رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لشباب الأعمال بالسويس
تحتفل دول العالم فى العشرين من شهر فبراير من كل عام باليوم العالمى للعدالة الاجتماعية
ويهدف الإحتفال لتعزيز الحوار مع الدول الأعضاء فى منظمة الأمم المتحدة وإتاحة مزيد من التشاور مع مؤسسات المجتمع المدنى والشباب والحكومات وكيانات الأمم المتحدة لدعم العقد الاجتماعى، وبناء تحالف من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية فى المجتمعات المختلفة للحيلولة دون وقوع الفوضى وزيادة التفاوت بين طبقات المجتمع، وتوفير وظائف لائقة خاصة فى مجالات الاقتصاد الرقمى والاقتصاد الأخضر والاقتصاد القائم على خدمات الرعاية بشكل عام.
وظهر مصطلح العدالة الاجتماعية للمرة الأولى في شهر ديسمبر عام 1784، بتصريح للملك الفرنسى لويس السادس عشر عندما قال: “لن يجرؤ الإقطاعيون على إظهار أنفسهم بعد الآن؟ هناك حقوق مقدسة للبشرية، ومن بينها العدالة الاجتماعية”.
العدالة الاجتماعيّة هي أحد النظم الاجتماعيّة التي من خلالها يتم تحقيق المساواة بين جميع أفراد المجتمع سواء في فرص العمل، وتوزيع الثروات، والامتيازات، والحقوق السياسيّة، وفرص التعليم، والرعاية الصحيّة وغير ذلك، وبالتالي يتمتّع جميع أفراد المجتمع بغضّ النظر عن الجنس، أو العرق، أو الديانة، أو المستوى الاقتصاديّ بعيش حياة كريمة بعيدًا عن التحيّز.
وفى ظل حالة من عدم اليقين التى تكتنف الاقتصاد العالمي، وما نتج عنها من فجوات اجتماعية واقتصادية آخذة فى الاتساع جراء الآثار الهائلة التى خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية والتى لا يعلم أحد متى ستنتهي، وما سبقها من تداعيات أزمة جائحة كورونا، تزداد أهمية تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير حياة كريمة لكافة المواطنين على حد سواء لا سيما وأن معدلات الفقر والبطالة شهدت ارتفاعا كبيرا، الأمر الذى أوجب ضرورة تكاتف الشعوب والحكومات ومؤسسات المجتمع المدنى لتوفير آليات الحماية من مخاطر الحياة، ومساندة شرائح المجتمع المهمشة وتحقيق الحماية للفئات الأولى بالرعاية والأكثر احتياجا.
وتجدر الإشارة إلى أن بداية استخدام مصطلح ” العدالة الاجتماعية ” يعود إلى الثورة الفرنسية ، حيث أكدت باريس على حقوق الأشخاص فى التمتع بهذه العدالة وضرورة تقسيم الثروة مع التخلص من الحكم الإقطاعى ، ثم استمر هذا التعبير مع وضع عدد من التعريفات له اختلفت باختلاف الحقب الزمنية خلال الثورة الصناعية فى أوروبا فى القرن الثامن عشر مع معاناة طبقة العمال من قسوة النظام الرأسمالي.
ومع تطور المجتمعات البشرية، تبلور مفهوم العدالة الاجتماعية، وجاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذى اُعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 10 ديسمبر 1948 حيث أرسى المبادىء الإنسانية للعدالة الاجتماعية فى مادته الأولى والثانية، وقامت منظمة العمل الدولية بصياغة دستورها الذى وضعت فى مقدمته أنه ” لا يمكن تحقيق السلام إلا إذا كان قائما على العدالة الاجتماعية “، ثم ظهر هذا المصطلح بعد ذلك فى العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عن الأمم المتحدة فى ديسمبر 1966 ودخل حيز التنفيذ فى عام 1976، لتصبح فكرة العدالة الاجتماعية هي الفكرة التى يتبناها أى مجتمع يسعى لتحقيق التقدم والتنمية وتوفير حياة كريمة لأفراده يسودها الأمن والسلام.
ويؤكد عدد من علماء الاجتماع على أن مفهوم العدالة الاجتماعية يعنى إيجاد منظومة فكرية، ومنهج أخلاقي، وأحكام تشريعية، تضمن لجميع الأشخاص المساواة التامة أمام القانون والحصول على جميع الحقوق، فيما يرى علماء آخرون أن العدالة الاجتماعية هي استحقاق أساسي للإنسان نابع من كونه له الحق في التمتع بمجموعة من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية باعتبارها حقوقا أساسية من حقوق الإنسان وجزءًا لا يتجزأ منها.
كما يرى خبراء الاجتماع أن العدالة الاجتماعية ليس المقصود بها تلطيف آثار الفقر أو الحرمان، بل يقصد بها المواجهة الشاملة للفقر والحرمان بتهيئة الظروف للأفراد كي يغيروا من حياتهم للأفضل بتوفير كافة الخدمات من تعليم وصحة وسكن وغيرها من الخدمات.
وفى هذا الإطار يؤكد خبراء الاجتماع أن العدالة الاجتماعية هى رؤية للحياة تتأسس على مبادىء عامة أهمها: مبدأ المساواة فى الحقوق والواجبات دون تمييز بسبب الدين أو الجنس أو العرق، ومبدأ إتاحة الفرص والحريات للجميع على قدم المساواة فالعدالة الاجتماعية هي العمود الفقرى للمجتمع المستقر.
ولهذا، يمكن القول بأن العدالة الاجتماعية نظام يهدف إلى إزالة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع، وضمان تعاون الأفراد فى مجتمع متحد يحصل فيه كل فرد على فرص متساوية وفعلية.
جهود التمكين الاقتصادى:
قدمت الدولة المصرية تمويلا بلغ 43.8 مليار جنيه لتمويل 1.8 مليون مشروع من قبل جهاز تنمية المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، مما وفر نحو 2.8 مليون فرصة عمل حتى نوفمبر 2022.
كما قامت الدولة أيضا بتمويل 26.9 ألف مشروع من صندوق التنمية المحلية بتكلفة 184.8 مليون جنيه ، إلى جانب تمويل أكثر من 200.7 مشروع ببرنامج مشروعك بقيمة 25.6 مليار جنيه، مما وفر قرابة 2 مليون فرصة عمل حتى نهاية نوفمبر 2022.
ذلك فضلا عن تقديم قروض بقيمة 87 مليار جنيه للأنشطة الاجتماعية والاستثمارية الممولة من بنك ناصر الاجتماعى والتى استفاد منها حوالي 20.4 مليون مواطن.
من أجل تحقيق القدر الأكبر من العدالة الاجتماعية فى المجتمع المصري وذلك فى ضوء رؤية مصر 2030، نوصي بما يلي :
1- وضع مكافحة الفساد فى كل مؤسسات الدولة كهدف قومى تتعاون فيه الدولة مع المواطنين من خلال سياسات وإجراءات يشعر فيها المواطن بأهمية دوره فى ضبط المفسدين ومكافحة الفساد بوجه عام ، ويمكن منح حوافز مادية ومعنوية للمواطنين الذين يقومون بكشف كل أوجه الفساد فى مؤسسات الدولة.
2- وضع آلية متكاملة لرصد وتقييم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد من أجل قياس مدى التقدم المحرز فى تنفيذ خطط العمل.
3- إعادة صياغة منظومة الدعم وضمان وصول الدعم لمستحقيه بشكل دقيق .
4- إنشاء قاعدة بيانات دقيقة تشمل بيانات الفئات المهمشة والأشد عوزا ومستحقى عوائد برامج الحماية الإجتماعية.
5- التحول للدعم النقدي المشروط مقابل نظام الدعم العيني “السلعي” لاسيما وأنه يضمن وصول الدعم لمستحقيه ويسهم فى ضبط هيكل الإنفاق العام ومصروفات الدولة.
6- زيادة المخصص من ميزانية الدولة لقطاعي التعليم والصحة والتوسع فى بناء المستشفيات الحكومية والمدارس وزيادة أعداد المعلمين المؤهلين. كذلك يمكن زيادة أعداد المدارس التجريبية والتجريبية المتميزة والتى قد تكون ملاذا لأبناء الطبقة المتوسطة وبمصروفات تعليمية مناسبة .
7- زيادة التعاون بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدنى وجعلها شريكا أساسيا فى وضع برامج وسياسات الحماية الاجتماعية وشريكا فاعلا أيضا فى تنفيذ هذه السياسات .
8- العمل بشكل جاد ووضع مخطط كبير لزيادة معدلات التصنيع والإنتاج وزيادة الرقعة الزراعية ،وهو ما سيحقق بدوره خفضا كبيرا فى معدلات البطالة وخفض معدلات التضخم وبالتالى خفض معدلات الفقر .
9- الإسراع فى تنفيذ وتطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل بحيث تشمل كافة محافظات الجمهورية.
10- وضع سياسة إعلامية تتناول معنى وسبل تحقيق العدالة الاجتماعية مع إعطاء الأهمية القصوى لدور المواطن فى تحقيق هذه العدالة وتوضيح جهود الدولة فى هذا الصدد ونشر المعلومات الصحيحة من قبل الأجهزة المعنية حتى لا يقع المواطن فريسة للشائعات والأكاذيب التى يتم إطلاقها بشكل موظف ومدروس لإشاعة الإحباط واليأس فى نفوس المصريين.
رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50%، وزيادة المعاشات بنسبة 15%، وزيادة رواتب العاملين بالجهاز الإداري والاقتصادي للدولة وتعيين معلمين وأطباء جدد- بمثابة خطوة جريئة نحو تعزيز العدالة الاجتماعية وتوفير فرص متساوية لجميع شرائح المجتمع.
أن هذه القرارات تمثل رؤية استباقية تهدف إلى تحفيز الاقتصاد وتحقيق توازن بين النمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة.
وتعد قرارات الرئيس عبد الفتاح السيسي أكبر حزمة اجتماعية عاجلة للحماية الاجتماعية، بقيمة 180 مليار جنية، على أن يتم تطبيق هذه القرارات بداية من الشهر المقبل مارس 2024.