تتسع الفجوة يوما بعد يوم بين الشرق والغرب نتيجة التطور الهائل فى سوق الصحف ودور النشر، وأصبح اللجوء إلى النسخة الرقمية هو المنقذ للهروب من الخسائر الفادحة التى أصبحت تتعرض لها النسخة الورقية، وهو ما دعا كثير من الصحف إلى تدريب كواردها بشكل كبير للتكيف مع التطور التكنولوجي، وتقدم مواد صحفية جديدة، تخاطب الجمهور والمعلن بشكل مباشر، وهو ما يسمح بتوفر موارد جديدة تساعد دور النشر على الخروج من المعاناة التى تواجهها.
وسيطر على مؤتمر ومعرض دور النشر الذى نظمته مؤخرا ” المنظمة الدولية للصحف ودور النشر” بالعاصمة الألمانية برلين بمشاركة 193 عارضا و100 متحدث وأكثر من ألف مشارك من 56 دولة، كثير من الأفكار الجديدة التى تساعد على ظهور إصدارات جديدة وغير نمطية تجذب شرائح عمرية مختلفة من القراء، والتنوع ما بين النسخة الورقية والمواقع الالكترونية وتطبيقات للهاتف المحمول، ولكل نسخة مميزات تختص بها، فالمعلن يفضل النسخة الورقية، لذا لابد من طباعة جيدة وابتكارات فى تقديم المعلن للجمهور بشكل مختلف وجذابة، اما النسخة الالكترونية فتربط الجمهور بالأخبار على مدار الساعة، والقصص القصيرة، فى حين تتميز نسخة تطبيقات الهواتف المحمولة بالأخبار المختصرة والموضوعات الخفيفة، وكذلك ربطها بالأنشطة والفعاليات القريبة من موقع المتصفح، حتى يكون على ارتباط دائم بالتطبيق، والاهتمام بكل ما يتوفر به، وهو ما يجعل اسم الصحيفة ومنتجاتها المختلفة على انتشار مسموح يساعد شركات الاعلان عن ضخ مزيد من الأموال لضمان الوصول إلى الشريحة التى تتعامل معها هذه الصحيفة للترويج إلى منتجاته.
وتنوعت أفكار وبرامج الشركات العارضة ما بين تطوير المواقع الالكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، كى تكون متنفسا للصحيفة للخروج إلى قراء جدد، وتقديم خدمات متميزة، إلى جانب تحويل النسخة الورقية إلى نسخة رقمية، حيث تتراوح تكلفة تحويل الصفحة PDF ما بين 1 يورو إلى 3 يورو، مع توفير صور عالية الجودة ووسائل مختلفة سواء صوت أو فيديو، لجذب القاريء بمواد جديدة لا تتوفر فى النسخة الورقية، واختيار بعض المواد لطرحها على قسم غير مجانى للموقع لجذب مزيد من الاشتراكات تبدأ من واحد يورو أسبوعيا.
شهد المؤتمر أيضا لهذا العام تقريرا يرصد اتجاهات السوق الأخيرة التي نشرتها المنظمة الدولية للصحف ودور النشر، والإشارة إلى أن صناعة نشر الأخبار تتحرك بشكل حاسم من اقتصاد منتج إلى اقتصاد من الخبرة، وضرورة تطوير الخدمات بقيمة مضافة أكثر أهمية من أي وقت مضى في المنافسة الرقمية العالمية.
من جانبه وفى محاضرة متميزة قال مايكل جولدن نائب رئيس مجلس إدارة نيويورك تايمز السابق أنه لابد من اهتمام الصحف والعاملين بها لمعرفة عدد المستخدمين الذين جاءوا إلى الموقع الالكترونى، ومتى ؟ ومدة تصفحهم للموقع، وما مدى عمقهم في قراءة القصة؟ كل هذا يساعد على تطوير المحتوي ومعرفة كيفية جذب المزيد منهم.
استشهد جولدن بتجربة قامت بها الجريدة ، بما في ذلك قصة “نيويورك تايمز” التي يبلغ عددها 13 ألف كلمة حول خلفية ثروات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، والتي قضاها فريق من مراسلي نيويورك تايمز في 18 شهرًا للتحقيق وتناولوا ثماني صفحات في العدد المطبوع من الصحيفة، فى عمل استثنائي وفريد ساهم فى تحقيق معدل غير مسبوق فى القراءات.
أشار إلى تجربة فى جريدة برازيلية، حيث نشرت صحيفة ” فولها دي ساو باولو البرازيلية ” استبيانا على الإنترنت حيث حصلوا أولاً على العدد الكبير من المرشحين الذين يديرون مكاتب مختلفة في البلاد للرد على مجموعة متنوعة من الأسئلة حول القضايا الرئيسية في مركز انتخاباتهم وكذلك قوة وجهات نظرهم على كل واحد منهم، ثم قام الناشر بتحويل الاستبيان حوله بحيث يتمكن قراءه من ملء ما شعروا به حول القضايا وما إذا كانت تلك القضية مهمة للغاية أو مهمة أو غير مهمة بالنسبة لهم، وفى مرحلة لاحقة تم مطابقة إجابات القارئ ضد آراء المرشحين السياسيين وتم رسم مخطط وإرساله إلى القارئ المستجيب حتى يتمكنوا من اكتشاف آراء المرشحين التي تتماشى بشكل أكبر مع وجهات نظرهم الخاصة، مشيرا إلى انه فى اليوم الأول الذي تم فيه ذلك ، كان لديهم 130 ألف من قرائهم يملؤون هذا المخطط ويتم إعلامهم بطريقة جديدة ، وبطريقة جذابة.
دعا جولدن المحررين إلى الاهتمام بصحافة البيانات وقراءة البيانات التي يوفرها التوزيع الرقمي وأن يسألوا أنفسهم، ما مدى عمق القصة التي ذهب إليها القراء؟ ما هي الاختلافات في هذا الصدد بالنسبة للقراء غير الرسميين ، والقراء المشتركين والمشتركين؟، ما تم نقله في تلك المرحلة للقراء؟، ما الذي يتم نقله عند هذه النقطة أنهم يغادرون؟، هل الروابط متبوعة؟ هل الرابط مفيد للمشاركة؟، هل الاتجاهات ذات مغزى؟