تعيد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مثل هذا اليوم الموافق 9 من الشهر بؤونة بتذكار نقل أعضاء القديس مرقوريوس أبي السيفين إلى كنيسته في مصر ، وذلك في عهد رئاسة البابا يوأنس الرابع والتسعين من باباوات الإسكندرية.
سيرة القديس فيلوباتير مرقوريوس الشهيد أو أبو سيفين ..
ولد بمدينة إسكنطس من أعمال مقدونية في شمال بلاد اليونان حوالي سنة 224م من أبوين وثنيين سمّياه فيلوباتير أي المحب لأبيه، وكان أبوه ياروس ضابطًا رومانيًا وفيلوباتير جنديًا ناجحًا وشجاعًا حتى نال لقب Primicerius.
كان والده ياروس وجدّه فيروس يصيدان الوحوش من أسود ونمور ويقدمانها للملوك والأمراء مقابل مكافأة يعيشان منها.
ذات يوم إذ كان الإثنان في الغابة وقد نصبا شباكيهما وعلّقا الأجراس حتى إذا ما سقط فيها دقت الأجراس اختفيا بالقرب من الشباك ينتظران الصيد.
بعد فترة طويلة دقت الأجراس فجأة فانطلقا نحو الشباك وكانت المفاجأة أنهما رأيا وحشين غريبين سقطا في الشبكة لكنه بقوة مزّقا الشباك وانطلقا نحوهما.
افترس الوحشان الجدّ فيروس أما ياروس فسقط مغمى عليه، إذ لم يحتمل أن يرى والده بين أنياب الوحشين.
انطلق الوحشان إليه، وإذ فتح عينيه ورآهما ارتعد خوفاً، لكنه سمع صوتًا من السماء يقول بأن يسوع المسيح يقدر أن ينزع عنهما طباعهما الوحشي فيكونا كحملين وديعين.
قال السيد المسيح لياروس: “ يا ياروس أنا هو الرب يسوع المسيح إلهك الذي أحبك وانقذك من هذين الوحشين… و إني أدعوك إلى نور الإيمان، ستكون إناءً مختارًا لي، واخترت إبنك ليكون لي كشجرة مثمرة، يحمل أسمي أمام ملوك وولاة كثيري .
وسوف يتألم بعذابات متنوعة لأجل أسمي، لا تخف ولا تضطرب فإني أكون لك ترسًا ومنقذًا…”
إذ عاد ياروس إلى بيته بعد غياب ثلاثة أيام سألته زوجته عن سبب غيابه فروى لها ما حدث, و كم كانت دهشتهما فإنها قد سمعت ذات الصوت وتمتعت بدعوة السيد المسيح لها لكي تؤمن به.
اعتمد ياروس وزوجته وأبنه على يد الأسقف الذي أعطاهم أسماء جديدة, فدعا ياروس نوحًا وزوجته سفينة وفيلوباتير مرقوريوس [ وهو الكوكب عطارد وهو في نفس الوقت هو عند الرومان إله الحذق و البراعة والفصاحة والدهاء، ومانح الرخاء، والمشرف على الطرق، و الهادي لأرواح الموتى إلى مقرها الأبدي]، و منذ ذلك الحين أخذت عائلة القديس في السلوك في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم وكانت تكثر من عمل الصدقة.
شاع خبر اعتناق الأسرة للمسيحية حتى بلغ مسامع الأمير الذي أرسل في استدعائه مع عائلته، فأمر بإلقائهم للوحوش، ولكن الرب أنقذهم و سد أفواههم فلم تجسر أن تؤذيهم حتى أندهش جدًا هو و جميع جنوده، فدعاه واستسمحه و ولاّه رئاسة الجند.
وحدث أن أغار البربر على الروم فقام نوح وقاتلهم بشجاعة و لكنهم أسروه مدة سنة و خمسة أشهر، نال خلالها نعمة في عينيَّ ملكهم حتى ولاّه على المملكة من بعده .
وبعد هذه المدة دبّر الرب عودته لمدينته حيث التقى بأسرته مرة أخرى، و مضت مدة قصيرة على لقائهم ببعض ثم تنيّح بسلام.
بعدما أنتقل الأمير نوح والد القديس قام ديكيوس Decius الملك (201 ـ 251 م) بتوْلية أبنه مرقوريوس عوضًا عنه، و لم يكن مرقوريوس قد تعدى العشرينيات من عمره ، إلا أنه قد ورث من أبيه شجاعته وجرأته ومقدرته الحربية والعسكرية، وحدث أن أغار البربر على مدينة روما وهدّدوها حتى خاف الإمبراطور وانزعج، إلا أن القديس طمأنه وشجّعه ثم قام بنفسه بقيادة الجيش الإمبراطوري.
ظهر له ملاك الرب بلباس مضيء واقترب منه وهو حامل بيده اليمنى سيفًا لامعًا وناداه قائلاً :
” يا مرقوريوس عبد يسوع المسيح لا تخف ولا يضعف قلبك بل تقوّ وتشجّع، وخذ هذا السيف من يدي و أمضِ به إلى البربر وحاربهم ولا تنسى الرب إلهك متى ظفرت.
أنا ميخائيل رئيس الملائكة قد أرسلني الله لأعلمك بما هو مُعد لك، لأنك ستنال عذابًا عظيمًا على اسم سيدنا يسوع المسيح له المجد، ولكني سأكون حافظًا لك وسأقوّيك حتى تكمل شهادتك، وستسمع كل المسكونة عن جهادك وصبرك ويتمجد اسم المسيح فيك “.
فتناول القديس السيف من يد الملاك بفرح، وما إن أمسكه حتى شعر بقوة إلهية تملأه، ثم مضى بالسيفين (سيفه الخاص والسيف الآخر الذي سلّمه له الملاك) وهجم على البربر فأهلكهم مع ملكهم .
في الوقت الذي وهب الله فيلوباتير نصرة على الأعداء، كان عدو الخير يهيئ حربًا ضد الكنيسة، حيث امتلأ قلب ديكيوس بالشر وبعث منشورًا إلى جميع أنحاء الإمبراطورية في سنة 250 لميلاد المسيح جاء فيه :
“من ديكيوس إمبراطور روما إلى جميع أنحاء الإمبراطورية؛ ليكن معلومًا أن آلهة الآباء و الأجداد كتبت لنا النصرة, فيلزم على الجميع أن يسجدوا للإله أبولون ويتعبدوا للإلهة أرطاميس.
و قد أصدرت أوامري للجميع بتقديم البخور لها، و كل من يطيع أوامري ينال كرامة، أما من يخالف أوامري فيْعذب و يقتل بالسيف”. (من الإمبراطور ديكيوس ـ صدر في روما في السنة التاسعة من حكمه السعيد ) .
على أثر هذا المنشور الذي بعث إلى كل أنحاء الإمبراطورية ارتد البعض عن الإيمان، لكن كثيرين شهدوا للرب، دخلوا السجون واحتملوا الآلام، واستشهد كثيرون .
بعد هذا النصر العظيم لاحظ ديكيوس غياب مرقوريوس عن حفل تقديم قرابين الشكر للآلهة، وحين استدعاه لسؤاله عن سبب غيابه ألقى القديس بلباسه العسكري في وجه الإمبراطور قائلاً: ” لن أنكر إلهي يسوع المسيح ” .
أمر ديكيوس بالقبض عليه وتعذيبه في السجن بتمزيق جسده بالدبابيس والأمواس الحادة ووضع جمر نار على جانبيه ليحرق وهو حي ّ.
أرسل الله له رئيس الملائكة ميخائيل الذي شفاه من جراحاته و شجّعه و عزّاه وأعطاه السلام ثم انصرف عنه.
في الغد اندهش الملك إذ رآه سليمًا مُعافى، فازداد غضبه وحقده على القديس، فأمر بطرحه على حديد محمى بالنار، ثم علّّقه منكس الرأس وربط في عنقه حجرًا كبيرًا كي يعجّل بموته، ولكن رئيس الملائكة ظهر له مرة أخرى وشفاه من جميع جراحاته .
و إذ خاف ديكيوس من غضب أهل روما أرسله إلى قيصرية عاصمة كبدوكية (بتركيا) حيث أمر بقطع رأسه بحد السيف بعد أن يجلد بالسياط، و كتب قضيته هكذا :
“حيث إن الأمير مرقوريوس عميد الجيوش أنكر الآلهة الكرام ورفض إطاعة الأوامر الملكية وعظمتها ، نأمر أن يمضي به إلى قيصرية الكبادوك لتؤخذ رأسه هناك بحد السيف”.
حين وصلوا إلى مكان الاستشهاد بسط القديس يديه ووقف يصلي بحرارة راجيًا من الرب يسوع أن يقبله.
و بينما هو قائم في الصلاة إذ به يبصر نورًا عظيمًا والرب يسوع في مجده مع ملائكته قد وقف أمامه و أعطاه السلام وباركه، فسجد القديس للرب، وبعد ذلك التفت إلى الجند و طلب منهم أن يعجّلوا في تنفيذ ما أُمِروا به .
ثم أمال رأسه فضربها الجندي بحد السيف، وكان ذلك في الخامس والعشرين من شهر هاتور سنة 250م .
وكان جسد القديس يضيء وقت استشهاده كما حدثت عجائب كثيرة ساعة دفنه.
بعد انتهاء عصر الاستشهاد سمحت إرادة الرب بظهور جسده، فحمل الشعب الجسد المقدس بإكرام عظيم إلى الكنيسة التي بداخل مدينة قيصرية ووضعوه هناك إلى أن شيّدوا له كنيسة على اسمه.
يقول التقليد الشرقي إن القديس باسيليوس الكبير البطريرك تشفّع بالقديس مرقوريوس ضد الإمبراطور يوليانوس الجاحد (331 ـ 363 م)؛ فكان القديس هو وسيلة الانتقام الإلهي من هذا الجاحد، فبينما كان الإمبراطور يحارب في بلاد الفرس ظهر القديس من السماء في زىّ جندي ممسكًا بسيفه وحربة غرسها في صدر الإمبراطور فمات وهو ينادي المسيح حانقاً ” لقد غلبتني أيها الجليلي ! “؛ ذلك لأن الإمبراطور يوليانوس قبل ذهابه إلى الحرب كان قد ألقى القديس باسيليوس في السجن، و كان القديس لشدّة حبه لأبي سيفين يحمل أيقونة الشهيد معه أينما ذهب.
وفي أحد الأيام بينما كان قائمًا يصلي في السجن أمام الأيقونة أخذ يتأملها ويستشفع بصاحبها، و إذ بصورة الشهيد تغيب من الأيقونة فاندهش باسيليوس وظل يمعن النظر في الأيقونة وبعد برهة وجد أن الصورة عادت إلى ما كنت عليه غير أن الحربة التي كانت بيد الشهيد ملطخة بالدماء.
ومن بين من أوردوا هذه القصة Delacy O Leary ; THE SAINTS OF EGYPT
* يوجد دير باسم أبي سيفين للراهبات بمصر القديمة يلتجئ إليه الألوف من النفوس المتألمة للتمتع بالبركات الإلهية.
و في اليوم الخامس و العشرين من هاتور ( 4 من ديسمبر ) تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية في مصر باستشهاد هذا القديس، وأما كنائس الروم فتعيد لذكراه في الخامس والعشرين من شهر تشرين ثاني (نوفمبر)، ولهذا القديس في كنيستنا عيدان آخران: أحدهما في 9 بؤونة (16 يونية)عيد وصول عضو من جسده إلى مصر في عهد الأنبا يحنس البابا الرابع والتسعين بمساعدة مكروني مطران دير الأرمن بالقدس، ووضع هذا العضو الطاهر في كنيسة القديس أبي سيفين الأثرية بمصر القديمة التي صارت مركزا للكرسي البطريركي فترة من الزمن، وقد رسم فيها (14 )أربعة عشر بطريركا .
والعيد الثاني عيد تكريس الكنيسة التي دشنت باسمه و يقع في 25 أبيب ( أول أغسطس ).