تقارير” جولدا مائير”رئيسة الوزراء و”موشي ديان “وزير الدفاع و”إسحق رابين” الجنرال المتقاعد بعد حرب 1967في الأيام الأولى للحرب
تحقيقات لجنة أجرانات : عزل كل من الجنرال” الياهو زاعيرا ” رئيس جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية و الفريق ” دافيد العازار ” رئيس هيئة الأركان بالجيش الإسرائيلي
الوثائق تكشف الأخطاء التي حدثت في تحركات الفرقة 143 التي كان يقودها الجنرال “أرييل شارون”
“أود أن أصارح القارئ بأنها تجربة رائعة أن تشاهد مجريات ويوميات المعركة المصرية الظافرة من الجانب الآخر، بأن تجلس في مقاعد القيادة الإسرائيلية وهي مجتمعة لتتلقى التقارير كل بضع ساعات وأحياناً كل ساعة عن سير المعركة.
ستكتشف وأنت تطالع النصوص الكاملة للوثائق ( صدرت عن المركز القومي للترجمة في مجلدات متتابعة ) درجة الأداء العبقري للإنسان المصرى عندما يستجمع عزيمته. ستسمع شهادات القادة العسكريين الذين زاروا جبهة القتال عن مستوى التخطيط المصري للمعركة، وعن بسالة المقاتل المصرى وكفاءته في استخدام الأسلحة الحديثة.
من المهم أن تقرأ أقوال القادة الإسرائيليين وهم يعلنون اليأس وضرورة إخلاء خط القناة والتمترس عند خط المضايق في سيناء، بعد أن أصبح الطريق مفتوحاً من زاوية رؤيتهم لقواتنا للوصول إلى داخل إسرائيل.
من المفيد أيضاً أن تلاحظ قدرة الإسرائيليين على النقد الذاتي والاعتراف بالأخطاء واستخلاص الدروس المستفادة لتجنب تكرار الخطأ في المستقبل.
من الأمور الجوهرية أيضاً أن تلاحظ عدد مرات الاستغاثة على ألسنة القادة السياسيين والعسكريين بالولايات المتحدة للمساندة السياسية في مجلس الأمن، ولترسل مخزونها من الطائرات والدبابات الحديثة الموجودة في القواعد الأوروبية، والمناداة عليها لإرسال الطواقم البشرية اللازمة، هنا ستدرك دون شرح أن المقاتل المصري العظيم لم يواجه إسرائيل وحدها بل كان يحارب أيضاً أكبر قوة في العالم دون أن يتراجع.”
هذه السطور للراحل الكبير الدكتور إبراهيم البحراوي في تحليله للدراسة الموسوعية “انتصارات أكتوبر في الوثائق الإسرائيلية ” ذلك العمل الرائد الذي اضطلع به وتبناه المركز القومي للترجمة منذ عام 2014 ، وذلك عندما بدأت إسرائيل في الإفراج الجزئي عن وثائق الحرب بعد مرور نحو 40 عامًا على الحرب ..
وترجع أهمية دراسة هذه الوثائق إلى أن كثيرًا من المعلومات المتداولة في الإعلام حول الهزيمة العسكرية والصدمة الإسرائيلية ونجاح خطة الخداع الاستراتيجى المصرية ترد مستندة إلى وثائق رسمية تجعل المعلومات حقائق نهائية وتجعل الروايات تاريخا موثقًا أمام الأجيال الجديدة غير قابل للنفي أو الإنكار من جانب المصادر الاسرائيلية،فان هذه الوثائق تدحض الادعاء الإسرائيلي حول نتيجة الحرب وتكشف أبعاد الهزيمة الكاملة في ميدان القتال أمام الجيش المصري.
رحلة البحث والحجب
في الخامس والعشرين من اكتوبرعام 2020 وفي الذكرى السابعة والأربعين لحرب أكتوبر المجيدة ، قدمنا على هذه الصفحة عرضا تمهيديا للعمل الموسوعي ” انتصارات أكتوبر في الوثائق الاسرائيلية ” – ذلك العمل الرائد الذي اضطلع به وتبناه المركز القومي للترجمة منذ عام 2014 ، وذلك عندما بدأت اسرائيل في الإفراج التدريجي عن وثائق الحرب بعد مرور نحو 40 عامًا على الحرب.
وواقع الأمر أن هذا العمل الرائد لا تزال إصداراته المتتالية تضئ لنا طريق معرفة أسرار هذه الحرب المجيدة وكلما تعرضنا لها نكتشف المزيد والمزيد.
وتزداد أهمية هذه الترجمة في مرور خمسين عاما على حرب أكتوبر، وقد ذاع أمر هذه الوثائق السرية على العالم أجمع بعد أن أفرجت عنها حكومة إسرائيل وفقا للقانون الذي مدد فترة الحظر إلى 50 عامًا ، (ويلاحظ ان الدكتور البحراوي قام بنشربعض هذه الوثائق وتحليلها فى الاعلام المكتوب والمرئي، وذلك استنادا إلى النصوص الأصلية للوثائق في العمل الموسوعي ” انتصارات أكتوبر في الوثائق الإسرائيلية) .
قدم الدكتور الراحل إبراهيم البحراوي تجربته الرائدة في ترجمة هذه الوثائق ونشرها في أربعة أجزاء ( ومعه كتيبة العبري المصري كما وصفهم الدكتور البحراوي وهم الابطال الذين شاركوا في ترجمة الكتاب وهم الأساتذة ” أحمد حماد – أشرف الشرقاوي ـ بدوي محمد – حسين عبد البديع- سعيد سنجر- سعيد العكش – عادل مصطفى -عبد الله حمدي- عمرو عبد العلي- محمد عبود- محمد السامي مصطفى الهواري – منصور عبد الوهاب – منى ناظم – هاني مصطفى – يحي عبد الله “.
ضمت الوثائق : وثائق القيادة السياسية، وثائق وزير الدفاع وقادة الأسلحة والجبهة السورية، وثائق رئيسي الأركان والمخابرات العسكرية ،مختارات من الوثائق الاسرائيلية عن حرب الخامس من يونيو1967 لتتاح للدارس المتخصص فرصة المقارنة بين وثائق الحربين ، و يضم الجزء الرابع ثلاثة مجلدات بعنوان واحد ” تقارير لجنة اجرانات ” ، صدر المجلد الأخير منه في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام.
وقد اختارت المجموعة البحثية المصرية بقيادة دكتور إبراهيم البحراوي، أن تنتقي شهادات القادة السياسيين والعسكريين الأبرز، منها شهادة «جولدا مائير» رئيسة الوزراء و«موشيه دايان» وزير الدفاع، سكرتير رئيسة الوزراء للشئون العسكرية و نائب رئيسة الوزراء. «أبا إيبان» وزير الخارجية وأيضا «يسرائيل جاليلي وزير الدولة للإعلام، رئيس لجنة الخارجية والأمن بالكنيست ووزير السياحة، وغيرهم من أبرز قادة الأسلحة والأركان والجبهات الرئيسية. الذين أدلوا بشهادات حية تؤكد تفوق المقاتل المصري.
وعن أسباب حجب الوثائق يقول الدكتور البحراوي : يمكن للقارئ عندما يربط بين محاولات إسرائيل حماية معنويات أجيالها الجديدة ومحتوى الوثائق الإسرائيلية، التى نشرت نصوصها الكاملة بالمركز القومي للترجمة، أن يكتشف أمرين:
الأول: السبب الذي دفع السلطات الإسرائيلية إلى حجب أهم الوثائق عن النشر لمدة أربعين عاما، والذي جعلها تقوم بحذف بعض المواضع من أصول الوثائق قبل نشرها.
الثاني: السبب في منع نشر بقية محاضر اجتماعات القيادة الإسرائيلية للتشاور حول إدارة الحرب بعد يوم 9 أكتوبر وهو اليوم الرابع للقتال و الذي بدأ فيه الجسر الجوي الأمريكى الحامل للأسلحة الأكثر حداثة في الترسانة الأمريكية وأطقمها البشرية من الاقتراب من المطارات الإسرائيلية.
إن السبب واحد في الحالتين وهو محاولة حماية معنويات الأجيال الإسرائيلية الجديدة التي كانت في سن الطفولة أثناء حرب 1973 من فكرة هزيمة الجيش الإسرائيلي ومواصلة تنشئتهم في غيبة الوثائق الفاضحة على فكرة التفوق والانتماء للجيش الذي لا يقهر والتى سنعود إليها لاحقاً، هناك واقعة رواها لي أحد خريجي قسم اللغة العبرية العاملين في مجال السياحة، ذات دلالة مباشرة في هذا السياق، وهي أنه استمع إلى تعليقات وفد سياحي إسرائيلى من طلاب وطالبات المدارس الثانوية، جاء لزيارة بانوراما حرب أكتوبر في القاهرة. يقول الخريج إن أعضاء الوفد أصيبوا بصدمة وهم يشاهدون توثيق المعركة وهي صدمة لم يخرجهم منها إلا قول أحدهم تذكروا أن هذه الحرب انتهت بانتصار جيشنا وعبوره القناة «عملية الثغرة». إن الوثائق رغم حذف بعض المواضع تؤكد أن شارون ظل ينتظر بعيدا عن خط القناة بعد أن انتهت جميع محاولات اقترابه هو وقائد الفرقة الشمالية الجنرال بيرن بخسائر فادحة فأمرهما ديان بالبقاء بعيدا لحين وصول المدد الأمريكى.
أعتقد أن السلطات الإسرائيلية ( والكلام مازال لابراهيم البحراوى ) معذورة في حجب الوثائق كل هذه السنين، فلقد أدى نشر بعضها رغم بعد الزمن إلى ثورة ضد قيادة الحكومة وقيادة الجيش، انتهت إلى قيام بعض الناس بتلطيخ قبر وزير الدفاع موشيه ديان باللون الأحمر واتهامه كرمز للقيادة بالمسؤولية عن الدماء الإسرائيلية، التي أريقت وعن الهزيمة التي كادت تصل بالقوات المصرية إلى داخل الحدود الإسرائيلية، لولا التدخل الأمريكي المباشر في العمليات العسكرية.
يتحدث الدكتور إبراهيم البحراوي في مقدمة الكتاب، عن مدى الصعوبة التي واجهته للحصول على نصوص الوثائق ،والتي نشرها أرشيف الجيش الإسرائيلي باللغة العبرية ، على موقعة الإلكتروني حيث قام في الوقت نفسه بوضع عقبات فنية تحول دون الاطلاع عليها بسهولة بالنسبة للباحثين المصريين تحديدا ،وتمكن فريق مصري من شباب تكنولوجيا المعلومات و خبراء المواقع الإلكترونية من التغلب على هذه العقبات.
لقد حرص جيش الاحتلال الإسرائيلي على حذف مقاطع كثيرة من هذه الوثائق، وتتراوح بين كلمة أو كلمات عدة أو فقرة أو صفحة أو صفحات عدة، وهو أمر ذو دلالة، إذ أن هناك أمورا تريد القيادة الإسرائيلية إخفاءها، ربما لعلة تتعلق بالحالة المعنوية للإسرائيليين وأسرار الأمن الوطني.
الوثائق ودراسة المعركة
يقول البحراوي: دعوهم في عذرهم يروجون لوهم الانتصار الإسرائيلي، وهيا بنا نطالع الوثائق ومحتوياتها التي تبدد هذا الوهم. دعونا نتجول في سطور المحاضر..
إنني كباحث مصرى أقترح على الباحثين المصريين العسكريين والمخابراتيين أن يدرسوا بالتفصيل من خلال لجنة تحقيق رسمية محضر الاجتماع الذى عقدته “جولدا مائير” الساعة الثامنة وخمس دقائق صباح 6 أكتوبر للعناصر القيادية السياسية والعسكرية، فلقد أشارت الوثائق إلى أن السبب فى عقد هذا الاجتماع الطارئ الذى لم يكن مقرراً من قبل هو أنها تلقت من سكرتيرها العسكرى العميد ” يسرائيل ليئور “إخطاراً بأن رئيس الموساد ” تسيفى زامير” تأكد من خلال اجتماعه فى لندن بأحد العملاء أن المصريين والسوريين سيقومون بهجوم فعلى بعد عصر نفس اليوم السادس من أكتوبر فى الساعة السادسة مساء.
إن هذه مسألة تستحق الحسم بلجنة تحقيق رسمية حتى لا نترك الباب مفتوحا للتسريبات الإسرائيلية التي تشوه شخصية مصرية. لابد من إخراس الادعاءات الإسرائيلية رسميا.
إن أهمية هذه المسألة ترتبط ببحث الاقتراح الذي قدمه رئيس الأركان، الفريق “دافيد إليعازر”، في ذلك الاجتماع بتوجيه ضربة إجهاضية للمطارات السورية فى تمام الساعة الثانية عشرة ظهرا وبعد ذلك التحول إلى مهاجمة الدفاعات الجوية السورية. أعتقد أن لجنة التحقيق الرسمية ستكون أقدر منى ( الكلام لابراهيم البحراوى ) على تقديم رؤية فنية عسكرية لإمكانية نجاح هذه الضربة لو كانت قد تمت عند الظهر.
ووفقا لبعض آراء العسكريين هناك : إن إخبار الموساد فجر السادس من أكتوبر بأن الحرب ستندلع نفس اليوم فى السادسة مساء لم يكن له أدنى قيمة. لماذا؟ لأن البلاغ وصل رئيسة الوزراء فى الخامسة فجرا ولم يتبق سوى تسع ساعات فقط على موعد الهجوم الفعلى فى الثانية بعد الظهر. يرى أصحاب هذا الرأى من العسكريين الإسرائيليين أن الساعات المتبقية على اندلاع الحرب لم تكن تسمح بأى عمل يؤثر على الهجوم المصرى السورى أو يعطله لأن حائط الصواريخ المضادة للطائرات الإسرائيلية كان قد اكتمل على الجبهتين، وبالتالى كان السلاح الجوى مشلولا ، أيضا إن هذه الساعات لم تكن كافية لجمع الاحتياط البالغ عدد قواته 200 ألف جندى وضابط، والذى يحتاج 72 ساعة على الأقل.
سنترك الحكم فى هذه المسألة للباحثين العسكريين المصريين.
لقد حاول القادة الإسرائيليون برئاسة “جولدا مائير “منذ صباح اليوم الثانى للقتال، السابع من أكتوبر، وبعد أن تبينت لهم معالم الهزيمة أن يعيدوا القوات المصرية إلى مواقعها بقرار من مجلس الأمن. وذلك فى الاجتماع الذى انعقد للتشاور فى الساعة التاسعة وعشر دقائق صباح ذلك اليوم
كان هدف الجميع هو الضغط على هنرى كيسنجر لكى يستصدر قراراً من مجلس الأمن يضمن وقف إطلاق النار وعودة القوات المتحاربة إلى مواقعها قبل بدء المعركة، وهنا تشكو رئيسة الوزراء ” جولدا مائير” من أنها تلقت تقريراً من واشنطن يفيد بأن كيسنجر قد حاول إقناع بعض الدول بالموافقة على مثل هذا القرار غير أنه لم يستطع إقناع أحد، وتذكر جولدا مائير بالاسم الفرنسيين والبريطانيين والأستراليين الذين رفضوا الفكرة.
فى ذلك الوقت كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة مجتمعة فى دورة انعقادها العادية، وكانت جولدا مائير متأكدة من أن الجمعية ستصدر قرارا غير ملزم بوقف إطلاق النار مع بقاء القوات فى مكانها، وأن كيسنجر لن يستطيع وقف هذا القرار الذى يعنى استمرار وجود القوات المصرية على الضفة الشرقية من القناة. ولذا اقترحت أن يتجه كيسنجر إلى مجلس الأمن، حيث يستطيع إذا لم يصدر القرار المناسب لإسرائيل بعودة القوات إلى مواقعها قبل 6 أكتوبر، أن يعطل صدور القرار الآخر غير المطلوب الذى يسمح للقوات المصرية بالبقاء فوق أطلال حصون خط بارليف.
ويضيف البحراوى : نحن فى حاجة إلى دراسة المعركة من خلال التقرير التالى، تقرير الجنرال إسحق رابين ( الذى تقاعد من الخدمة العسكرية وكان رئيس الأركان فى حرب 1967 بعد أن استدعته جولدا مائير ليسعفها برأيه بعد انهيار وزير الدفاع. )عما شاهده فى الجبهة المصرية صباح 7 أكتوبر يقول رابين: «لقد عبر المصريون. هناك كبارى على القناة غير أنه ليس واضحاً لماذا لا تعبر القوات المصرية بالمدرعات. فمن الناحية العملياتية فإن قواتنا أصبحت غير قادرة على تعويقهم أو اعتراضهم، ذلك لأنه لم يتبق من القوات المدرعة الإسرائيلية سوى ثلث عدد الدبابات بعد أن دمر المصريون الثلثين الآخرين. لقد أصبح المصريون يسيطرون تمام السيطرة على طول خط القناة بنقاطه الحصينة بواسطة قوات المشاة وأسلحتهم المضادة للدبابات.
ويبدى رابين الأسى لأن إسرائيل لم تأخذ زمام المبادرة فى الحرب، وهو ما أدى إلى وجود حالة غير مرغوبة على عكس ما حدث عام 1967 عندما بدأت بالضربة الأولى.
يختتم الجنرال رابين تقريره عن الوضع فى الجبهة المصرية بطريقة جعلت رئيسة الوزراء تسقط فى حالة حسرة. قال رابين: «عندما تنطلق المدرعات عادة فإن وقفها أمر ليس سهلاً. لقد أقام المصريون مواقع عسكرية أمامية بها مئات الدبابات على الضفة الغربية من القناة، غير أن الصورة غير واضحة لنا بالقدر الكافى، وما دامت الأمور لم تستقر بعد على وضع معين فإنه سيكون علينا معرفة التطورات التالية».
فى محضر الاجتماع الذى انعقد فى الواحدة وأربعين دقيقة بعد الظهر يوم 7 اكتوبر يقدم مساعد وزير الدفاع، الفريق ” تسيفى تسور” تقريرا يكشف عن مشكلتين: الأولى أن طائرات سكاى هوك لا تستطيع الوصول لأهدافها بسبب حائط الصواريخ، والثانية مشكلة الفوضى الناتجة عن استدعاء 200 ألف جندى احتياطى فى يوم واحد.
وفى محضر 7 أكتوبر الساعة 2.50 بعد الظهر: قدم وزير الدفاع “موشيه ديان” تقريرا عن الوضع على الجبهتين المصرية والسورية أوضح فيه أن الأمور إذا ما سارت على النحو القائم فى الجبهتين فإن المعركة ستدور فوق أرض دولة إسرائيل نفسها وليس فى سيناء والجولان.
قال ديان ليس هذا وقتا مناسبا للنقد الذاتى ومحاسبة أنفسنا، لكن علىّ أن أعترف بأننى لم أقدر جيدا قوة العدو ولا قدراته القتالية. فى المقابل كنت أبالغ دائما فى تمجيد قواتنا، وأعلى من قدرتها على المواجهة والثبات والصمود. لابد من الاعتراف بأن العرب يقاتلون بصورة أفضل بكثير عن الحروب السابقة، ولديهم الكثير من العتاد وهم يصطادون دباباتنا بدقة بأسلحة حديثة
اعترف ديان بأنه يتوقع أن يقتل عدد كبير من أفراد الجيش الإسرائيلى، وقال إن المصريين يقومون بإرسال أسرانا وهم يحملون الرايات البيضاء ليقنعوا زملاءهم فى المواقع الأخرى بالاستسلام.
فى الدقائق الأخيرة من يوم 7 أكتوبر ومع بدء يوم 8 أكتوبر – اجتماع للقيادات برئاسة جولدا مائير نشره أرشيف الدولة وسجل عليه موعد البداية فى الساعة 11.50 ليلا. عقد الاجتماع للاستماع إلى تقرير إسحق رابين عن زيارة قام بها للجبهة المصرية بتكليف من رئيسة الوزراء بعد أن لاحظت انهيار وزير الدفاع وانحيازه لفكرة الانسحاب من أمام المصريين وإقامة خط دفاع جديد عند خط الممرات. يقول الجنرال رابين فى تقريره بالنص ما يلى:
«لقد اجتمعت عند قائد الجبهة الجنرال جنونين «جورديش» لجمع قادة الفرق فى أم خشيب، وهم قائد الفرقة الشمالية الجنرال بيرن وقائد الفرقة الجنوبية الجنرال ألبرت وقائد الفرق الوسطى الجنرال شارون.
لقد تكبدت فرقة ألبرت خسائر فادحة أما فيما يتصل بالوضع فى الجبهة المصرية فالأمور شديدة الصعوبة وبالغة التعقيد
لقد عبرت قوات مصرية من سلاح المشاة المصرى مجرى القناة وهى فى حالة تقدم، إن معظم خسائرنا من الدبابات لم تنتج عن نيران دبابات مصرية بل نتجت عن أسلحة قوات المشاة المصرية والصواريخ المضادة للدبابات. وهناك عدد قليل من دباباتنا تم تدميره بواسطة الدبابات المصرية. إن عدد الدبابات المصرية التى عبرت حتى الآن يقدر بما لا يقل عن ثلاثمائة وخمسين ونرجح أن يزيد العدد إلى 500 دبابة. إن المصريين لا يتجاوزون الطريق الموازى للقناة ومن الواضح أنهم سيحتاجون إلى عبور الفرقتين الرابعة والسادسة. إن مواقعنا تمدنا بمعلومات بأن المصريين مستمرون فى نقل الدبابات ولديهم خمسة أو ستة كبارى ولم يمكننا تدميرها أو أنهم أعادوا بناءها.
إن قدرتنا على الوصول إلى الكبارى محدودة حالياً ويحاول سلاحنا الجوى القيام بهجمات عليها غير أن النتائج هزيلة. عندما كنت فى المنطقة الجنوبية من سيناء قام المصريون بالضغط بشدة على مواقعنا وحصوننا فى منطقة لسان بورتوفيق وتوفرت معلومات بأن بعض دباباتهم تعبر القناة هناك وهى تتجه إلى عمق سيناء ولا ندرى إذا كانت تريد الوصول إلى شرم الشيخ أم لا.. طبعاً سيتصاعد دخان المعارك فى الليل عندما يسود الظلام ..
من الاستنتاجات المهمة مايعتقده البحراوى من أن هذه الوثائق تفسر لنا لماذا أعلن الرئيس السادات أن الجيش المصرى لم يعد يحارب إسرائيل، بل إنه يحارب الولايات المتحدة الأمريكية فى الأسبوع الثانى من القتال
دور المخابرات المصرية
بعد دراسة الوثائق والكشف عن الممنوع والمحذوف منها. تبين بوضوح دور المخابرات المصرية ..وحكايات الأداء المخابراتى المصرى العملاق التى لم تنشر من قبل.
يقول ابراهيم البحراوى : لقد لاحظت أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية قامت بحذف مواضع فى نصوص الوثائق المنشورة تتراوح بين كلمات أحياناً وأسطر أحياناً أخرى وفقرات أحياناً ثالثة. أعطيت تعليماتى لفريق الترجمة بضرورة إثبات هذه المواضع بعبارة «حذف بواسطة الرقابة العسكرية الإسرائيلية بمقدار كذا». كان هدفى أن أعطى الباحثين والقراء فرصة للتقصى والتحرى عن المعلومات المحذوفة فلدينا جيل كامل شارك فى الحرب ويستطيع المعاونة فى هذه المهمة.
لفت نظرى أن هناك حذفا متكررا فى شهادات كبار المسؤولين مثل رئيسة الوزراء جولدا مائير ووزير الدفاع موشيه ديان ورئيس الأركان دافيد اليعازر ورئيس المخابرات العسكرية الياهو زاعيرا. كان الحذف يظهر عندما يسأل أعضاء لجنة أجرانات التى شكلت للتحقيق فى الهزيمة بعد الحرب أحد هؤلاء المسؤولين عما إذا كان الشىء المحذوف قد فتح فى الفترة الحرجة السابقة على الحرب مباشرة. وأحياناً كان السؤال يقول عندما ارتحتم إلى تقدير للموقف يقول إن الحشود المصرية على القناة ليست سوى مناورة هل كان هذا التقدير مستنداً إلى معلومات دقيقة وهل تأكدتم من أن الشىء المحذوف قد تم حذفه.
إن الإجابات المباشرة هى الأخرى من جانب المسؤولين كانت تتعرض للحذف حتى لا نفهم ما هو هذا الشىء.
إننى أرجح من قراءتى للوثائق العديدة أن هذا الشىء كان محطة عملاقة متطورة بمعايير ذلك الوقت للتنصت على مقار القيادة المصرية وأحاديث القادة وكان مقرها أم خشيب. كذلك أرجح أن المخابرات المصرية قد اكتشفت هذه المحطة واستطاعت اختراق نظامها وبالتالى استخدمتها فى تمرير معلومات مضللة إلى المخابرات الإسرائيلية لإخفاء النوايا الحقيقية وراء الحشود المصرية. الدليل على ذلك ما ذكره وزير الدفاع موشيه ديان من أن جهازى المخابرات العسكرية والموساد «المخابرات العامة» ظلا مصممين حتى دخول ليل يوم الخامس من أكتوبر ومجىء يوم السادس من أكتوبر على أن احتمال الهجوم المصرى احتمال ضعيف.
لجنة أجرانات و الفرقة 143
لجنة ” اجرانات ” هي اللجنة التى شكلتها الحكومة الاسرائيلية في نوفمبر1973 برئاسة رئيس قضاة المحكمة العليا” شيمون أجرانات ” للتحقيق في القصور الذي تصرف به الجيش الإسرائيلي خلال حرب أكتوبر و أسباب هزيمة القوات الاسرائيلية وفشل هجومها المضاد يوم 8 اكتوبر ، وقد قامت بالتحقيق مع قائدين عسكريين مهمين ،الأول هو الجنرال” الياهو زاعيرا ” رئيس جهاز المخابرات العسكرية الاسرائيلية الذى كان مسئولاعن اجراء البحوث والتقديرات حول احتمالات قيام العرب بشن هجوم عسكرى، أما الثانى فهو الفريق “دافيج العازار ” رئيس هيئة الأركان بالجيش الإسرائيلى ،وقد أدت التحقيقات الى الاطاحة بهما من منصبيهما
و عن آخر اصدارات هذه الوثائق – وهو الجزء الثالث من المجلد الرابع ( صدر فى معرض القاهرة الدولى للكتاب هذا العام ) يقول الدكتور أشرف الشرقاوي : تناول هذا الجزء من التحقيقات الأخطاء التي حدثت في تحركات الفرقة 143 التي كان يقودها الجنرال ” أرييل شارون “، نتيجة لصدور أوامر متعارضة لألوية وكتائب الفرقة، فقد صدر بعض هذه الأوامر من قائد الفرقة والبعض الآخر من نائبه ومن رئيس أركانه.
كانت نتيجة ذلك أن الفرقة لم تنفذ الخطة التي كان يفترض أن تنفذها خلال تلك المرحلة.
وقد صاحب هذا تشكك قائد القوات الإسرائيلية على الجبهة المصرية الجنرال جونين في أن يكون الجنرال شارون لا ينفذ ما كلف فرقته به، وبالتالي أرسل الجنرال جونين نائبه العميد ساسون للتحقق مما إذ كان الجنرال شارون موجودا مع قواته في الموضع الذي أمرهم بالتواجد فيه
في الوقت الذي شهد فيه الجنرال شارون أمام اللجنة بأنه تلقى أوامر بالاستعداد لمواجهة ضغوط من القوات المصرية عن طريق الانسحاب والاستعداد للهجوم. قال نائبه أنه سمع عن هذا ولكنه عندما انسحب اكتشف عدم جود اي خطة لديه للهجوم.
وعندما تلقى أوامر من قيادة الجبهة المصرية بالهجوم سأل شارون عن ذلك فطلب منه أن يرد عليهم بانهم لن يكون في استطاعتهم الوصول للمكان المحدد لهجومهم في الوقت الذي حددته القيادة. وتبين من التحقيقات أنه نتيجة لسوء القيادة ولسوء التخطيط كانت بعض القوات تتقدم والبعض الآخر ينسحب، بينما كانت هناك كتائب كاملة تتجه للسير على محور ليس له علاقة بالحرب الدائرة أساسا. وكانت النتيجة هي فشل كامل.
وقد ألقى قائد المنطقة العسكرية المسئول عن الجبهة المصرية باللوم على شارون بسببه.
قال الجنرال شارون في شهادته عن أهمية معركة يوم 8 أكتوبر أمام اللجنة أنه كان يريد أن يشير إلى أنه عندما ترك مواقعه في ذلك الصباح كانت تحت سيطرته مناطق نوزيل وأبو وقفة وكثيب الخيل وكثيب أبو كثيرة، بل وكانت دباباته في منطقة تسيداني أيضًا. كانت الساعة العاشرة صباحا أو الحادية عشرة عندما بدأ ينسحب في مناطق نوزيل وأبو وقفة ومخشير التي دفع فيها ثمنا كبيرا من الدماء طوال أيام الحرب بعد ذلك.
وعندما تلقت الفرقة أمرا بالانسحاب منها كان الوضع مريعا، فقد تلقى المصريون يوم 8 أكتوبر تعليمات باستكمال المهام. ويبدو أن هذا حدث في المرحلة الثالثة.
وكان استكمال المهام عندهم يعني السيطرة على طريق المدفعية، وإن كانوا لم يحددوا الطريق بالتحديد، وعندما أنسحبت القوات الاسرائيلية من مناطق نوزيل وأبو وقفة وكثيب الخيل، كان هذا بالضبط في نفس الوقت الذي تلقى فيه المصريون التعليمات باستكمال المرحلة الثالثة، والاستيلاء على تلك الأماكن. ولم ينجح اللواء 500 التابع للفرقة 162 في الاحتفاظ بتلك الأماكن، أو ربما وصل متأخرا. كان القائد موجودا والتقى القادة، وفي الواقع خسرت إسرائيل هذه المناطق في ذلك اليوم. عندما عادت الفرقة في حدود الساعة 4:30 بعد الظهر إلى المنطقة، كانت الصورة مختلفة تماما. كان المصريون في أبو وقفة وفي كثيب الخيل، سواء بالدبابات أو المشاة.
ويتضح من خلال هذا الجزء من الكتاب أن تضارب الأوامر وتصرف بعض القادة حسب أهوائهم رغبة منهم في إثبات قدرتهم على القتال كان لها دور مهم أيضا في زيادة خسائر القوات الإسرائيلية.