عزيزي القارئ، حدثتك في المقال السابق عن البعد اللاهوتي والعقائدي للألحان القبطية في ألحان الكنيسة القبطية، واليوم أريد أن أستكمل معك هذا الحديث الشيق عن نفس هذا البعد.
➢ البعد اللاهوتي والعقائدي للألحان القبطية (بقية)
عندما أرادت الكنيسة أن تشرح المفهوم اللاهوتي العميق لـ “سر التجسد”، ورأت أن الكلمات التي القتها السيدة العذراء بنفسها في فم القديس رومانوس في رؤيا، فقام للفور وذهب الى الكنيسة، وكانت ليلة عيد الميلاد المجيد، فوقف على المنجلية ليُرنم بتلقائية شديدة لحن ” #par30enoc ” ، هذا اللحن الذي كلماته صَوّرت الميلاد “المبهم” الغامض، بكلمات أكثر غموضاً:
“اليوم البتول تلد الفائق الجوهر والأرض تقرب المغارة لغير المقترب إليه”
فكيف وهي “بتول” “تلد”، وكيف عندما “تلد البتول” يكون طفلها “فائق الجوهر” وكيف إستطاعت الأرض العملاقة أن تحمل على ذراعيها المفتولتين هذه المغارة وبها ذاك الذي قال:
“الإنسان لا يراني ويعيش” خر20:33.
فتقربه الى كل البشر فيصبح عمانوئيل الذى تفسيره الله معنا؟
لذا لم تجد الكنيسة حلاً لشرح وتبسيط هذا السر، “سر التجسد” إلا من خلال التعبير بنغمات لحن ” #par30enoc “الخافته الخفيضة كأنها الهمس، وكأنها توشوش البشرية بسر التجسد، وكأن السماء تهمس في أذن البشرية قائلة: “اليوم البتول تلد الفائق الجوهر”. نعم اليوم فقط:
“قد صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوء نعمةً وحقاً” يوحنا 14:1
وعندما أرادت الكنيسة شرح مفهوم الثيؤطوكوس، بعد المعركة العقائدية التي خاضتها الكنيسة عندما كرز الكاهن”أنسطاسيوس” القادم من إنطاكية وكان يتبع نسطور بطريرك القسطنطينية، أمام القديس كيرلس الكبير “عمود الدين” في ديسمبر 428 وقال: “لا يدعو أحد مريم ثيؤتوكوس )eotokoc، لأن مريم كانت امرأة، ويستحيل أن يُولد الله من امرأة”. وأعلن نسطور موافقته على هذا التعليم الخاطئ علانية، مؤكداً أنه لا يُدعى المسيح “الله” بل “ثيؤفورن”، أي “حامل الله”، وبالتالي من وجهة نظر نسطور، تصبح مريم ليست والدة الإله لكن والدة الإنسان يسوع الذي سكنه اللاهوت.
فتصدى القديس كيرلس الكبير ” عمود الدين ” لهذا الانحراف فى الايمان و اثبت فى المجمع أن العذراء مريم ” والدة الكلمة المتجسد وهي “أم الله” وهي “أم ابن الله” و منذ هذا الوقتوبدأت الكنيسة تستخدم الالحان الطويلة مثل ” Ovno4 `mmo Mari`a “، من أجل إظهار ألقاب و صفات والدة الاله القديسة العذراء مريم، وصاغت فيه الجملة الموسيقية:” w tenu`nn3b t3ren 50e`otokoc ”
“يا سيدتنا كلنا السيدة والدة الإله”، بلحنها الرائع لتوصيل هذا المفهوم العقائدي.
إن البعد اللاهوتي والعقائدي للألحان القبطية جعلتها تسمو فوق كل موسيقى، إذ لم تعد مجرد نغمات جميلة تأسر الألباب، لكنها صارت نغمات رصينة قوية، إستطاعت أن تحمل بين أطيافها كل أسرار الكنيسة الأرثوذكسية بمفاهيمها اللاهوتية والعقائدية،التي بدون هذه الموسيقى الروحية الملهمة بالروح القدس لما إستطاع عقل أن يُدرك أعماقها ولا أن يسبر أغوارها.
عزيزي القارئ، على مدى مقالين حاولت أن أشرح لك مفاهيم البعد اللاهوتي والعقائدي للألحان القبطية، ففي إعتقادي فهمها مع حفظ الألحان والإستماع لها سوف يثبت الإيمان في القلب والوجدان، فإلي أن التقي معك الأسبوع القادم في مقال جديد عن البعد الروحي للألحان القبطية، أتركك الآن في رعاية ملك الملوك ورب الأرباب الذي نعبده بالحق.