سادت موجة من التمرد في الآونة الأخيرة علي نظام الإنتاج الحيواني التقليدي في المزارع الذي دأبت عليه البشرية منذ بداية الخليقة .. في محاولة للترويج لتقنية علمية جديدة لإنتاج اللحوم في المختبرات بدلا من المزارع ، باعتبار أن الإنتاج الحيواني التقليدي هو المسؤول عن انتاج غاز الميثان الذي يتسبب في الإحتباس الحراري، وأنه هو المسؤول عن تفشي الأوبئة مثل كوفيد 19 و بكتيريا إيه كولاي و انفلونزا الخنازير وغيرها، وأنه يستهلك مساحات شاسعة من الأراضي لتربية الحيوانات والأراضي الزراعية لزراعة الأغذية لتلك الحيوانات، هذا بالإضافة إلي أن إنتاج اللحوم أصبح عبئا أخلاقيا يجب التخلص منه، وكأن ذبح الحيوانات وأكلها عملا غير إنساني! يؤكد أصحاب هذه النظرية أن اللحوم المصنعة في المختبرات لا تختلف عن المنتجات الحيوانية الطبيعية في الطعم و الققيمة الغذائية . جاءت هذه التصريحات فور إعلان إدارة الغذاء و الدواء الأمريكية FDA
موافقتها لشركة “أبسايد فود” في ولاية كاليفورنيا علي أخذ الخلايا الحية من الدجاج أو الأبقار ثم زراعتها في بيئة معملية خاضعة للمراقبة لإنتاج لحوم من الخلايا الحيوانية المستزرعة أو يمكن أن توصف بأنها مستنسخة , و أعلنت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية أنها تجري مباحثات ومناقشات مع شركات متعددة تود القيام بنفس الشيء بما في ذلك الشركات التي ترغب في إنتاج مأكولات البحرية مستزرعة في المختبرات.
لحوم مختلفة ومضادات حيوية
كانت وزارة الزراعة الأمريكية قد عقدت اجتماعا في شهر سبتمبر الماضي مع إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لمناقشة إنتاج لحوم الماشية والدواجن من خلال الخلايا في المختبر بدلا من الحيوانات المذبوحة، وتم مناقشة التنظيم اللازم لتعزيز هذه المنتجات والحفاظ على أعلى معايير للصحة العامة.
وأوضحت الهيئة الأمريكية أنها راجعت البيانات التي قدمتها الشركة، وليس هناك مزيد من الأسئلة حول التأكد من أن المنتج آمن لتناول الطعام، و ذكر البيان الذي نشره الموقع الإلكتروني لصحيفة نيويورك بوست أن موافقة ال إف دي إيه تنطبق فقط على منتجات الشركة المذكورة، و لكنها مستعدة للعمل مع شركات أخرى لتطوير أغذية الخلاياالحيوانية المستزرعة.
وأكدت الهيئة أنها لم تجد أية مشكلة تتعلق بالسلامة في عملية إنتاج شركة ابسايد فود للحوم، وقد تم وصف المنتج النهائي في تقرير آخر علي أنه نسيج متماسك من خلايا الدجاج مشابه في التركيب والخصائص الغذائية لمنتجات الدواجن التقليدية.
وبينما يقصد بالمنتج النهائي أن يكون مشابها للدجاج قد تشتمل مواده الأصلية علي مواد من أصل بقري أو خنازير، بالإضافة إلى وسائط زراعة الخلايا ومكونات الوسائط و المضادات الحيوية ومضاضات الفطريات و ذلك وفقا لأدارة الغذاء والدواء الأمريكية.
تلوث محتمل
تدعي شركة أبسايد فود أن موادها من الأبقار مصدرها قطعان خالية من الأمراض أو غير معرضة للمخاطر، ويتم إختبار مكونات الخنازير الخاصة بها بحثا عن فيروسات الخنازير التي يمكن أن تعيش في الخلايا البشرية.
وتقر الشركة باحتمال وجود تأثيرات غير مقصودة للهندسة الوراثية ، فضلا عن التلوث المحتمل بالكائنات الحية الدقيقة أو الفيروسات الحيوانية المصدر باعتبارها مخاطر محتملة متأصلة في عملية التصنيع ، و لكنها تطمئن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إلى أن لديها إجراءات معمولا بها لإختبارها، وإن دجاجها آمن مثل لحوم الدجاج التقليدية!
شكوك المستهلكين
قال بروس فريدريش رئيس معهد جود فود “هذه علامة فارقة مهمة نحو مستقبل الغذاء، ستوفر اللحوم المزروعة قريبا للمستهلكين في الولايات المتحدة الذين يرغبون في جعل الأطعمة المفضلة لديهم أكثر استدامة، بالإضافة إلى الفوائد البيئية، ومع ذلك يمكن أن تؤدي الأسعار المرتفعة وشكوك المستهلكين ألي إبطاء التحول الي اللحوم المصنوعة في المختبر، مما يعني أن المطاعم ومحلات السوبر ماركت قد لا تخزن هذه اللحوم بكميات كبيرة في الفترة الحالية.”
مصادر التمويل
جدير بالذكر أن شركة أبسايد فود التي يقع مقرها في منطقة خليج سان فرانسيسكو و التي يرأسها أوما فاليتي.. كانت قد تأسست عام 2015 بإسم ممفيس ميت بمعني لحوم ممفيس ، و إجتذبت تمويلا هائلا من أصحاب المليارات مثل بيل جيتس وريتشارد برانسون وكيمبال ماسك شقيق أغني رجل في العالم إيلون ماسك.
ثم غيرت الشركة علامتها التجارية في العام الماضي الي أبسايد فود. وقد فازت بالموافقة الأساسية الأولي من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية، و هي الآن في إنتظار الموافقة التالية من وزارة الزراعة الأمريكية.
تحضير الخلايا
صرح أوما فاليتي المؤسس و الرئيس التنفيذي للشركة أن هذه المنتجات ليست نباتية بل هي لحوم حقيقية مصنوعة بلا حيوان، وأوضح أن عملية إنتاج اللحوم المزروعة تشبه عملية تخمير الجعة أو البيرة، لكن بدلا من زراعة الخميرة أو الميكروبات تزرع الخلايا الحيوانية. و يبدا العلماء في أخذ عينة خلية صغيرة من الخلايا الجذعية من حيوانات الماشية أو الدجاج، ثم تحديد الخلايا التي يمكن أن تتكاثر، و توضع هذه الخلايا في بيئة نظيفة وخاضعة للرقاب، و يتم تطعيمها بالعناصر الغذائية الأساسية التي تحتاجها للتكاثر بشكل طبيعي.
بنوك الخلايا
أوضح ديفيد كابلان أستاذ الهندسة الطبية الحيوية في جامعة تافتس بولاية ماسا تشوستس الأمريكية أن تصنيع اللحوم المزروعة يعتمد علي مجال هندسة الأنسجة، حيث يحصل العلماء علي عينات من خلايا الحيوانات مأخوذة من الخلايا الجذعية، أو عن طريق عزل الخلايا من البيض، أو الحصول علي خلايا من بنوك الخلايا، و هذه البنوك موجودة بالفعل لأغراض مثل تطوير الأدوية واللقاحات. و أكد كابلان أن أن طريقة أخذ العينة من الحيوان تشبه طريقة أخذ العينة من الإنسان، أي أن الحيوان لا يتعرض للأذي.
و الخطوة التالية هي تحديد العناصر الغذائية –الفيتامينات والمعادن والأحماض الأمينية التي يجب أن تستهلكها الخلايا، وتدخل هذه الخلايا فيما يشبه حمام من المغذيات في مفاعل حيوي، في وعاء فولاذي غير قابل للصدأ، حيث تتحرك الخلايا تحت ضغط معين لخلق بيئة تسمح للخلايا للنمو بكفاءة وأمان.
تستغرق عينة الخلية حوالي أسبوعين أو ثلاثة لتنمو إلي الحجم المطلوب، أي حوالي نصف المدة التي تحتاجها الدجاجة لتنمو . و بعد ذلك يتم تحويل اللحم إلي المنتج النهائي سواء كان صدر دجاج أو كتلة صلبة أو برجر لحم بقري.
شركات أخرى
جدير بالذكر أنه توجد شركات أخري بدات تتأهب للدخول في سباق إنتاج اللحوم المزروعة من بينها شركة موسا ميت في هولندا، وشركة إيت جاست إنك الأمريكية ومقرها في كاليفورنيا أيضا، شركة نستله السويسرية التي نجحت في إنتاج مشروب بديل للحليب من البازلاء، ومن المحتمل أن تقوم نستلة بمزج المكونات النباتية مع الخلايا الحيوانية في المختبر للإسراع في عملية الإنتاج وتخفيض التكلفة. وتوجد أيضا شركة فيوتشر ميت تكنولوجيز الإسرائيلية.
سينغافورة
وقد سبقت سينغافورة دول العالم اجمع في الموافقة رسميا علي بيع اللحوم المزروعة في محاولة منها لتنفيذ أجندة تأمين الغذاء، فقد منحت الموافقة لشركة إيت جاست إنك الأمريكية المصنعة لبدائل اللحوم و البيض لبيع منتجاتها في أسواق سينغافورة، والمعروف أن سينغافورة لديها كثافة سكانية مرتفعة، وهي تحاول أن تلبي الإحتياجات الغذائية ل 5.7 مليون نسمة . و كانت إلي وقت قريب تعتمد علي استيراد غذائها بنسبة 100%، لكنها في الفترة الحالية تحاول أن تنجح في إنتاج 30% من غذائها مع حلول عام 2030.