يأخذك صوت قيثارة السماء “فيروز” في بداية الفيلم، الذي يحمل اسم إحدى أغنياتها، لتحلق معها في سماء الحب الذي يشتعل في قلبي مسافرين لا تربطهما أي صلة في رحلة إلى الأقصر، “ليلى” و “شادي”، اللذان يجسدهما ياسمين رئيس وكريم فهمي.
تظن أن الرحلة ستكتمل كأي فيلم رومانسي عادي، نستنشق من خلاله عبق أفلام الزمن الجميل، حيث كانت الرومانسية تحتل مساحة كبيرة تنعش القلوب وترسخ قيمة الحب وقوته بين البشر.
ولكن المؤلف الكاتب محمود زهران ينعطف بالرحلة في منحنيات مؤثرة ومؤلمة.. لتعرفنا على عالم آخر لأناس قد يكونون بالفعل عائشين بيننا.. ولكننا يا للأسف.. نحكم عليهم بقسوة أو على الأقل نتهكم عليهم بسخرية.. دون أن نقف لحظة لنفكر.. ماذا لو كنا مكانهم!
جوانب عديدة مهمة يطرحها الفيلم
__ فمن خلال موقف مؤثر تلوم فيه البطلة ليلى أبيها ” محسن محيي الدين ” بسبب تخليه عنهم لينجو بنفسه من سطوة الأم.. تاركا اولاده نهباً سهلا لسطوتها… يُسلط الضوء على قضية تخلي الاب أو الأم عن الأولاد بسبب سطوة الطرف الآخر…. مما يدق جرس انذار مؤثر لكل أب او أم.. يفكر أن الحل هو الهروب والنجاة. بنفسه دون أن يفكر في تبعات ذلك على أولاده.. من انكسار وفقدان ثقة بالنفس وعدم السعادة!
__ أجادت “ياسمين رئيس” التعبير عن ليلى.. الابنة الضعيفة المكسورة دائما أمام جبروت الأم.. بصوتها ونظراتها الضعيفة وشعرها الذي كان أغلب الوقت بدون تصفيف وتأنق لمن في مثل ثرائها.. وحتى عندما حاولت التمرد لكسر سطوة الأم، لتنال سعادتها المشروعة – بدلا من الخنوع ككافة اخواتها _ لم تستطع التمرد سوى بإيذاء نفسها.. وليس المواجهة والتحدي.. وللأسف توقفت تباعاً مع الأحداث عند لحظة معينة بالزمن!
فهل توقف ساعات الزمن في العقل عند لحظة معينة.. هو نقمة على صاحبها.. أم نعمة من الله.. توازي منح الحياة من جديد بدون ألم…؟
__ سوسن بدر.. لقطات قليلة بأداء عظيم.. المرأة المتسلطة في أقوى صورها.. الجبروت الواثق من أدواته.. المستخف بكل من هو أقل منه في المستوى…. تتحكم في أسرة بأكملها.. ولا من مفر.. فهل ينجح من في مثل جبروتها في النهاية.. هل ينجح حب البنيان والجاه والهيلمان على حساب حب الإنسان والروح والكيان؟ هذا ما يدفع الفيلم المشاهد لتحققه بنفسه؟ أيهما الأهم؟ قضية شائكة.. هل ندركها في وقتها.. قبل فوات الأوان؟
Inline image
** لقطات واختيارات جديرة بالإشادة:
n كان احلال روائع أغاني فيروز مثل “أنا لحبيبي”، و “نسم علينا الهوى” مساحة الموسيقى التصويرية موفقاً جداً، إذ أعطت للرومانسية بالفيلم عمقاً أقوى .. نابعاً من ألفة أغانيها وتجذرها في وجدان الناس.
n ابداع المخرج هادي الباجوري في اختيار أماكن التصوير بأجمل المناطق السياحية في مصر، ومنها الأقصر ونويبع وسيناء.
n أحمد حاتم ومحمد الشرنوبي كانا مميزان في الأداء رغم صغر مساحة دورهما.
n كريم فهمى، أثبت من خلال أدائه السلس، تميزه في أداء دور البطل الجان الرومانسي الذي يقع في علاقات غرامية بشكل راقٍ جداً، يمكن أن ترشحه للقيام بمثل هذا الدور بنجاح لسنوات كثيرة قادمة ، خاصة بعد تجربته الناجحة جدا في مسلسل «ونحب تانى ليه» فى شخصية مراد السويفي الذي أحيا إلينا روائع رومانسية الزمن الجميل الذي عشقناه .. من خلال حبه لـ «غالية» التى جسدتها الفنانة ياسمين عبد العزيز.
n اللغة التصويرية مميزة بالفيلم، حيث ترك المخرج هادي الباجوري مساحة جميلة “للعيون” لكي تنطق بمكنونات النفوس.. ومنها تلك النظرة المؤثرة التي عبر فيها البطل كريم فهمي بعينيه عن اختلاج نفسه بالقلق.. عندما كانت ليلي تخاطب والدها قائلة حبيبي، وكيف تغيرت نظراته عندما علم أنها تحدث أبيها.
n نجح المخرج المتميز هادي الباجوري في استخدام لقطات انسيابية سلسلة وعميقة في نفس الوقت لتقديم الأحداث.. تشحذ التفكير بدون إرهاق وبدون حكي كثير.. رابطا الأحداث بالأسلوب السهل الممتنع حيث تنتقل اللقطات من بين الماضي والحاضر.. تاركا مساحة ممتعة للمشاهد لتبين كيف سارت الأمور.. وهذا في حد ذاته سبب رئيسي في نجاح الفيلم.
الفيلم لا يعظ بكلمات.. ولكن انسانياته تسطع بالتأمل فيما هو الأهم في الحياة!؟
“أنا لحبيبي” عُرض يوم السبت 24 فبراير، في أولى أيام مسابقة أفلام مهرجان المهرجان الكاثوليكي للسينما فى دورته الـ72، و التي تقام حاليا، وتستمر حتى 1 مارس. وأعقب عرض الفيلم ندوة خاصة عنه بحضور أبطال وصناع العمل.. وقد أحسن القائمين على المهرجان، وعلى رأسهم الأب بطرس دانيال، باختيار هذا الفيلم للعرض بالمهرجان.