انتهاء عام وبدء آخر يعني أن أيام الحياة، وإن طالت، تمر سريعًا، وتفنى كالسراب.. من أجل ذلك صلى موسى النبي: «علِّمنا أن أيامنا معدودة، فتدخل إلى قلوبنا الحكمة» (مزمور٩٠: ١٢). تُرى أي حكمة تلك التي يريدنا النبي أن نطلبها من الرب عندما نعي أن أيامنا قصيرة؟ كيف تريد أن تبدأ العام الجديد؟ سؤال لابد أن نتوقف للتفكير بجدية في إجابته؛ لأن مُضي الأيام لا يعني مجرد اختلاف التاريخ في التليفون، أو الذي نكتبه تلقائيا في مراسلاتنا.
أشعر في مثل هذه الأيام من نهاية كل عام أن كلمات المزمور التسعين تضعني أمام حقيقة أن الوقت لم يتأخر أبدًا لنبدأ من جديد في بعض جوانب حياتنا، وأن دخولنا إلى عام جديد لابد أن يلهمنا لمضاعفة الجهد لتحقيق هدف في حياتنا لطالما تمنينا أن نصل إليه، وأن نسعى لتغيير طرق في معيشتنا وجدنا أنها لم تحقق سعادتنا، أو تحسن علاقاتنا مع الآخرين، أو مع إلهنا.
من الواضح أن لا أحد منا يستطيع أن يرجع بالأيام من أجل بداية جديدة.. لكن كل واحد بإمكانه أن يبدأ اليوم سعيه من أجل نهاية أفضل! والسعي هنا لا يقتصر على التمني، بل إنه يتطلب أكثر من ذلك لمن يريد حقًا أن يسمح للحكمة أن تدخل إلى قلبه ليبدأ من جديد، ويسعد في حياته.
هل أنت في حاجة لأن تبذل المزيد من الجهد لتقوية علاقتك مع شريك حياتك، أو لتدعيم روابط المحبة والألفة بين أعضاء أسرتك، ومع المحيطين بك من أقربائك وأصدقائك؟ قد تكون في حاجة لإعادة تقييم أسلوب تعاملك مع الماديات لتغير من طرق الإنفاق التي اعتدت عليها، وتركز على كيفية إنقاص ديونك أو التخلص منها بتدبير يضبط أولويات صرفك في حدود الدخل المتاح. ربما حان الوقت الذي تقرر فيه خطة توفير، أو اختيار برنامج استثمار مادي تُعد نفسك بأي منهما لتسديد احتياجات المستقبل لك ولأولادك، أو استعدادًا لمرحلةالمعاش. قائمة المجالات التي قد نحتاج أن نتوقف للتفكير عما إذا كان هناك ضرورة لبداية جديدة فيها يمكن أن تكون طويلة.. على أية حال، نتائج الجهل بما تحتاج أن تغيره لا تقل خطورة عن إدراكه مع إهمال التعامل معه.
هل أنت بحاجة للاهتمام بصحتك، ومراجعة عاداتك فيما تحب أن تأكله وما يجب أن تمتنع عنه؟ ربماتكون البداية التي أنت في حاجة ماسة إليها هي الامتناع عن التدخين أو تعاطي الكحوليات التي تؤثر على صحتك، ومصروفاتك، والجو العام الذي يسود في بيتك! أم أنك بحاجة لمراجعة كيفية تجاوبك العاطفي مع ما يؤثر أيضًا على صحتك وعلاقاتك مع الآخرين؟ كيف تتحكم في مشاعر الغضب، أو القلق، أو الخوف؟ هل يعوزك الحافز لأن تعمل وتجتهد أكثر لتختبر بهجة الإنجاز؟ وهل تعوزك المثابرة لتكمل ما تبدأه من أعمال؟ صدق إجابتك على هذه الأسئلة ترشدك إلى التغيير الذي تحتاج إليه مع بداية سنة جديدة.
في حياتك الروحية.. هل ترى أن علاقتك الاختبارية مع الله أصبحت أقوى، أم أنك في حاجة بعد لبدء هذه العلاقة؟ هل لديك اشتياق لتنمو في الإيمان حتى تستطيع أن تعيش عمليًا ما تؤمن به كمسيحي وسط ظروف حياتك اليومية، وبينما تقوم بتأدية مسؤولياتك كزوج وأب.. كصديق أو جار.. كصاحب عمل أو موظف؟
النوايا الحسنة للبدايات الجديدة لا تكفي.. فإذا بدأت، أنت تحتاج لعزيمة تستمد قوتها من الاتكال على الله: «ألق على الرب أعمالك فتثبت أفكارك» (أمثال ١٦: ٣). كما قد تحتاج لشخص تثق به ليسألك عن مدى التزامك بما عزمت أن تغيره في حياتك، ويشجعك بالمشورة والنصح لتكمل مسيرتك في طريق التغيير.. «الحديد بالحديد يحدد، والإنسان يُحدد وجه صاحبه» (أمثال ٢٧: ١٧). ولأن التغيير يحتاج عادة لوقت وجهد ليسا بقليلين؛ فلا غرابة أن يفقد الواحد منا حماسه ويحبط فيتراجع عما عزم عليه.. لذلك مثل المتسابقين في الماراثون، لابد أن نضع نصب أعيننا خط النهاية، غير عابئين بإجهاد الطريق من أجل الفوز بالأفضل الذي نرجوه لحياتنا: «أسعى نحو الغرض لأجل دعوة اللـه العليا في المسيح يسوع» (فيلبي ٣: ١٤).. وليملأ اللهحياتكم في العام الجديد بكل الغنى والنعمة اللذين لنا في المسيح يسوع.
سامي يعقوب