قوة القيامة
السيد المسيح قد دل بقيامته علي أنه كان أقوي من الموت, وانتصر علي قوته . فلم يكن صمته أثناء محاكمته ضعفا منه.
ولو كان قد تكلم, لأفحم سامعيه وأقنعهم, ولكن هذا لم يكن هدفه, بل كان أن يفدينا, ولذلك عندما طلبوا إليه أن ينزل من علي الصليب رفض مع أنه كان يستطيع.. إذ كان هدفه أن يموت عنا ويتألم نيابة عنا ويدفع ثمن الخطية كفارة لنا وفداء.
حقا, إن قيامته من الموت كانت أقوي من نزوله عن الصليب, كما أن قيامته كانت دليلا علي أنه مات بإرادته وليس مرغما..
وبخاصة لأنه قام بذاته دون أن يقيمه أحد, وخرج من القبر بذاته والقبر مغلق, كما خرج من بطن العذراء وبتوليتها مختومة..
حقا كما قال عن نفسه: إن له سلطان أن يضعها, وله سلطان أن يأخذها (يو10:18).
قيامته دلت علي أن موته كان وبذلا, ولم يكن قهرا.
وكان الإيمان بقيامته يعني الإيمان بحبه وبذله وفدائه للبشرية, وكان يعني الإيمان بقوته وبكل ما قاله من قبل عن نفسه وعلاقته بالآب.
ودلت قيامته علي أنه كان أقوي من كل العوائق. كانت قيامته انتصارا علي كل معارضيه ومقاوميه, وانتصارا علي الموت وعلي الهاوية وعلي القبر وعلي الحجر الكبير وعلي الأختام وعلي الأكفان اللاصقة..
لذلك لما عرفه القديس بولس, قال: لأعرفه وقوة قيامته (في3:10).
هذه بعض نواحي القوة التي رآها الناس علي الأرض, إلي جوار قوة الظهورات المتعددة, وقوة الصعود إلي السماء والجلوس عن يمين الآب. وقت دخوله إلي العلية والأبواب مغلقة وقوة تحويله للتلاميذ من قوم ضده خائفين إلي أبطال ينشرون الكرازة بكل قوة وبلا مانع..
وكما كانت قيامته قوية, هناك قوة أخري سبقت قيامته..
تلك قوته بعد موته, التي استطاع بها أن يفتح أبواب الجحيم ويخرج الأرواح التي في السجن بعد أن كرز لها بالخلاص (1بط3:19). استطاع بهذه القوة أن ينزل إلي أقسام الأرض السفلي, وأن يسبي سبيا, ويعطي الناس عطايا الفداء, ثم يصعد أيضا بعد القيامة فوق جميع السموات لكي يملأ الكل (أف4:8-10).
هذه قوة الذي مات بالجسد, وكان بلاهوته حيا لا يموت.
إنها قوة ذلك الذي قال ليوحنا في سفر الرؤيا: أنا الأول والآخر والحي وكنت ميتا. وها أنا حي إلي أبد الآبدين آمين. ولي مفاتيح الهاوية والموت (رؤ1:17-18). هذا القوي الذي قام ناقضا أوجاع الموت, إذ لم يكن ممكنا أن يمسك منه (أع2:24).
وقوة قيامة المسيح كانت تحطيما لرؤساء كهنة اليهود ولكل الصدوقين.
كانت دليلا علي جريمتهم في محاكمته وتقديمه للصلب. وكانت دليلا علي كذب كل ادعاءاتهم السابقة, وبالقيامة يصبحون مدانين أمام الشعب.
3- حقيقة القيامة
لذلك لما نادي التلاميذ بالقيامة في كل مناسبة, قال لهم رؤساء الكهنة: أما أوصيناكم وصية ألا تعلموا بهذا الاسم؟ وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم, وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان (أع5:28).
أما الصدوقيون فلا يؤمنون بالقيامة عموما, لذلك كانت قيامة برهانا عمليا خطيرا علي مسار عقائدهم وتعليمهم.
ولذلك قاوموا القيامة بكل قواهم, وقاوموا التلاميذ في مناداتهم بالقيامة. وهكذا يقول الكتاب: فقام رئيس الكهنة, وجميع الذين معه الذين هم شيعة الصدوقيين, وامتلأوا غيرة. فألقوا أيديهم علي الرسل, ووضعوهم في حبس العامة.. (أع5:17-18).
ولكن قوة القيامة, كانت أقوي من هؤلاء جميعهم ومن مقاوماتهم.
كانت قوة القيامة ترعب رؤساء اليهود, لأنه كانت تدل علي بره. فلو كان مدانا, ما كان ممكنا له أن يقوم. وكما كانت القيامة دليلا علي بره, كانت في نفس الوقت دليلا علي ظلم هؤلاء الرؤساء, وعلي تلفيقهم للتهم ضده, هؤلاء الذين كانوا قد فرحوا حينما ظنوا أنهم قد تخلصوا منه وقتلوه.
إن الحديث عن ظهوره بعد قتلهم له, كان يرعبهم..
والرسل القديسون لم يكفوا مطلقا عن توبيخهم في هذه النقطة بالذات. وهكذا قال لهم القديس بطرس الرسول بعد معجزة شفاء الأعرج: إله آبائنا مجد فتاه يسوع, الذي أسلمتموه أنتم, وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس وهو حاكم بإطلاقه! ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار, وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل! ورئيس الحياة قتلتموه, الذي أقامه الله من الأموات, ونحن شهود علي ذلك.. (أع3:13-15).
نتائج القيامة
إن عبارة المسيح الحي مفرحة للتلاميذ, ولكنها كانت تخيف رؤساء اليهود, كما أنها تخيف الخطاة جميعا..
لم تكن تخيفهم وقت القيامة فقط ووقت الكرازة بها, بل إن هذا الخوف سيظل يتابعهم حتي في المجيء الثاني للمسيح وفي الدينونة, وفي هذا يقول الكتاب: هوذا يأتي مع السحاب, وسننظره كل عين والذين طعنوه, وينوح عليه جميع قبائل الأرض (رؤ1:7).
وكثيرون مثل كهنة اليهود يريدون أن يتخلصوا من المسيح, لأن وجوده يبكتهم ويكشفهم, وبوجوده يخزي وجودهم الخاطئ..
أما التلاميذ فقد فرحوا إذ رأوا الرب (يو20:20), واستمر معهم الفرح كمنهج حياة..
لقد فرحوا بقيامة الرب, وفرحوا بظهوره لهم, وفرحوا بصدق كل مواعيده, وفرحوا بالقيامة بوجه عام, وبالانتصار علي الموت, وفرحوا لأن اليهود ما عادوا يشمتون بهم. كذلك بالقوة التي نالوها, وبالرسالة التي عهد الرب بها إليهم بعد القيامة وفرحوا بانتشار الكرازة, بل فرحوا حتي بالضيقات التي لاقوها في شهادتهم للرب, وقال عنهم الكتاب: أما هم فخرجوا فرحين, لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا لأجل اسمه (أع5:41).
وبالقيامة أصبح الصليب إكليلا ومجدا, وليس ألما..
ما عاد التلاميذ يتضايقون من الاضطهادات, وهكذا يقول بولس الرسول: أنني أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح (2كو12:10), ويقول أيضا: كحزاني ونحن دائما فرحون (2كو6:10).
إن فرح القيامة, وما بعد القيامة, صار عزاء في كل ضيقة, لأن أفراح القيامة تنسي بلاشك آلام الجلجثة.. استطاعت القيامة أن تمنح التلاميذ ثقة وإيمانا وقوة..
لما تحققت أمامهم وعود المسيح لهم بأنه سيقوم وسيرونه, وثقوا أيضا بتحقيق كل الوعود الأخري التي قال لهم مثلأنا ماض لأعد لكم مكانا. وإن مضيت وأعددت لكم مكانا, آتي أيضا وآخذكم إلي, حتي حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا (يو14:2, 3).
ووثقوا أيضا بوعده عن إرسال الروح القدس إليهم (يو16:7), وأنهم سينالون قوة متي حل الروح القدس عليهم (أع1:8). ووثقوا بوعده ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر (متي28:20). وكل هذه الوعود منحتهم قوة وإيمانا وفرحا.
وفرح التلاميذ كذلك بالجسد الروحاني الذي للقيامة, حينما يقيم المسيح أجسادهم أيضا كما قام.. هذا التجلي الذي سيكون للطبيعة البشرية في القيامة من الموت. وقد تحدث القديس بولس الرسول بإسهاب في هذه النقطة, فقال: هكذا أيضا قيامة الأموات: يزرع في فساد, ويقام في عدم فساد. يزرع في هوان, ويقام في مجد. يزرع في ضعف, ويقام في قوة. يزرع جسما حيوانيا, ويقام جسما روحانيا (1كو15:42-44). وقال أيضا عن الرب يسوع: الذي سيغير شكل جسد تواضعنا, ليكون علي صورة جسد مجده (في3:21).
وفي فرح القيامة فرحوا أيضا بالملكوت الذي يكون بعدها, وبالنعيم الأبدي وكل ما فيه.
عرفوا أن القيامة لها ما بعده, واستطاع القديس بولس الرسول أن يعبر عن ذلك بقوله: ما لم تره عين, ولم تسمع به أذن, ولم يخطر علي بال إنسان, ما أعده الله للذين يحبونه (1كو2:9). وتحدث هذا الرسل أيضا عن الإكليل المعد فقال:
وأخيرا قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل. وليس لي فقط, بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضا (2تي4:8).
كما أن الرب في سفر الرؤيا, شرح أمجادا أخري للغالبين سينالونها بعد القيامة.
فتحدث عن شجرة الحياة, وإكليل الحياة, والمن المخفي, والاسم الجديد, والسلطان, وكوب الصبح, والثياب البيض.. (رؤ2:3).
بل ما أجمل قوله: من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي, كما غلبت أنا أيضا وجلست مع أبي في عرشه (رؤ3:!2).
إننا لا نستطيع أن نفصل القيامة عن أمجاد القيامة, هذه التي من أجلها اشتهي القديسون الموت.
فقال بولس الرسول: لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جدا (في1:23). وقال الرسول أيضا: ونكون كل حين مع الرب.
وتحدث القديس يوحنا في رؤياه عن أورشليم الجديدة, النازلة من السماء التي هي مسكن الله مع الناس. حقا ما أجمل القيامة التي تؤدي إلي كل هذا. وكل هذا ننتظره نحن في رجاء, فرحين بالرب وبمواعيده.. كونوا جميعكم في هذا الفرح. وكل عام وأنتم بخير.
إخرستوس آنستي.. أليثوس آنستي..