عزيزي القاريء تحدثت معك في المقالين السابقين عن لحننــي ســافــيف تيرو، واليوم أريد أن أستكمل الحديث عنه.
فما أجمل وما أرق وما أعذب نغمات هذا اللحن الذي يبدأ متئداً وقوراً في فخامة، عريضاً وكأن جوقة الحكماء تتقدم لكي تجتمع حول ثوب الحكمة والمجد والبهاء وفي تأني شديد – يظهر في الإيقاع المتحرر من القيود المنتظمة –يبدأ هؤلاء الحكماء في إنتقاء سلخة من خيوط السيرما الذهبية ثم بعناية فائقة يتم إمرارها في الثقب الصغير الموجود بأعلى الإبرة المدببة وقد تفشل المحاولة الأولى والثانية وقد تنجح المحاولة الثالثة في إمرار الخيط الذهبي في ثقب الإبرة الفضي. وهذا التأني وهذه المحاولات الغير متساوية تظهر في إيقاع اللحن الغير منتظم والذي يصل إلى الحد الذي قد يوصف بأنه Adlibitum أي إرتجالي متحرر من القيود المنتظمة.
وما إن تنجح محاولة إمرار الخيط الذهبي بالثقب حتى نجد الإيقاع المنتظم بدأ يدب في اللحن معلناً عملية التطريز المنتظمة لثوب الحكمة ثوب المجد والبهاء فيكون الجزء “ب” من اللحن ذو الإيقاع المنتظم المعبر عن إنتظام التطريز والمؤَكد بأسلوب “الميلسما” المميز للجزء “ب”.
أيه يا رب… ما كل هذا المجد والبهاء الذي تضعه فوق كهنتك. إنني كلما قرأت الإصحاح الثامن والعشرون من سفر الخروج لموسى النبي إقشعر جسدي. إصحاحاً كاملاً من ثلاثة وأربعين آية في جميعها توصي الحكماء وتشرح لهم كيف يحيكوا الثياب، صدرة ورداء وجبة وقميص وعمامة ومِنطقة. جميعها تصنع صنعة حائك حاذق من أغلى الخامات والأحجار الكريمة.
ربي… إن مثل هذا الثوب بهذا الوصف الدقيق من فمك المقدس أراه مناسباً لأن يوضع على جسد إبنك الحبيب،فهو الملك الذي ملك وسيملك على حياتنا كلنا. وهو الوحيد الذي له كل المجد والبهاء. لكن بمحبتك العجيبة وتواضعك الغير مدرك تخلع عنك هذا الثوب الفضفاض بكل الاحجار الكريمة والأطواق والحلقات الذهبية وصفوف الحجارة من عقيق وياقوت وزمرد وبهرمان وجمشت وعين الهر ويشم وزبرجد، فكل هذا المجد والبهاء تخلعه عنك لتضعه على رئيس كهنتك.
عجباً! الله الذي له كل المجد والبهاء يريد أن يضع كل هذا على رئيس كهنته، والناس يتبرمون، لماذا ؟ لست أدري!
إنما أنا أدري فقط أن هذا اللحن إنما يصور كل الحكماء وهم يمسكون الثوب وأمامهم هذا الدليل “الإصحاح الـ 28 من سفر الخروج” لكي ينفذوا أمر الرب لموسى أن يصنع ثياباً مقدسة لهرون أخيه ويظل اللحن بشقيه “أ” الإرتجالي و”ب” الإيقاعي يتكرر حتى ينتهي الحكماء من هذا الثوب العجيب عندئذ يوضع الثوب بصدرته وردائة وجبته وقميصه وعمامته والمنطقة على جسد رئيس الكهنة فيذكرنا أن الله افتقد شعبه، ويذكرنا بقسم الرب أن بنو داوود سيجلسون على كرسيه إلى الأبد إذا ما حفظوا عهد الرب وشهاداته وبالآية “أقسم الرب ولن يندم أنك أنت هو الكاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق” (عبرانيين21:7) لنعرف أن ذبيحة الخبز والخمر التي قدمها ملكي صادق (تك18:14) ستظل قائمة لا تنتهي طالما نحن على الأرض في حاجة إلى مغفرة الخطايا.
عندئذ يهتف كل الشعب فرحاً بالجزء (ج) من اللحن “أمبنيوت أتطايوت” وهتافه هذا يكون ممتلئ نشاطاً وحيوية بسرعة أكبر من الأجزاء (أ) و(ب) ليعلن بذلك ختام اللحن.
وتظهر نغمة الـ”LA” بيمول (أي المُخَفضة) وفي خفض درجة الـ”LA” يصطبغ اللحن في نهايته بصبغة مرحة إذ أنها تظهر في شكل زخرفي سريع يحمل مشاعر الشعب المبتهج بوجود راعيه الأرضي في بيت راعيه السماوي.
إلهي … إجعلني كلما رأيت هذا الثوب الممتلئ بالمجد والبهاء موضوعاً على رئيس كهنتنا، أن أتذكر محبتك الفائقة التي جعلتك لا تحتفظ بالمجد والبهاء لذاتك الوحيدة المستحقة لهما بل تخلعهما عنك لتضعهما على رئيس كهنتك فتزداد أنت بهاءاً ومجداً كلما أخليت ذاتك يا كليّ المجد والبهاء.
عزيزي القارئ على مدي ثلاثة مقالات إستفضت فيهما في شرح لحن ني سافيف تيرو، وإلى اللقاء في المقال القادم نتأمل فيه في لحن ذوكسابتري ” الذي يقال بعد دورة الحمل فإلى أن التقى بك أتركك تستمتع بالنغماتالعذبة للحن ني سافيف تيرو.