في عالم يعمه التطور السريع والتغيرات المتسارعة، تصبح بناء الشخصية وتعزيزها أمرًا ضروريًا للتأقلم والنجاح. يتطلب بناء الشخصية مجهودًا مستمرًا ومنهجيًا، يستند إلى فهم القيم الأخلاقية الأساسية والتزام الفرد بها، وتحديد السلوك المناسب الذي يتماشى معها، مع العمل المستمر على المحافظة على هذا الاستمرار. ولا يمكن أن نتغافل العوامل الخطرة التي تواجه الإنسان وقد تؤدي إلى تدهورها أو تشويهها.
تشير الأبحاث العلمية الحديثة في علم السلوك البشري إلى أن الشخصية الصالحة لا تنمو بشكل تلقائي، بل تتطلب جهدًا وتفانيًا واستمرارية مثلما يقوم الشخص ببناء أي بناية. يتضمن بناء الشخصية تخطيطًا دقيقًا، ووضع رؤية واضحة، واستخدام الأدوات والموارد المناسبة، وبذل الجهد المستمر.
ومن المهم أن يتم بناء الشخصية على أسس أخلاقية صحيحة، مستمدة من مصادر موثوقة، وتتضمن خلق الحس الأخلاقي الداخلي والالتزام الأخلاقي، والعمل وفقًا لهذه القيم. فتتضمن هذه القيم الاحترام وتحمل المسؤولية والأمانة والعدالة والاستقامة واللطف وضبط النفس والشجاعة. وتعتبر هذه القيم الأخلاقية معايير موضوعية ذات قبول عام، تحفز الإحساس بالضمير الشخصي والجماعي. وتعكس تلك القيم اهتمامًا بكرامة الإنسان ورفاهيته، وتعمل على تحقيق الخير العام وتحديد الحقوق والواجبات.
وفي هذا السياق، فإن مبدأ القانون الذهبي للمعاملات يبرز أهميته “فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ…”، وفي صياغة أخرى: “فَبِالكَيفيَّةِ الَّتيْ تُحِبُّ أنْ يُعامِلَكَ الآخَرُونَ بِها، هَكَذا عَلَيكَ أنْ تُعامِلَهُمْ” حيث يُحث على معاملة الآخرين بالطريقة التي ترغب أن يعاملوك بها. ويعكس هذا المبدأ القيم الأخلاقية الجوهرية التي يجب أن توجه سلوك الإنسان في حياته.
إن بناء الشخصية يتطلب تفكيرًا علميًا وممارسة أخلاقية مدروسة ومستمرة، تستند إلى قيم أساسية وتحافظ على المعايير الأخلاقية المجتمعية والشخصية. ومن خلال هذه العملية، يمكن للأفراد تحقيق التنمية الشخصية والنمو الروحي والاجتماعي. وهنا تلعب شخصية الإنسان دورًا أساسيًا في تشكيل مسار حياته وتفاعله مع العالم من حوله. إن فهم العناصر المكونة لهذه الشخصية يعزز الوعي الذاتي ويساهم في تحقيق التنمية الشخصية.
شخصية الإنسان تتكون من مجموعة من العوامل الأساسية التي تتفاعل مع بعضها البعض لتشكل نسيجًا معقدًا من الهوية الشخصية. تشمل هذه العوامل، العامل الفكري الذي يعكس قدرة الإنسان على التفكير واتخاذ القرارات الحاسمة في حياته. إن العقل والإرادة هما الأدوات الأساسية التي يستخدمها الفرد لتوجيه سلوكه وتحقيق أهدافه. ثم يأتي العامل الأخلاقي الذي يدلل على القيم والمبادئ التي يعيش بها الفرد والتي توجه سلوكه وتحدد موقفه أمام التحديات الأخلاقية. ويعتمد السلوك الأخلاقي على تقديرات المرء للخير والشر ومدى التزامه بالقيم الأخلاقية المعترف بها في المجتمع. فالعامل الجسدي وهو يشير إلى الطبيعة المادية الذي يعيش فيه الإنسان ويتفاعل مع البيئة المحيطة به. يتطور الجسد بسرعة خلال مراحل النمو والنضوج، ويؤثر بشكل مباشر على قدرة الفرد على القيام بأنشطته اليومية. ثم يظهر العامل الاجتماعي في تفاعل الإنسان مع المجتمع والآخرين من حوله. يتضمن ذلك تكوين العلاقات الاجتماعية، وتطوير الصداقات، والمساهمة في الحياة المجتمعية بشكل فعّال. وأخيرًا العامل العاطفي بما يمثله من العواطف والمشاعر، والتي تؤثر على تفاعلاته وسلوكياته بشكل كبير. يتطلب النضوج العاطفي القدرة على التحكم في المشاعر وتوجيهها بطريقة بناءة.
لذا يجب فهم شخصية الإنسان كوحدة متكاملة، حيث تتفاعل هذه العوامل مع بعضها البعض لتشكيل الهوية الشخصية. ومن خلال هذا المفهوم، يمكن للفرد أن ينمي ويعزز شخصيته بشكل شامل ومتوازن، مما يساعده في تحقيق النجاح والرضا في حياته الشخصية والمهنية.
ويؤكد علماء النفس إنه في عملية بناء الشخصية الصالحة، تبرز ثلاثة عناصر أساسية تسهم في تشكيل هويتنا الأخلاقية وتوجيه سلوكنا نحو الخير والنجاح. تعتبر هذه العناصر، وهي: المعرفة الأخلاقية، والحس الأخلاقي، والسلوك الأخلاقي – أركانًا أساسية في بناء شخصية قوية ومتزنة.
المعرفة الأخلاقية تشمل مجموعة من القدرات والمهارات التي تساعدنا على فهم القيم والمبادئ الأخلاقية وتطبيقها في حياتنا اليومية. يتضمن ذلك الوعي الأخلاقي، ومعرفة القيم الأخلاقية، واحترام الآخر، والتفكير الأخلاقي للوصول إلى السبب وراء القيام بأي فعل، وتقييم النفس وفهم الدوافع، واتخاذ القرار. وعنصر الحس الأخلاقي يعكس قدرتنا على التفكير والتحليل من خلال الضمير واحترام الذات والمشاركة الوجدانية وحب الخير وضبط النفس. إن وجود الحس الأخلاقي القوي يسهم في توجيه سلوكنا واتخاذ القرارات الصائبة بناءً على المبادئ الأخلاقية الصحيحة. والسلوك الأخلاقي الذي يعكس الناتج النهائي لتطبيق المعرفة والحس الأخلاقي في سلوكنا اليومي. يشمل الكفاءة الأخلاقية، وقوة الإرادة، والتعوُّد، الذي يمثل عضلات الشخصية التي تتطور وتقوى من خلال الممارسة المستمرة للسلوك الصالح والأخلاقي.
إن بناء الشخصية الصالحة يعتمد على توازن هذه العناصر الثلاثة، حيث تعمل المعرفة والحس الأخلاقي على توجيه السلوك نحو النجاح والتطور الشخصي. ومن خلال تطبيق السلوك الأخلاقي، يمكننا بناء عادات وأنماط سلوكية تعزز تطوير شخصيتنا وتحقيق أهدافنا بثقة وثبات.
قس بالكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر