كان مشهدًا مهيبًا يلتفت حوله كل المصريين بمناسبة العام الجديد، والذي كان يبدأ عند القدماء المصريين، في مساء اليوم الأول من شهر توت أول شهور العام.
ووضع المصريين التقويم الخاص بهم عندما لاحظوا تكرار وصول فيضان النيل في الوقت الذي يظهر فيه النجم سبدت، فجعلوا هذا اليوم بداية السنة لأنه اليوم الذي اجتمعت لهم فيه ظاهرتان متلازمتان، هما: ظهور سبدت قبيل شروق الشروق مع اكتمال الفيضان .
ويقول عالم المصريات محسن لطفي السيد، إن أجدادنا المصريين قسموا السنة إلى ثلاثة فصول، وهي: الفيضان ( آخت) والبرد (برت) وفيه بذر البذور والصيف وينطق( شمو) وقسموا الشهر الواحد إلى ثلاثة أقسام كل قسم منها ( عاشورا) أي عشرة أيام.
وقسموا اليوم بعد ذلك عن طريق رصد الليل والنهار وبعد ملاحظة رصدوا الشهر بظهور واختفاء القمر.
ويقول سامي حرك، في كتابه الأعياد، إن قدماء المصريين أرادوا أن يكون تقويمهم دقيقا منتظما فجعلوا الشهر ٣٠ يوما بلا زيادة أو نقصان فترتب على ذلك بقاء عدة أيام خارج شهور السنة فوضعوها في شهر خاص بها أسموه ( أبد كوجى).
وكان يحتوى على الخمسة أو الستة أيام المتبقية من السنة، وكان هذا الشهر هو الموضوع الرئيسي لأقدم وثيقة حجرية عرفت باسم ( قصة خلق السنة)، وهي موجودة في الممر الأفقي المؤدي لغرفة الدفن في هرم أوناس.
واستثمر المصريين هذا الشهر الصغير في حفلات الزواج والمناسبات الاجتماعية، وكان الشهر الوحيد المسموح فيه أخذ أجازات، أما عن مظاهر الاحتفال برأس السنة فكان مشهدًا يجتمع فيه كل المصريين وكان يوضع فيه تمثال الآلهة حتحور المحفوظ في قدس أقداس المعبد فكان يخرج للنور لترأه الجموع وكأنه يمنح الحياة لعام آخر جديد .
وتقول عالمة المصريات ( كريستيان دى روش نوبلكور) كان موكب مهيب يرأسه كهنة الفراعنة ويسير نحو خزانة المعبد ويعود حاملا تمثالا على هيئة طائر برأس امرأة مصنوع من الذهب اسمه ( باى) كان يتم وضع هذا التمثال داخل ناووس زجاجي صغير ويسير به الكهنة في الموكب الذي كان يتوقف في أماكن محددة بالمعبد لوضع تيجان مختلفة رمزا للقوى المتعددة التي تتمتع بها حتحور وعند وصول الموكب إلى سطح المعبد يتجه لإحدى الغرف لوضع الناووس والتمثال الموجود به وعندها تشرق الشمس في موعدها فإن أول شعاع لها يسقط على وجه (باى )داخل الناووس والذي ازيلت عنه الستائر وكأن الحياة تدب فيه مع الموسيقى التو كانت تعلو أصواتها في كل البلاد وبعد هذا تعم الحفلات والسرور طوال اليوم.
وحتحور هي آلهة السماء والحب والجمال والسعادة والخصوبة عند قدماء المصريين.
وبما أن الشعب المصري منذ قديم الأزل احتفالاته مرتبطة بالطعام فإن الطعام المميز ل يوم رأس السنة كان “بط الصيد” و “الأوز” الذي كان يشوي في المزارع، والأسماك المجففة التي كانوا يعدون أنواعاً خاصة منها للعيد. أما مشروباتهم المفضلة في عيد رأس السنة فكانت “عصير العنب” أو “النبيذ الطازج” التخمير، حيث كانت أعياد العصير تتفق مع أعياد رأس السنة.
ومن العادات التي كانت متبعة- وخاصة في الدولة الحديثة- الاحتفال بعقد القران مع الاحتفال بعيد رأس السنة، حتى تكون بداية العام بداية حياة زوجية سعيدة.
ومن التقاليد الإنسانية لقدماء المصريون القدماء خلال الاحتفال برأس السنة هو أن ينسى الناس خلافاتهم وضغائنهم ومنازعاتهم وكانت تلك الشروط تدخل ضمن شرائع العقيدة في رأس السنة التي يجب أن تبدأ بالصفاء، والإخاء، والمودة بين الناس.
ويقول ماهر محمد في جريدة ابو الهول احتفل المصريون القدماء بهذا اليوم وأطلقوا عليه ”ني- يارؤ” بمعنى ”يوم الأنهار” الذي هو ميعاد اكتمال فيضان نهر النيل، السبب الأول في الحياة لمصر، وتحول الاسم فيما بعد إلى ”نيروز” وهو العيد الذي كان يُمثل أول يوم في السنة الزراعية الجديدة.
وقد اهتم المصريون بالاحتفال بعيد النيروز كتراث ثقافي مصري قديم
والسنة المصرية القديمة هي سنة شمسية مرتبطة بالنجوم ، مقسمة إلى 12 شهرا بكل شهر 30 يوما ثم تليها خمسة أيام أو ستة لتكملة باقي السنة ، وشهور السنة القبطية هي لا زالت مستخدمة في مصر ليس فقط على المستوى الكنسي، بل على المستوى الشعبي أيضًا خاصة في الزراعة.
وقد وضع التقويم المصري القديم العلامة توت الذي اخترع الكتابة وكان عالما حكيما، ولذلك احترمه المصريون القدماء ووضعوه منزل الآلهة وأسموه بالإله توت أو تحوت وبدأوا أول شهور السنة باسمه ، وقد تم تعديل هذا النظام حوالي 238 قبل الميلاد بإضافة يوم كل أربع سنوات للسنة الفرعونية، بحيث يتم تثبيت بداية السنة مع الفصول وبذلك ثبتت بداية السنة في شهر سبتمبر.