حضارات الشرق القديم هي الأكثر إثارة ومتعة, من بين جميع حضارات العالم علي مختلف العصور والحقب الزمنية المختلفة, خاصة في مصر والعراق, في هاتين الحضارتين بالذات تجد كم الأساطير والقصص والروايات التي تبهر وتسحر العقول, العالم كله مبهور فقط لمجرد النظر إلي هذه التماثيل والمعابد والقبور, مجرد النظر إلي هذا العالم المدهش وما يخفيه من أسرار وقد حفظت هذه الأسرار طي صندوق النسيان منذ تركت اللغة المصرية القديمة, وقد تحولت من القبطية المتطورة من المصرية القديمة تزامنا مع وجود البطالمة في مصر عندما استعان المصريون القدماء بحروف الهجاء اليونانية مع بعض من الحروف المصرية القديمة لتتبلور التصور الأخير للغة المصرية القديمة في شكل اللغة القبطية, حتي انتهاء التعامل بها, أصبحت اللغة القبطية, لا تقرأ إلا في الكنائس بصلوات القداسات. دفن معها أسرار الحضارة القديمة, إلي أن جاءت الحملة الفرنسية علي مصر, بعد ما يقرب من ثمانية عشر قرنا, وعثور الضابط الفرنسي علي حجر رشيد الذي به فك رموز المصرية القديمة, ومنها بدأت الحكاية لاستكشاف الكنوز الحقيقة الأكثر قيمة من الذهب والفضة, معرفة أصول الحضارة المصرية, أسرارها المدفونة تحت الأرض, نعم نجح شامبليون في فك رموز اللغة المصرية القديمة في عام 1799 ميلادية عندما اكتشف ضابط فرنسي يدعي بوشار حجر في رشيد في 9 يوليو لعام 1799 ميلادية.
ولكن ليس بمجهوده فقط, لقد استعان هذا العالم بقس قبطي يدعي يوحنا الشفشتي, هو الذي قام بالدور الأكبر حيث علمه اللغة المصرية القديمة وشرح لها كيفية الوصول إلي ترجمة هذه النصوص عندما قارن ما هو مكتوب علي حجر رشيد, الذي نقشت عليه ثلاث لغات البطلمية والمصرية القديمة. اهتدي إلي الأشكال البيضاوية الموجودة في النص الهيروغليفي, والتي تعرف بالخراطيش تضم أسماء الملوك والملكات, وتمكن من مقارنة هذه الأسماء بالنص اليوناني من تمييز اسم بطليموس وكليوباترا وكانت هذه الحلقة التي أدت إلي فك رموز اللغة الهيروغليفية.
مع مقارنة اسم الملكة كليوباترا في الخرطوش الخاص بها, تتبع الحروف والكلمات نجح في معرفة الرموز والحروف مع مقارنتها, وبالتالي نجح فك رموز لتشرق شمس المعرفة الحقيقية عن أعظم حضارة خلدها التاريخ, أشرقت شمس المعرفة, علي العالم كله, من كنوز في العلوم والفلسفة والتاريخ والفلك, لم تكن المعابد والقبور والأهرامات إلا شواهد تقول لنا: إن هناك أسرارا سوف تغير الكون كله, لو أتقنا معرفتها جيدا إذ تخبرنا البرديات التي تملأ كل متاحف العالم, العالم كله ينحني لحضارة مصر القديمة, كل العالم ينحنون لملوك مصر القديمة, ما السر وراء هذه الحضارة؟
ولكن كيف نحن أحفاد أعظم عقول ذكرها التاريخ؟
لعلك لا تندهش عندما تسمع عبقرية مصرية تنفجر لتبهر العالم كله, ما هذا إلا جينات متوارثة من الأجداد, انظر هاني عازر, المهندس المصري الذي شيد أضخم المشاريع في العالم, أحمد زويل عالم الفيزياء, مجدي يعقوب أمير القلوب, لا مجال لذكر الكثير, ببساطة لأن مصر نورها يشرق علي العالم كله من أبنائها. ولكن ماذا ينقصنا الآن لتواصل هذه العقول تفردها ونبوغها, وقيادة الحضارة وكتابة التاريخ من جديد, لعلك لا تندهش, عندما تسمع هذه القصة البسيطة, التي رأيتها بعيني, لمجموعة من الأطفال لم يتجاوز كبيرهم عشرة أعوام, يجلسون بالقرب من إحدي الترع في قرية صغيرة من قري الصعيد, يلعبون, يجلسون في شكل حلقات, يقشرون البوص لنبات الذرة الشامية بعدما جفت, يساوون هذه الأعواد بمقاسات متساوية وكذلك اللب ثم يصممون بها أشكالا هندسية رائعة, مثل منزل من طابقين أو عربة يجرها حصان, قمة في الجمال, ربما يكون الطفل قد شاهد غيره ولكن كيف نجح هذا في تشكيل تحف فنية من مجرد خامات, عندما اقتربت منهم, وأنا مفتون بجمال صنعهم خافوا مني, دمروا ألعابهم وتصميماتهم وفروا, ضحكت علي براءة هؤلاء الأطفال, وحزنت لتدميرهم هذا الجمال, لكن ما هو الذي يشغل ذهني, لماذا لم يكمل هذا الطفل إبداعه الرائع, لماذا لا نجد الاهتمام الكافي بمثل هذه المواهب؟ نحن نحتاج لدفع هؤلاء الأطفال الذين يمتلكون ذكاء هندسيا ورياضيا يتسع لخيال خصب بديع, علي الناحية الأخري, هؤلاء الأطفال هم أحفاد صناع الحضارة, الذين جعلوا للتاريخ معني, إذا كنا نحن أحفاد صناع الحضارة, ولازال معنا الكثير والكثير مثل العلماء الذي ذكرناهم ومعها الأطفال المبدعون سابقا, إذن التواصل مستمر ما بين الماضي والحاضر بين جميع الأجيال, هل من حلقة مفقودة لم نجدها بعد حتي نطل من جديد, علي هذا العالم الذي أصبح أكثر تعقيدا وعلما, دون شك لا يخلو أي مجال من مجالات الحياة في الأدب أو الفلسفة, العلم أو الفضاء إلا والأيادي المصرية في المطبخ جنبا إلي جانب مع رواد العالم وقادة الفكر في العصر الحديث, كيف نطلق لهم العنان, الإبداع الاختراع والتطوير. ساعدوا في تحرير العقول للنهوض والرقي, لا نريد عقولا مريضة أصابها الوهن ببعض من البيروقراطية, أو روتينا قاتلا يفرغ العقول من قدراتها الإبداعية, فقط نحتاج إلي رعاية إبداعية خالصة متحررة من كل القيود والواسطة التي تهدم الجميع في طريقها, نحتاج لفرز الغث من الثمين, ولا يفضل فيها القبيح علي الجيد في مثل هذه الأمور بالذات, يبقي الإبداع نقيا صافيا بدون أي شوائب, حتي نستطيع أن نجد عقولا مصرية خالصة أمينة لاستكمال, صنع الحضارة المصرية لتبقي مستمرة بصورة حقيقية شفافة بدون رتوش..