* هناك العديد من المبدعات المصريات كن يستحققن هذه الجائزة منهن فتحية العسال وسكينة فؤاد وإقبال بركة
عاشت مع الصحافة ووقعت في هوي الأدب, بخطوات هادئة أصبحت صاحبة مسيرة أدبية متفردة, لها أكثر من ثلاثين عملا إبداعيا بين رواية وقصة, قضت سنوات طويلة في بلاط مجلة الإذاعة والتليفزيون إلي أن قادتها في أصعب الأوقات بسلاسة وتناغم ومسئولية, عندما تسمعها تتحدث ستلاحظ إنها أم قبل كل شيء, تحكي لك تجربتها مصحوبة بكلمات تعززها كيف كانت أما مسئولة وزوجة صالحة ولم يعقها ذلك عن مشوارها الصحفي والأدبي, تعشق السفر وتصف نفسها بالرحالة, تستيقظ وتنام علي صوت الراديو وتعشق الموسيقي خصوصا أنواعا معينة من الموسيقي البيزنطية تنقلها من حالة لحالة وتجعلها في مزاج يشبه التصوف, والدها كان له دور قوي في تشكيل وجدانها وشخصيتها, ساعدها علي تلقي ثقافة رفيعة بشكل يومي, كما كان له دور قوي في صغرها سافرت معه في جميع أنحاء مصر لتتعرف أكثر علي طباع وتفاصيل كل بلد, درست الفن التشكيلي, وتحب الأسطورة والمعتقدات الشعبية وتقول عن الذوق الشعبي: إنه تراكم لتاريخ البشر, واحتفاظ الشعوب
لأشياء بعينها يكون له قيمة غير عادية.
ولدت في القاهرة عام 1954, حصلت علي بكالوريوس تجارة قسم إدارة الأعمال في جامعة القاهرة عام 1975, ثم حصلت علي دبلوم صحافة, كلية الإعلام عام 1988, نشرت كتابها الأول حكايات من الخالصة عن مؤسسة روز اليوسف 1976 عن تجربة انتقال الفلاحين المصريين لتملك أراضي قرية عراقية, نشرت رواية منتهي في عام 1995, وهي قصة تجري أحداثها في قرية خيالية علي ضفاف دلتا النيل. أما رواية امرأة.. ما, العمل الرابع لها حصل علي المركز الأول كأفضل رواية في معرض القاهرة الدولي للكتاب في عام 2001, كرمت في العديد من الدول ودرست أعمالها في عدد من أهم الجامعات في العالم منها جامعة ميشيجان الأمريكية وجامعة شيكاغو والقاهرة وعين شمس, وكانت أعمالها محورا لعدد من الرسائل العلمية منها, كما حصلت علي جائزة الدولة للتفوق الأدبي عن مجمل أعمالها عام 2012, تم تكريمها مؤخرا وحصلت علي جائزة الدولة التقديرية في الآداب.
إنها هالة البدري الصحفية والأديبة المتميزة كان لنا معها هذا الحوار..
* الكاتبة هالة البدري كيف تصف نفسها ورحلتها؟
** أحب رحلتي كما أحب الحياة نفسها, أحب الكتابة وكانت هي وسيلتي, لا أعرف كيف أصف رحلتي لكن أنا شخص يقابل الصعاب بمحاولة إيجاد حل لأي صعوبة أمامي, لا أيأس أبدا, لدي باستمرارأمل ربما يصل إلي الخيال, ربما يكون ليس واقعيا تماما, لكن علي كل الأحوال يساعدني هذا علي تحمل ما أكابده سواء في العمل أو في الحياة الشخصية أو في مواجهة العقبات أو الأشياء غير المنطقية.
* ما هي عوامل الإلهام في رحلتك الأدبية وهل السفر له دور؟
** العمل الأدبي يأتي من أي شيء, من شخص قابلته بعد فترة طويلة, يأتي من شخص لا أعرفه قال جملة لفتت انتباهي, ابتسم ابتسامة رأيت فيها روحا متقدة, الإلهام يأتي من فكرة عابرة من كتاب جميل, من رواية مبهرة, حتي من فيلم, من لوحة تشكيلية, الإلهام يأتي من الهواء أما السفر فهو من أكثر الأشياء التي تحرك العقل والروح معا, طبيعي أن يأتي السفر بأفكار وأن ألتقي فيه بشخصيات تدفعني للكتابة وشخصيات أحبها, وشخصيات توضع في خانة الشخصيات التي لا أريد أن أقابلها مرة أخري, هناك دائما في السفر شيء جديد وملهم, وآخر لا أعلم عنه الكثير, وأنا أحب التغير في الحياة وأدرك تماما قيمة أن نكون مختلفين, نعم السفر مهلم.
* ما هي الصعوبات التي واجهتك في أثناء فترة الغربة؟
** السفر للعراق كان في بداية الحياة بعد ثلاثة أسابيع من تخرجي, كنت في العشرين من عمري وبغداد كانت بالنسبة لي بلادا لا أعرف عنها الكثير, ولكن كنت أعتقد كصحفية أنه من الضروري أن أعرف الكثير عن العراق وعن المغرب بمعني أن أمسك الوطن العربي من طرفيه, حتي أتعرف علي عالمي العربي بشكل أفضل, فكانت صعوبة الغربة, بالرغم من أن العراقيين يحبون المصريين جدا في هذه الفترة التي كنت فيها كان هناك مائة أسرة مصرية فقط.
عمل زوجي مهندسا في أحد المصانع, الصعوبات كانت أنني جديدة في الزواج وجديدة في العمل, وجديدة في الاعتماد الكلي علي نفسي, ومجتمع له نظرته للمصريين بشكل أو بآخر.
اكتشاف العالم, اكتشاف التنوع العراقي الكبير ما بين الجبل والصحراء والأهوار والوديان, الأهوارهي مجموعة مسطحات مائية.. مجتمع طبوغرافيا متنوع وعرقيا متنوع, ما بين أكراد وعرب وتركمان, وما بين معتقدات مختلفة, كان أمامي فسحة واسعة للدراسة والعمل ومحاولة الاكتشاف الصحيح لطبيعة البلد التي أحببتها بشدة, كانت هناك صعوبات شخصية مثل أن يمرض ابني, أن أعود به إلي مصر, أن أبقي بعيدا عن بيتي بعض الوقت, أن أعود بابني ومرات أخري أتركه, المصاعب التي تواجه الأم الصغيرة, مصاعب المطارات والتفتيش الدقيق جدا في وقت كانت العراق تضرب من إيران, في تلك الفترة لم يكن هناك طيران مباشر بين مصر والعراق, الاستغلال الذي تم للعمال أمام عيني في بلاد أخري, علي العكس لم يتم استغلال العمال المصريين في العراق بل فتحت جميع الأبواب أمامهم ليعملوا, كما قلت لك لا أري الصعوبات كما يراها غيري حتي إنني كنت أرفع شعار: خلقت المشاكل كي تحل, وعلينا نحن أن نبحث لها عن حلول.
* تأخرت في نشر رواية مطر علي بغداد 35 عام ورواية طي الألم أكثر من 20 عاما لماذا؟
** روايتي مطر علي بغداد لم تكتب أساسا إلا بعد خمسة وثلاثين عاما فقد كانت داخلي لم أكتبها, ثم فجأة وأنا أكتب مشهدا في رواية أخري كان عن الأمومة وعن طفل رضيع وأمه تتركه وتسافر, أدخلني هذا إلي عالم بغداد فتركت كل شيء ورحت أكتب عن بغداد لمدة طويلة, وأعيد التدقيق في المعلومات لأني أوردت فيها الكثير من المعلومات عن العراق فكان علي أن أدقق خاصة في المعلومات السياسية التي قد تخون الذاكرة فيها فأخذت وقتا طويلا.
أما طي الألم أبقيتها في الدرج عشرين عاما لأنها كانت سيرة عن الحياة والموت وحادث وفاة زوجي في ريعان الشباب, كان لابد أن أكتبها ولكن لم أجد سببا لنشرها, ثم أحد أصدقائي طلب قراءة السيرة فأرسلتها اليه فأصر علي نشرها وأصر الأصدقاء علي حتي أنشرها هذا هو سبب تأخرها عشرين عاما.
* ما الذي يستهويك أكثر الكتابة الأدبية أم الصحفية؟
** تستهويني الكتابة الصحفية كما تستهويني كتابة الأدب بنفس الدرجة, هناك أوقاتا كنت أترك نفسي للصحافة تماما وتأخذ وقت الأدب وأوقات أخري العكس صحيح, حين أدخل في كتابة عمل بصيغة نهائية فأترك كل شيء حولي كي أكمل روايتي, وحين يستدعيني خبر للتحقيق أو لكتابة عمل صحفي أترك العالم كله لأجري وراءه, والآن أنا متفرغة لكتابة الراوية لكن لا أستطيع أن أترك عالم الصحافة تماما فأعود اليه كل شهر مرة لكتابة مقال لجريدة المشهد, وأتوقف عن العمل الصحفي ربما مدة شهر أو شهرين حسب ظروف كتابة الرواية, وأعود مرة أخري لكتابة الأدب الآن أنا متفرغة لكتابة الأدب.
* حدثينا عن فترة رئاسة التحرير ورئاسة مجلس إدارة مجلة الإذاعة والتلفزيون..
** فترة رئاسة تحرير مجلة الإذاعة أشبهها بأني كنت مايسترو في فرقة رائعة جدا من المحررين والمحررات كلهم أصدقاء وكلهم عشت بينهم طول حياتي, لم تختلف علي الإطلاق مسألة رئاسة التحرير عن كوني مدير تحرير أو محررا كنا نتعامل بود ومسئولية, فمسئولية إدارة العمل هي دائما مسئولية إيجاد تناغم بين إنتاج الجميع لكي تكون هناك مجلة جيدة, وأيضا استخراج الجميل الموجود في كل شخص نتعامل معه من الزملاء لأنه بعضهم اعتاد الكتابة بشكل معين وأحيانا يري رئيس التحرير أنه قادر علي الكتابة من نوع آخر فإذا استطاع أن يخرج منه إمكانيات ومواهب أخري, يكون رئيس تحرير ناجحا, وأي رئيس عمل ليس أكثر من شخص يهيئ ظروف العمل لأفضل إنتاج, بالطبع كان هناك بعض المشاكل الإدارية الكثيرة المتراكمة, أظن أنني حاولت أن أحلها وأحل مشاكل بين الزملاء أنتجتها فترة طويلة من المتاعب خلال فترة ثورة يناير وقبلها, والحمد لله أعتبر نفسي نجحت في هذه المهمة وإلي الآن علاقتي بهم ممتازة, خاصة أن الفترة التي كنت فيها سواء مدير تحرير أو رئيس مجلس إدارة كانت فترة غريبة جدا ما بين ثورة يناير وفترة الإخوان وما بين إزاحة الإخوان وكلها كانت تستدعي قوة أعصاب وشجاعة علي مواجهة المراحل المختلفة والتقلبات التي تحدث في الشارع وتحدث في رئاسة الدولة والمسئولين عنها وتغير المناصب, كانت فترة مملوءة بالغليان, وأظن أن الخروج من هذه النقر كان أمرا يحتاج إلي قوة أعصاب وهدوء شديد.
* تحدثتي من قبل عن كاتبات كبار وقامات لم يحصلن علي جوائز الدولة التقديرية هل تعتبرين ذلك إقصاء لهن؟
** نعم اعتبر هذا إقصاء لهن, وأظن أن عديدا من المبدعات المصريات كن يستحققن هذه الجائزة منهن فتحية العسال علي سبيل المثال ككاتبة وكتاباتها تحولت للمسرح وسناريو وغيرها, أيضا اعتبر سكينة فؤاد وإقبال بركة جديرات بالحصول علي هذه الجائزة وأظن أن هناك كتابا كانوا يستحقون هذه الجائزة, بالنسبة لي صعب إدراك أنه مثلا دكتور أسامة أبوطالب, الشاعر محمد سليمان أو فتحي إمبابي أو كثير من الكتاب تنافسوا علي هذه الجائزة ولم يحصلوا عليها, الأعداد كبيرة جدا وأظن أنه آن الأوان للنظر بموضوعية.
* هل ترين حراكا أدبيا في مصر هذه الأيام؟ وما هو تقيمك له؟
** هناك إنتاج أدبي وليس حراكا أدبيا والفرق كبير, الإنتاج الأدبي واسع في الرواية والقصة والشعر, ولكن مع الاسف الشديد الحراك الأدبي يحتاج إلي بنية ثقافية ونقاد وقراء وهكذا, الناقد مظلوم جدا لا يوجد ما يكفي من مجلات لنشر أعماله أو صفحات أدبية لنشر متابعاته الأدبية وتكون النتيجة أن العمل الجيد جدا لا يأخذ ما يكفي من اهتمام النقاد, الحراك الأدبي أيضا يحتاج إلي مناقشة للظواهر الأدبية, مناقشة حرة مفتوحة دون مصالح, لكن هذا غير متوفرالآن بشكل عام وكثير من الأبواب مغلقة بعد كورونا.
تقييمي للإنتاج الأدبي أنه إنتاج متميز جدا خصوصا بين الشباب, هناك أجيال من الشباب تكتب كتابة جميلة جدا, وتقدم أعمالا تناسب سنها وتناسب الزمن الذي تعيش فيه, جيل وراء جيل نفاجأ ويدهشنا الإنتاج وبالذات الروائي والقصصي, ولا أستطيع أن أقول الشعربه نفس الطفرة, لكن بالنسبة للقصة القصيرة والرواية توجد طفرات واضحة والحمد لله علي الأقل مازالت هناك أجيال كثيرة تنتج, أجيال مخضرمين من الكتاب مازالوا يقدمون إنتاجا مهما ومتراكما وعندنا كثير من الكتاب يقدمون أعمالا جديدة ننتظرها, وهناك تلاقي للأجيال هذه مسائل مهمة كلها, فمعترك الحياة أعطي فرصة كبيرة للتحولات العنيفة التي تحدث في العالم, إنه المبدع يستطيع أن يقدم أشكالا جديدة من التعبير وبنية مختلفة وهذه مسألة مهمة وأنا أري أنه يوجد إنتاج أنا نفسي أعجز عن متابعته بسبب أن عدد العناوين الموجودة التي بها إبداع يستحق القراءة فوق طاقتي.
* من الكاتب الذي تجدين متعة شخصية أثناء القراءة له؟ وما هو كتابك المفضل؟
** أجد متعة في متابعة عشرات الكتاب العرب والأجانب وليس كاتبا واحدا أو كتابا واحدا, علي سبيل المثال أتمتع بكل كتب توني موريسون أو إيزابيل الليندي, تشيكوف أو يوسف إدريس, إبراهيم أصلان أو إبراهيم عبدالمجيد, أجد متعة كبيرة في قراءة سلوي بكر, نبيل سليمان, شعيب حليفي, أجد متعة كبيرة في قراءة ليس الأدب وحده ولكن كثير من المتابعات في التاريخ, الفلسفة وكثير من القراءات الأخري, أجد متعة في القراءات المتخصصة مثل علم المصريات, لكن من أمتع الكتب بالنسبة لي فجر الضمير, أيضا كتب تروجينف, ديستويفسكي, الحقيقة سؤال يصعب الرد عليه, أنا أحب قراءة القرآن الكريم باعتباره نصا من أبدع ما يكون, وكذلك في الإنجيل, هذا ليس استمتاعا بكتب دينية قدر ما هو استمتاع بطاقة روحية عظيمة أحبها كما أحب كل شيء عن الأديان الأخري أيضا, أحب أن اقرأ عن العقائد اللادينية مثل كونفشيوس وبوذا أيضا, أرجو أن أكون استطعت الإجابة علي سؤالك.
* ماالذي يزعج هالة البدري؟
** ما يزعجني في الحياة هو عدم المنطق, ربما هذا هو الشيء الوحيد الذي يجعلني عاجزة, أن أري أشياء غير منطقية لا يقبلها عقلي, هذه هي الصعوبة التي لا أجد لها سبيلا للحل, لكن الحياة بالنسبة لي كانت ممتلئة بالأشياء الجميلة بجوار الأشياء الصعبة, وكنت أجملها في كل لحظة وأنا أنتهز أي لحظة في حياتي لكي أحاول أن أجعل منها لحظة تستحق الحياة.