور زاهى حواس : من المعروف علميا وووالثابت تاريخيا واثريا انة قد تعاقبت على ضفتى نهر النيل الخالد اعظم الحضارات فى العالم , فمنها الفراعنة واليونانية والرومانية والبيزنطية والاسلامية , ونلتقى جميع هذة الحضارات عند الحضارة القبطية المسيحية دون غيرها , فالفن القبطى هو الفن المصرى الوحيد الذى تلتقى عندة جميع الفنون فى مصر كما هو ثابت تاريخيا واثلايا فى مختلف المجالات التطبيقية.
ثانيا :الأهمية القومية
يقول فيها الدكتور أنطون يعقوب ” لقد ظلت الكنيسة المصرية القبطية طوال ستة قرون تمثل بحق القومية المصرية , كما كانت عامل تميز قومى يحفظ الذات القومية لمصر . فقد استوعبت الكيان المصرى كلة , الأرض والشعب وكانت الحاضنة الوحيدة للوجدان المصرى والتطلعات الشعبية وظلت اطارا قوميا للمصريين يحفظ لهم شخصيتهم القومية المتميزة عن الحكام الاجانب , ويحصنهم ضد نفوذهم وحضارتهم الأجنبية.
أى أن العصر القبطى حفظ لمصر قوميتها , ولم يسمح لهذة القومية ان تذوب فى قوميات اخرى , وكان الحفاظ على القومية المصرية هو من اهم انجازات العصر القبطى لذلك فأن دراستة تساعد فى تكوين الوجدان الوطنى والروح الوطنية والوحدة الوطنية وتبنى الاحساس بالمواطنة.
والعصر القبطى يمثل ضرورة جوهرية لاحياء الذاكرة الوطنية , وتنمية قيم الانتماء والوطنية ويدفع الى التلاقى بين ابناء الوطن الواحد , والى التلاحم الوطنى وقد ظهر ذلك بوضوح فى مواجهة الفرنجة حتى لو جاءوا تحت ستار الدين , وفى مواجهة الملكانيين وفى مواجهة الفرنسيين والانجليز , وفى مواحهة الصهيونية حتى ولو جاءت تحت ستار اسماء طوائف تبدو كأنها مسيحية.
يقول الكاتب والمفكر أحمد عبد المعطى حجازى : الحقيقة التى لاشك فيها أن التراث القبطى تراث مصرى فهو اذن تراث لكل المصريين
ويقول الكاتب جمال الغطانى: إن التاريخ القبطى لمصر لايخص فئة واحدة لكنة يخص جميع المصريين ولايمكن فهم التاريخ المصرى فى مجملة بدون فهم مراحلة وتجلياتة المختلفة لذلك اتمنى واطالب دائما بتدريس التاريخ القبطى بجميع مراحل التعليم المصرية فعندما يعرف المصريون كل مراحل تاريخهم سوف يتعرفون ببعضهم اكثر ويحبون بعضهم البعض اكثر ويتقون رياح التعصب والعنف الوافدة عليهم من الخارج.
ويقول المفكر طارق حجى : رغم أن مصر كانت كلها مسيحية لعدة قرون ورغم ان المساهمة المصرية فى بقاء العقيدة المسيحية بالشكل الحالى كانت هى المساهمة الكبرى وبرغم ان اكثر من مليون مصرى قد ماتو دفاعا عن ايمانهم المسيحى فأن معظم المصريين المعاصرين بما فى ذلك المثقفين وكبار المثقفين اما انهم لايعرفون شيئا على الاطلاق عن المسيحية وتاريخها فى مصراو انهم على الاكثر يعرفون القليل جدا عن كل ذلك وتدلنى خبرتى المعرفية والثقافية على ان الانسان كما انة دائما معرض لان يكون عدو ما يجهل فانة يكون ايضا اكثر قدرة على التعايش والتجاور المتحضرين مع الاخر عندما يكون مزودا بمحصول معرفى واسع عن هذا.
ثالثا :الأهمية الروحية
لسمو ماقدمت مصر فى تلك الفترة من نماذج روحية ونسكية , عاشت الفضائل والقيم المسيحية عمليا , ومنها اباء ورعاة وعلماء ومعلمين وشهداء ومعترفين ونساك ورهبان.
والعصر القبطى يجسد الشخصية المصرية فى ثباتها وصمودها , وفى مدى تحملها وسمو مبادئها تلك الشخصية التى احتفظت باستقلاليتها وخصوصيتها ابان عصور الاضطهاد والاستشهاد والاحتلال ولم ترضخ او تضعف امام الضغوط او الاستبداد وتتجلى هذة الشخصية المتميزة فى باباوات الكنيسة القبطية , ومعلميها وابائها وشهدائها.
ويقول عبد العزيز جمال الدين ” من رحم حضارتنا المصرية الخالدة بكل انجازاتها الروحية والمادية ولدت المسيحية الارثوذكسية المصرية مستوعبة فى حينها الديانة المسيحية الوليدة التى انجزت الرهبنة الديرية ومؤسساتها , والكنيسة ونظمها , ورعاية شئون الشعب المصرى والاهتمام بكل الشعب ذات الصلة بالشعب المصرى ..زز والمصريون هم اصحاب هذة الحضارة ذات الثقافة الواحدة والتاريخ الواحد والوطن الواحد دون اى انقسام فلنحتضن كلنا هذا الوطن الواحد الذى انجبنا من اجل رفعتة وازدهارة وعاشت مصر وطنا لكل المصريين المخلصين.
رابعا :الأهمية الحضارية والإنسانية
تمثلت فى العطاء الإنسانى والحضارى واللاهوتى والفكرى والعلمى والادبى والثقافى والفنى الذى قدمتة مصر للعالم فى تلك الفترة لان العصر القبطى يحمل تراثا حضاريا وانسانيا متكاملا . والحضارة القبطية متأصلة فى البنية التاريخية للشعب المصرى , وتعتبر مكون اساسى واصيل من مكونات الكتلة الحضارية للشعب المصرى.
وعن مظاهر الحضارة القبطية أضاف الدكتور اسحق عجبان
للأقباط دور كرازى وتبشيرى فى نشر المسيحية خارج الحدود المصرية فى لبيا والخمس مدن الغربية وفى الهند وبلاد العرب وفى غرب اوربا فى فرنسا وبلجيكا وسويسرا والجزر البرطانية وايرلندا وفى النوبة والسودان واثيوبيا وتعتبر الكنيسة القبطية هى الكنيسة الام فى القارة الافريقية كلها كما تدخل الدراسات الخاصة بالنوبة واثيوبيا ضمن الدرسات القبطية ومازال للكنيسة القبطية دور قيادى ورعوى فى القارة الافريقية ويتبعها اساقفة وايبارشيات واديرة وكنائس وخدمات فى ربوع افريقيا شمالا وجنوبا وشرقا وغربا وفى وسط القارة
وعن مدرسة الاسكندرية اللاهوتية أوضح الدكتور اسحق عجبان
بان لمصر أن تعتز بمدرسة الاسكندرية اللاهوتية أول جامعة لاهوتية فى العلم المسيحى كلة وقد كان لها دور رائد فى التعليم الدينى على مستوى العالم كلة وفى تنظيم أول دراسات لاهوتية منهجية الى جانب الدرسات النصية المتخصصة لنصوص الكتاب المقدس والكتابات الدفاعية والتفسير الرمزى.
ولم تقتصر تلك المدرسة على تدريس العلوم الدينية بل اهتمت ايضا بدراسة الفلسفة والمنطق واللغات والبلاغة والشعر والرياضيات والطب والكمياء والطبيعة والفلك والجغرافيا والتاريخ والموسيقى وغيرها.
ويتميز اللاهوت الارثوذكسى الشرقى بالاصالة والاستقامة والنقاوة واليقظة فى مواجهة اى انحراف او تغير او هرطقة وكان لباباوات الكنيسة القبطية الدور القيادى والريادى فى المجامع المسكوننية وفى الدفاع عن الايمان المستقيم وقد حملوا لقب “البابا” منذ القرن الثانى كما صار بابا الاسكندرية يعرف بلقب “قاضى المسكونة” ومن اشهر ابطال الايمان القديس اثناسيوس الرسولى الـ 20 (328-373م) والقديس كيرلس عمود الدين الـ 24(412-444م) والقديس ديسقورس الـ25 (444-454م )وتعتبر الكنيسة القبطية هى الصورة النقية المطابقة للكنيسة الاولى فى عصر الرسل ومن ثم كان الاهتمام العالمى بدراسة تعاليمها وطقوسها ومماررستها وروحانيتها
ففى مجال الفلسفة والمنطق
اول محاولة منهجية للتوافق بين الايمان المستقيم واستنباطات الفكر البشرى لم تتم فى اورشليم او اثينا او روما ولكنها تمت فلى مصر على يد اباء مدرسة الاسكندرية اللاهوتية وهذا الاتجاة ادخلة بنتينوس وتطور على يد اكليمندس الاسكندرى (حوالى 150-215م) واعيد تنظيمة بواسطة اوريجانوس (185-254م) وفتح هذا الاتجاة بابا يربط مابين الفلسفة والوحىى ويجعل من العلوم الفلسفية خادما للعلوم اللاهوتية ومدافعا عن الايمان المسيحى ومن خلال هذا الباب دخل الايمان كثير من الفلاسفة الوثنيين ومن موضوعات الفلسفة القبطية الحكمة الالهية والاخلاق وغيرها ومن العلوم اللاهوتية علم يسمى علم اللاهوت النظرى يعتمد على المنطق والعقل فى فهم وشرح العقيدة
وعن الرهبنة القبطية اضاف الدكتور اسحق عجبان
على مصران تفتخر انها مهد الرهبنة المسيحية التى بدأت ونشأت فى بواديها وصحراوتها ومنها انتشرت الى كل انحاء العالم واصبحت الرهبنة هى هبة مصر العظمى للعالم وصارت مصر هى الام لكل رهبنات العالم وقد شهدت الرهبنة فى تطولاها التاريخى ثلاثة مراحل
نظام العزلة التامة “التوحد” ونظام الجماعات الرهبانية “شبه التوحد” ونظام الشركة الرهبانية “الديرية ” ومن اشهر اباء الرهبنة القبطية القديس الانبا انطونيوس اب الرهبان (251-356م) والقديس الانبا باخوميوس اب الشركة (290-346م) والقديس مكاريوس الكبير (300-390م) والقديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين جوالى (347-466م)
والحضارة القبطية تحمل ايضا تراثا روحيا عميقا يعتبر ن اعمق ماعرفتة البشرية من خبرات واختبارات روحية تتضمن اقوال ابا البرية وكتاباتهم واختباراتهم فى تدبير الارادة والروح والفكر وفى تحرير النفس من الاهواء وتنقية القلب وضبط الفكر وانسحاق الروح وفى حياة التوبة والنقاوة والنمو الروحى وحياة التسليم وحياة الصلاة الدائمة وحياة السكون والتأمل والحياة النسكية
ويرتبط العصر القبطى بظهور اللغة القبطية واستخدامها لانة بهذا الحدث كان الاستقلال الثقافى عن اللغة اليونانية والثقافة اليونانية وقد ظلت هذة الثقافة سائدة على الساحة المصرية حتى حلت محلها اللغة العربية واخذت فى الانتشار فى مصر على اواخر القرن الثامن ممتدا الى العاشر
والقى الدكتور اسحق عجبان الضوء على اللغه القبطيه بقولة
هي المرحله الاخيره من مراحل تطور المصريه القديمه وان كتبت القيمه الصوتيه لها بحروف يونانيه اضيفت اليها سبع حروف مصريه قديمه وفي سنه 1822م استعان شامبليون(1832.1790م)باللغه القبطيه في فك رموز حجر رشيد الذي اكتشف في ربيع سنه 1799م وقدم بحثا لاكاديمه جرينوبل اكد فيه ان القبطيه هي لغه مصر القديمه واللغه القبطيه ليست لهجه واحده وانما مجموعه من اللهجات يمكن تقسيمها الي ثلاث مجموعات اللهجات البحريه الشماليه ومنها البحيريه والبشموريه واللهجات الصعيديه الجنوبيه ومنها الصعيديه والاخميميه والاخميميه الفرعيه الاسيوطيه والطيبه الاوليه ولهجات مصر الوسطي ومنها الفيوميه والبهساويه
وتراث الادب القبطي المدون باللغه القبطيه يتضمن كتابات دينيه منها ترجمات الكتاب المقدس والكتب الطقسيه وسير القديسين واعمال الشهداء واقوال الاباء وكتاباتهم وميامر ورسائل وخطب ومواعظ وتعاليم كما يضم كتابات تتعلق بالحياه العامه من قوانين وعقود ةايصالات ومراسلات وموضات علميه من طب وصيدله وفلك وكيمياء وموضوعات فلسفيه وموضوعات اديبه كالقصه والنثر والشعر ولايقتصر تراث الادب القبطي علي المؤلفات باللغه القبطيه وحدها وانما يتضمن ايضا كتابات الاباء الاقباط باللغتين اليونانيه والعربيه وكذلك الترجمه من اليونانيه للقبطيه ومن القبطيه العربية.
وفي اللهجة العامية المصرية المتداولة حاليا علي لسان الشعب المصري كله توجد مئات الكلمات والتعبيرات التي ليس لها تواجد في اللغه العربيه وجزء كبير منها يرجع الي اللغه المصريه القديمه في تطوراتها المتتابعه ومنها القبطيه وقد صدر مكتيب باللغه الانجليزيه عنوانه من شفتي الفرعون للدكتور احمد عبد الحميد يوسف استاذ المصريات بجامعه الازهر وبمقدمه من الدكتوره فايزه هيكل استاذه المصريات بالجامعه الامريكيه بالقاهره وخلاصه الكتيب ان في اللغه العربية المعاصره في مصر عشرات المفردات القبطيه اسماء وافعالا تعابير ومصطلحات باستعمالات شتي ارجعها المؤلف الي اللغه المصريه القديمه وابتها اللغه القبطيه والشي نفسه نجده لدي الدكتور محمود فهمي حجازي في كتابه علم اللغه العربيه حيث يقول هناك الفاظ قبطيه كثيره ماتزال تعرفها لغه الحدث اليومي في مصر كما ان كثير من اسماء المدن والبلاد والاشخاص لها جذور قبطيه وقد قام بعض الباحثين بجمع هذه المفردات والبحث عن اصولها وتحليلها وشرحها.
وتطرق الدكتور اسحق عجبان للفن القبطى فقال
يميز الفن القبطي بانه فن مصري شعبي نبع من البيئه المصريه وعبر منها واستظل برعايه الشعب المصري وعبر عن مشاعره واحاسيسه المصريه وتظهر فيه بوضوح الاصاله المصريه ويعتبر ترجمه صادقه للحياه المصرية الدينة والدينوية في تلك الفترة
ولم يكن الفن القبطي فنا دينيا يخدم احتياجات الكنيسه فقط لكنه كان ايضا فنا انسانيا يخدم الحياه اليوميه بمختلف احتياجاتها.
وقد تطور الفن القبطي واصبح فنا عالميا واثر تاثيرا مباشرا في حضاره اوربا وفنونها في عصور نهضتها وظهر هذا الاثر في فنون بلاد كثيره منها ايطاليا والمانيا وهولندا وسويسرا والدانمارك والسويد وفنلندا ويوغسلافيا وبلغاريا واسبانيا وروسيا وايرلندا والنمسا وكذلك في بعض البلاد الاسيويه مثل تايلاند والهند وبعض البلاد الافريقيه ومنها الكاميرون وغانا واثيوبيا ويقول محمد شفيق غربال في كتاه تكوين مصر عبر العصور يجب الا نغفل الفن القبطي او بمعني ادق الفن المصري المسيحي والذي يمتد انتشاره جغرافيا الي مدي فسيح يسترعي النظر ولايقل اشعاع الفن القبطي زمنيا عن انتشاره في اقطار الارض اذ ان طرائق الفن القبطي واساليبه كانت عاملا من العوامل المؤثره في فنون مصر الاسلاميه وصناعاتها وهذا دليل اخر علي اهميه العنصر المسيحي في تكوين مصر.
وتضمنت الفنون القبطيه الفن المعماري وفن النسيج والرسم والتصوير والتصوير الجداري بالفريسك والموراييك وفن الايقونه وفن الخط وصناعه المخطوطات وزخرفتها وفن صياغه وزخرفه المعادن وفن النقش بالغائر او البارز علي الخشب والتعطيم والمشغولات الخشبيه والعاجيه والفخاريه والزجاجيه وتقش ونحت وتشكيل الاحجار والفنون الصغري مثل المسارج والحلي وغيرها وقد استمد الاقباط الروح الفنيه لديهم من الروح الدينيه والمعاني الروحيه الي جانب المعاني القومية.
الأثار القبطية تشمل ماتركه الاجداد والاباء من تراث معماري وفني وادبي ومنها الثابت مثل مبان لاديره او كنائس او مساكن والمنقول الذي يضم قطع اثريه يمكن نقلها ويزخر المتحف لاالقبطي باكبر مجموعه من الاثار القبطيه والتي تتكون من حوالي ست عشره الف قطعه تمثل اهم مجموعه للفن القبطي في العالم وتشمل اعمال النحت علي الاحجار وبخاصه الحجر الجيري والرملي ويندر استخام الجرانيت والرخام والمرمر والبازلت وتشمل ايضا شواهد القبور والتصاوير الجداريه والنسجيات والملابس الكهنوتيه والمخطوطات والبرديات والايقونات وادوات الحياه اليوميه والاخشاب والفخار والزجاج والمعادن ومنها الذهب والفضه والبرونز والنحاس والحدي.
واضاف الدكتور اسحاق عجبان بخصوص العمارة القبطية
العمارة القبطية تجمع بين الهندسه المعاريه التي تستخدم لاغراض دينيه وتشمل بناء الكنائس والاديره والمنشوبيات والقلالي ومقابر القديسين وترتيبات دفاعيه مثل الحصون والاسوار والمداخل والبوابات والسراديب والهندسه المعماريه التي تستخدم في الحياه المدنيه مثل تخطيط المدن والتجمعات وبناء المباني السكنيه والمباني العامه والمخازن وصوامع الغلال وغيرها وانتجت العماره القبطيه باقل الامكانيات الكثر من الاديره والكنائس التي استطاعت ان تصمد لالاف السنين ومن عناصر العماره القبطيه الكنائسيه الدوكسار والنارتكس والصحن والاجنحه والخوارس والهياكل والمذابح وقبابها والمعموديات والمغاطس واللقان والاعمده وتيجانها والعقود والدعامات والانبل وحامل الايقونات ايقونستاس والقباب والقبوات وابراج الاجراس المنارات والحنيات والسنترونس.
واستخدام الاقباط ايضا اسلوب النحت في الصخر لاقامه كنائس ومغارات وكهوف للعباده والتوحد وقد تاثرت العماره القبطيه في بعض عناصرها بالعماره المصريه القديمه ويقول المعماري الاثري د.محمد حماد العماره القبطيه فقزت بروح الفن الفرعوني وعناصره.
واوضح الدكتور اسحق عجبان الكثير عن الموسيقى القبطية
فقال مجال الموسيقي والالحان فان الكنيسه القبطيه من اغني كنائس العالم في تراثها الموسيقي كما ان الحانها هي اقدم موسيقي يمتلكها العالم الان والالحان القبطيه جزء لا يتجزا من صلوات الكنيسه وهي الحان فرح او حزن ويرجع اغلب الالحان القبطيه للقرون الاولي للمسيحيه وان كان بعضا منها قد تخللها جمل موسيقيه او خلايا موسيقيه قد تعود لموسيقي المصرين القدماء وما زال بعضا من الالحان القبطيه تحمل اسماء مدنا مصرية مثل اللحن السنجاري والادرييي.
اما عن التاريخ القبطى تحدث الدكتور اسحق عجبان بقولة
في مجال تدوين ودراسه التاريخ فانه من الترتبيات الكنيسه القبطيه قراءه فصل يومي من كتاب السنكسار الجامع لاخبار القديسين والاباء والشهداء بحسب تذكار اليوم كما ياتي في الصداره كتاب تاريخ بطاركه الكنيسه المصريه ويعرف باسم سير البيعه المقدسه وهو عباره عن مجموع تاريخي متسلسل عبر القرون واشترك في كتابته كثير من المؤرخين المتعاقبين جبلا بعد جبل في سلسله متصله الحلقات ومن اشهر المورخين الاقباط يوليوس الاقفهصي كاتب سير الشهداء في اوئل القرن الرابع الميلادي ومينا الكاتب (ق5)وتاويسطس(ق5)ويوحنا النقيوسي الذي عاصر دخول العرب مصر (ق7)والانبا مينا اسقف ابشادي (ق7.8) وكتبه القلايه البطريركيه وغيرهم الي جانب مؤرخي الحياه الرهبانيه القبطيه ومنهم بلاديوس (حوالي425.364م) وجيروم (حوالي419.345م)وروفينوس(حوالي 410.345م)ويوحنا كاسيان(حوالي 435.360م)
كما تعرض الدكتور إسحق عجبان للحياة الاجتماعية القبطية
ففي الحياه الاجتماعيه اهتم الاقباط بمحاربه الرق والعبوديه والتسري ومحاربه بقايا الوثنيه واعمال السحر والشعوذه ومحاربه الاجهاض واهتموا بحياه الاسره واستقرارها ومكانه المراه وبقدسيه الزواج وعدم انفصامه وبمبدا الزوجه الواحده ومبدا الاشبين وتكريم الامومه والاهتمام بالطفوله وموائد الاغابي والعباده العائليه والاهتمام بالامله واليتيم واضافه الغرباء وخدمه الفقراء اخوه الرب والاحتفال باعياد القديسين والاهتمام بالتعليم وانشاء الكتاتيب والمدارس والتربيه بكافه انواعها الدينيه والكنيسه والروحيه والنفسيه والجسدية.
وفي مجال الثقافه الشعبيه القبطيه الفولكلور القبطي قال الدكتور اسحق عجبان
هى تتضمن صلوات شعبيه وامثال شعبيه واقوال ماثوره وكلمات منفعه واشعار وازجال واناشيد وتسابيح ومدائح وترانيم واغاني روحيه وقصص وحكايات واساطير وما يتصل بالاحتفالات باعياد القديسين الموالد وزيارات الاديره والكنائس والعادات المتعبه في الاصوام والاعياد والمناسات وتناول ماكولات تقليديه في مناسبات معينه اشهرها شم النسيم وتقاليد الزواج والولاده والوفاه.
اما الصناعات القبطية فهى عديدة كما شرحها الدكتور اسحق عجبان
ومن الصناعات التي اشتهرت بها مصر في العصر القبطي الغزل والنسيج وصناعه المسوجات الصوفيه والحريريه والكتانيه واشتهر من النسجيات القبطيه القباطي الذي اخذ اسمه من اسم القبط وصباغه المنسوجات وتطريزها وزخرفتها وصناعه الورق من البردي وصناعه مواد الكتابه وصناعه الزجاج الشفاف والملون والاواني الزجاجيه والاواني الفخاريه والخرفيه والادوات المنزليه والتعدين والصناعات المعدنيه والصناعات الخشبيه وبخاصه صناعه الاثاث والاحجار الكريمه والصناعات الغذائيه وبخاصه صناعه الخبز والفطائر وصناعه الزيوت وصناعه الادويه والعقاقير والعطور وصناعه مواد البناء وازهرت مدن مصر في تلك الفتره بالنشاط الاقتصادي والتجاري والصناعي حتي قبل عن مدينه كبيره مثل الاسكندريه انه لايوجد بها عاطل عن العمل.
يقول د.زكي محمد حسن امين دار الاثار العربيه ان العرب حين فتحوا مصر وجدوا لدي القبط فنونا زاهره فاعتموا عليهم في صنع ماكان يلزمهم من حاجبات وفي بناء ما كانوا يحتاجون اليه من ابنيه ونجد في الاوراق البرديه التي وصلت الينا وفي المصادر التاريخيه التي تناولها العلماء بالفحص والتحميص اشارات كثيره الي ارسال العمال والصناع المصريين الي الشام وسوريه وبلاد العرب للعمل في بناء المساجد او لزخرفتها بالفسيفساء والجص وغير ذلك.
وفي مجال الزراعه اشتهرت مصر في هذه الفتره بانها سله القمح او سله الغلال للامبراطوريه كلها كما اشتهرت بحاصلات زراعيه اخري منها الحبوب والكروم والزيتون والنخيل كما الحقت بالمزارع مطاحن ومخابز ومعاصر ومناحل
وفي مجال المخطوطات والمكتبات كان العصر القبطي هو العصر الذي بدات تظهر فيه فكره تكوين المخطوطات من صفحات بارقام مسلسله وقبلها كانت تستخدم اللفائف البرديه كما اهتم الاقباط بالنساخه والخطوط وزخرفتها وبانشاء المكتبات بالاديره والكنائس وباعداد فهارس له.
واختتم اللقاء ببعض المداخلات الهامة من الباحثين والسادة الحضور ,كما اجاب الدكتور اسحق عجبان على العديد من الاسئلة والتعليقات والاستفسارات والمداخلات من الحضور فى جو من الحب والود ثم قدم نيافة الانبا مارتيروس الشكر للحضور الكريم وللدكتور اسحق عجبان وقال تعقيبا على المحاضرة الهامة “تشرفنا بهذة المحاضرة القيمة للدكتور اسحق عجبان والذى افاض فى شروحاته بالقد الذى اشبع فضولنا فى التعرف على” تاريخ وحضارة مصر فى العصر القبطى “.
وبعد انتهاء المحاضرة استمع الحضور لكورال ثيؤطوكية بقيادة الشاعر كمال سمير التابع لكنيسة السيدة العذراء بمهمشة والذى يلقى تشجيع كبير من نيافة الانبا مارتيروس , حيث انشد ببعض الترانيم التراثية عن الكنيسة القبطية.
ومن المعروف أن مركز (بي لمباس) يختص بدراسة أنشطة التراث القبطي والرحلات العلمية وورش عمل، وتبنى أبحاث علمية جديدة لتدريب صغار الباحيثن على الدراسة والبحث فى مجال القبطيات، بالإضافة إلى كورسات خاصة بدراسة اللغة اليونانية ، لمدة ساعة ، ومناقشة نصف ساعة ، وذلك بقاعة مجهزة خاصة بمقر نيافة الأنبا مارتيروس ويحاضر فية نخبة من السادة الأساتذة المتخصصين في التراث القبطي ، كالتاريخ والفن والآثار ، والأدب القبطي ، والموسيقي القبطية ، وتاريخ الرهبنة ، والمخطوطات ويقيم المركز محاضرة شهرية تقام فى الساعة السادسة والنصف من الجمعة الأولي من كل شهر.