تحي منظمة الأمم المتحدة في مثل هذا التاسع من فبراير من كل عام اليوم الدولي لمنع التطرف العنيف عندما يفضي إلى الإرهاب، حيث وضعت المنظمة خطة العمل لمنع التطرف العنيف، ودعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى اتباع نهج شامل في خطة العمل لا تشمل فقط الإجراءات الأمنية الأساسية لمكافحة الإرهاب ولكن خطوات وقائية منهجية كذلك لمعالجة الظروف الأساسية التي تدفع الأفراد إلى التطرف والانضمام إلى الجماعات المتطرفة العنيفة.
ولم يعد خطر التطرف والإرهاب المصاحب له يقتصر على دولة أو منطقة بعينها، وإنما بات ظاهرة عالمية، إذ أن التنظيمات المتطرفة والجهادية العابرة للحدود لا تستثني في عملياتها الإرهابية بلداً أو منطقة؛ ولا شك في أن التعقيد والتشابك الذي تتسم به ظاهرة التطرف والإرهاب قد انعكس بشكل أو بآخر على طبيعة الاستراتيجيات التي تتبناها الدول لمواجهتها.
وبالفعل هناك العديد من التجارب في هذا الشأن؛ فبعض الدول تولي أهمية للجانب الأمني والعسكري، بينما تركز أخرى على الجانب التشريعي والقانوني، وتدمج دول أخرى الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية ضمن استراتيجياتها العامة لمكافحة هذه الظاهرة، وتشرك جميع مؤسسات المجتمع، بداية من الأسرة ومروراً بمؤسسات التعليم والإعلام ومنظمات المجتمع المدني، ونهاية بالقطاع الخاص، في تنفيذ هذه الاستراتيجية، وهذا ما يمكن أن يطلق عليه المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية التي تعني تكامل جهود هذه المؤسسات مع جهود الدولة في مواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب.
إن تنامي المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية في أي مجتمع من شأنها تعزيز الجهود الحكومية في مواجهة التطرف والإرهاب، لأنها تعني ارتفاع مستوى الوعي بين أفراده وتزايد الإدراك لدى مؤسساته بخطورة هذه الظاهرة من ناحية، وضرورة العمل على مواجهتها من خلال استراتيجية شاملة ومتكاملة .
وهناك من يعتبر أن المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية هي مسؤولية الفرد عن نفسه ومسؤوليته تجاه أسرته وأصدقائه وتجاه دينه ووطنه من خلال فهمه لدوره في تحقيق أهدافه واهتمامه بالآخرين من خلال علاقاته الإيجابية ومشاركته في حل مشكلات المجتمع وتحقيق الأهداف العامة
ويذهب آخرون إلى اعتبار أن المسؤولية الاجتماعية والمسؤولية الأخلاقية مفهومان متلازمان، من منطلق أن بناء الفرد المسؤول في المجتمع لا يمكن أن يتحقق دون الالتزام بمنظومة القيم الأخلاقية السائدة فيه، والتي تنمي لديه الإدراك بالمسؤولية العامة، وضرورة المشاركة بفاعلية في نهضة مجتمعه على الصعد كافة، وكذلك التعاون مع باقي أفراد المجتمع، والعمل بروح الفريق.
وينصرف، في هذا السياق، البعد الأخلاقي للمسؤولية الاجتماعية إلى عدة أمور، هي:
أولها التزام الفرد بواجباته تجاه المجتمع الذي يعيش فيه؛
وثانيها التنشئة الاجتماعية السليمة التي تشارك فيها مختلف الأطراف المعنية بالمسؤولية الاجتماعية، بداية من الأسرة والمدرسة ومنظمات المجتمع المدني والإعلام؛
وثالثها الإحساس الذاتي والتعاون من جانب أفراد المجتمع تجاه أي حدث طارئ أو مشكلة ما تواجه المجتمع
في ضوء الاتجاهات السابقة، فإن ثمة اتفاق بين العديد من الباحثين على أن انتشار المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية في أي مجتمع يشكل أهمية بالغة في تنميته وتطوره في مجالات مختلفة، إذ أن استمرار عمل أي مؤسسة في المجتمع، بغض النظر عن تخصصها، يشترط أن توجه أنشطتها لخدمة وتنمية المجتمع المحيط بها. كما تلعب المسؤولية الاجتماعية دوراً مهماً في استقرار الحياة للأفراد والمجتمعات، حيث تعمل على صيانة نظم المجتمع، وتحفظ قوانينه وحدوده من الاعتداء، خاصة إذا ما قام كل فرد وجماعة بالواجب والمسؤولية تجاه المجتمع الذي يعيش فيه
كما تعد المسؤولية الاجتماعية، في الوقت ذاته، مطلباً مهمّاً من أجل إعداد النشء لتحمُّل دوره في المستقبل والقيام به خير قيام والمشاركة في بناء المجتمع، وتقاس قيمة الفرد في مجتمعه بمدى تحمله المسؤولية تجاه نفسه وتجاه الآخرين، بحيث يعتبر الشخص المسؤول على قدر من السلامة والصحة النفسية ولهذا، فإن المسؤولية الاجتماعية باتت معياراً مهماً ومؤشراً على تطور المجتمع ونموه، وهي مهمة يجب أن تقوم بها المؤسسات التثقيفية والتعليمية المسؤولة عن تنشئة المجتمع وخاصة
في ضور هذه النتائج نخلص إلى التأكيد على أهمية العمل على تطوير المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية لمؤسسات التعليم، باعتبارها تقوم بدور رئيسي وفاعل في مواجهة التطرف والإرهاب، خاصة أن هذه المؤسسات حينما تقوم بهذا الدور تتعاون مع باقي مؤسسات المجتمع في تنفيذه، الأمر الذي ينطوي على أهمية بالغة في بناء أي استراتيجية شاملة لمواجهة التطرف والإرهاب، ولاسيما أن الدور الذي تقوم به مؤسسات التعليم في هذا السياق يركز على الجانب الوقائي من الفكر المتطرف من خلال توعية الطلاب بمخاطر هذا الفكر أو من خلال ترسيخ منظومة القيم الإيجابية والأخلاقية التي تحصنهم ضد أية أفكار متطرفة أو دخيلة على المجتمع.